على مرمى نحو 160 كيلومتراً من لبنان، تردّد دويُّ التهديدِ المزدوج غير المسبوق الذي وجّهه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله لقبرص بأنها ستكون «في عين» أي حربٍ تشنّها اسرائيل على «بلاد الأرز» وتَستخدم فيها قواعد ومطارات الجزيرة الصغيرة، ملوّحاً بأن البحر الأبيض المتوسط سيتحوّل أيضاً «ملعب نار» في حال ضغطت تل أبيب بدعمٍ أميركي على زرّ التفجير الكبير.
وبين الداخل اللبناني الذي توزَّعَ على مَن «نعوا» بقايا دولةٍ اعتبروا كلام نصرالله «المسمار الأخير في نعشها» ومَن حاول من الرسميين «حِفْظ ماء الوجه» تجاه نيقوسيا، وبين خارجٍ انطبعَ ردّ فعله على تهديد دولة عضو في الاتحاد الأوروبي (وتشكل حدوده الشرقية على المتوسط) بـ «مُداراةٍ» بارزة لـ «حزب الله»، لم يكن هناك أمس صوتٌ أعلى من «هدير» مواقف الأمين العام للحزب الذي بدا في «رَبْطِ النزاع» مع قبرص وكأنه يوسّع رقعة «ميزان الردع» تَحَسُّباً للمواجهة الأكبر التي كان فَتَح «الحرب الاستباقية» باسمها عبر جبهة الجنوب في 8 أكتوبر ليأتي توعُّده الجزيرة التي تبعد 50 دقيقة في الجو عن لبنان بمثابة «حربٍ استباقية نفسية» يُعتقد أنها حقّقت «أهدافها»، أقله في ضوء «الوقْع الأوّلي» الذي أحدثه التهديد بأعلى صوت وتلقُّفه «الناعم» ممّن «يهمّهم الأمر».
وفيما صدرتْ بعض المواقف في لبنان من خصومٍ لـ «حزب الله» اعتبرتْ أن نصر الله كرّس بتوريطه البلاد في أزمةٍ محتملة مع قبرص أن «الأمرَ له» في ما يتعلّق بقرار الحرب والسلم ليس فقط مع دولة عدوّة بل أيضاً مع دولة صديقة ومع أوروبا من خلْفها، مكمّلاً عزْل الوطن الصغير عن «محيطه الطبيعي» (الخليج العربي اولاً والآن أوروبا) وتمكين الحزب في كل المفاصل الاستراتيجية الموصولة عضوياً بمشروع وأجندة إيران في المنطقة، حاولتْ أوساط متابعة تفكيك شيفرة هذا التهديد الأول من نوعه والذي راوحتْ قراءته بين:
– أنه يَعكس استشعاراً بأن «الحربَ الواسعة على الأبواب» ويحاول «محور الممانعة» تأخيرها بزرع «عبوات» في طريقها.
– وبين أنه في سياق رسائل تحذيرية «واجِهَتُها» ما كشفه نصر الله وقريبون منه عن عمليات محاكاة ومناوراتٍ يُجْريها الجيش الاسرائيلي في مدينة بافوس (على الساحل الجنوبي الغربي لقبرص) استعداداً لـ «حرب لبنان»، ولكن خلفيتها الخفية ترتبط بمعلومات عن استخدام تل ابيب أحد المطارات القبرصية أكثر من مرتين لتنفيذ ضربات ضد أهداف لحزب الله وإيران في سورية. علماً أن إعلاماً محسوباً على «الممانعة» نشر أمس صورة تحت عنوان «بافوس أقرب (الى صواريخ حزب الله) من إيلات».
لبنان… النعامة
واستوقفتْ الأوساط المتابعة 4 مسارات أعقبت تهديدات نصرالله:
– الأول من الدولة اللبنانية التي بدت أقرب إلى «شاهِد ما شافش حاجة» وهي ترصد من مقاعد المتفرّجين التداعيات المحتملةَ لـ «ليلة القبض» مجدداً على مصير اللبنانيين وتهديد علاقة لبنان بدولة لطالما شكّلت ملاذاً آمناً لأبناء «بلاد الأرز»، هرباً من الحرب الأهلية (1975 – 1990) كما من حرب يوليو 2006، ثم في أعقاب «الانهيار الكبير» المالي ابتداء من 2019 حين اختار الآلاف الركون إليها لانطلاقةٍ جديدة وصولاً لـ «نزوح» مطوّرين عقاريين إليها ما أدى الى ارتفاع لافت في الطلب على شراء الشقق من جانب لبنانيين (تُمنح الإقامة مدى الحياة لكل شخص يملك عقاراً جديداً في قبرص).
وحدها خطوة خجولة و«تجميلية» سُجّلتْ من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب الذي أجرى اتصالاً بنظيره القبرصي كونستانتينوس كومبوس وأعرب له عن تعويلِ لبنان الدائم على «الدور الإيجابي الذي تلعبه نيقوسيا في دعم الاستقرار في المنطقة»، ناقلاً عن الوزير القبرصي مضمون البيان الصادر عن رئيس بلاده أول من أمس من أن الدولة الجزيرة «تأمل ان تكون جزءاً من الحل وليس من المشكلة»، وأن «قبرص ليست بوارد التورط بأي شكل من الأشكال في الحرب الدائرة في المنطقة».
وإذ أوضح كومبوس أن «قرار قفل السفارة القبرصية أبوابها ليوم واحد (أمس) كان محدَّداً مسبقا لأسباب إدارية تتعلق بنظام التأشيرات وهي ستعاود العمل كالمعتاد بدءاً من الجمعة»، شدد الوزيران على «عمق علاقات الصداقة التي تربط البلدين وأهمية تعزيز التعاون الثنائي بينهما لما فيه مصلحة الشعبين».
وكانت الخارجية اللبنانية أكدت في بيان أنّ العلاقات مع قبرص تستند «إلى تاريخ حافل من التعاون الديبلوماسي وأن التواصل والتشاور الثنائي قائم وبوتيرة مستمرة ودائمة على اعلى المستويات بين البلدين بهدف التباحث في القضايا ذات المصالح المشتركة».
قبرص تجرّعت التهديد
– والثاني من قبرص نفسها التي بدت كمَن «تجرَّع» التهديدَ الذي حاول محسوبون على «الممانعة» تبريرَه بأنه «بديل عن ضائع» اسمه تَغاضي لبنان الرسمي عن توجيه احتجاجٍ لدى نيقوسيا على استخدام أراضيها لمناوراتٍ تُحاكي عملاً عدائياً ضد «بلاد الأرز».
وتوقفت الأوساط عند «الردّ اللطيف» من الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس على التهديد «غير اللطيف» إذ أكد «أن قبرص ستظل غير متورطة في أي صراعات عسكرية وهي تضع نفسها كجزء من الحل وليس المشكلة»، مؤكداً دور بلاده «كميسّر إنساني والذي يتم الاعتراف به عالمياً خصوصا في العالم العربي».
وفي ما يتعلق بقنوات الاتصال المحتملة مع حزب الله أو الحكومة اللبنانية، لفت خريستودوليدس إلى أن «قبرص لديها قنوات ديبلوماسية مفتوحة مع كل من حكومة لبنان وحكومة إيران»، معتبراً تصريحات نصر الله «غير لطيفة، ولا تعكس الواقع»، ومشيراً إلى أن «قبرص لا تشارك في أي اشتباكات عسكرية»، ومعلناً «أن الحكومة ستعالج القضية عبر القنوات الديبلوماسية».
في موازاة ذلك، أكد الناطق باسم الحكومة القبرصية كونستانتينوس ليتيمبيوتيس ان نيقوسيا «لن تسمح لأي دولة باستخدام أراضيها لتنفيذ عمليات عسكرية، وأنها ليست متورطة في أي صراعات»، واصفاً تصريحات نصرالله بأنها «غير سارة» ولافتاً إلى ان بلاده «ستتخذ الإجراء المناسب من خلال القنوات الديبلوماسية».
وأضاف أن الحكومة لن تسمح لأي دولة بتنفيذ عمليات عسكرية على الجزيرة، لكنه أشار إلى «خصوصية» وجود القواعد البريطانية في قبرص، التي قال إنها «تتمتع بوضع مختلف».
وفي حين نقلتْ قناة «الحدث» معلومات «عن نية حزب الله استهداف مصالح بريطانية وأميركية وإسرائيلية في قبرص منذ شهرين» وأنّ «بريطانيا وأميركا وإسرائيل بالتعاون مع قبرص تجري مسحاً شاملاً للبنانيين في الجزيرة وأنه سيتم التعامل مع مرتبطين بحزب الله في قبرص كإرهابيين وان الاستخبارات القبرصية تتعامل مع لائحة أسماء لبنانية وإيرانية وسورية بعد خطاب نصرالله»، تترقّب بيروت وصول مسؤولٍ قبرصي على وقع الارتباك الذي ساد لبنان أيضاً بعد معلومات سرت عن قفل سفارة قبرص أبوابها كردّ فعل على كلام الأمين العام لـ «حزب الله»، في أعقاب إعلان السفارة في بيان «أن القنصلية لن تستقبل أي طلبات تأشيرة أو تصديقات ليوم واحد فقط، في 20 يونيو 2024».
وإذ اعتبر البعضُ هذا الإجراء بمثابة «إنذار» إلى لبنان، أوضح نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لتلفزيون «ام تي في» أن ما جرى هو وقف استقبال التأشيرات ليوم واحد فقط لأسباب إدارية تتعلق بمراجعة تعرفة منْح التأشيرات، وهي ستعاود العمل بدءاً من الجمعة.
أوروبا تردّ بخجل
– المسار الثالث هو الاتحاد الأوروبي الذي بدا وكأنه «أدار الخدّ» لـ «الصفعة» التي وجّهها نصر الله بتهديد قبرص ومن ورائها القارة العجوز والتجارة في البحر الابيض المتوسط، حيث لم يصدر موقف إلا بلسان المتحدث الرسمي باسم الاتحاد الذي استصرحتْه قناة«العربية»، فقال إن «قبرص عضو في الاتحاد، وأي تهديد لها سيكون لكل الأعضاء»، معلناً «نعمل على وضع خطة لدعم الجيش اللبناني الذي يضطلع بدور أساسي مع قوة اليونيفل لاحتواء الوضع جنوب لبنان».
– والمسار الرابع هو اندفاعة تصريحات في اسرائيل بينها لوزير الخارجية يسرائيل كاتس الذي اعتبر أنّ «الصواريخ الإيرانية تُهدّد الدول الأوروبية والعالم الحر بأكمله».
وأضاف «يجب أن نوقف إيران الآن قبل فوات الأوان».
الجنوب يشتعل
وجاء كل هذا الصخب على وقع المواجهات التي التهبت مجدداً على جبهة الجنوب غارات واغتيالات من اسرائيل طاولت إحداها عباس إبراهيم حمزة حمادة في دير كيفا (قضاء صور) الذي استُهدف في سيارته وأعلن الناطق باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي أنه قائد عمليّات منطقة جويا في «حزب الله» وكان مسؤولاً عن تخطيط وتنفيذ هجمات ضدّ اسرائيل وعمل أيضاً في قيادة قوّات المشاة في منطقة جويا وعلى تحسين القتال البريّ لـ«حزب الله».
كما أدت غارة على سيارة في حومين الفوقا الى سقوط نجل الشيخ محمد جمعة، قبل أن تفيد معلومات عن استهداف الطيران المسيَّر«بيك أب»على طريق عام حناويه (صور) وسط تقارير عن نجاة السائق.
وفيما ردّ «حزب الله» بسلسلة عمليات بينها ضد ثكنة زرعيت، وموقع الناقورة البحري، ومواقع اسرائيلية في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا المحتلة، وعلى وقع «الصدمة» المستمرة في اسرائيل من «الصيد الثمين» بالصور الذي عادت به مسيرة «الهدهد» من حيفا والمناطق والقواعد الحساسة فيها، مضت تل ابيب في تهديداتٍ ضد لبنان بالتوازي مع تحذيرات من عدم جهوزية لتحمُّل تبعاتِ حرب كبيرة «ستقطع شبكة الكهرباء عن اسرائيل خلال 72 ساعة».
وبعد تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت من«أن الوضع في الجبهة الشمالية مع لبنان، سيتغير بتسوية أو بعملية عسكرية»و«ان قوات جيش الدفاع تستعد وتستمر في الاستعداد لمواجهة أي تهديد يأتي في طريقنا، سواء في الدفاع أو الهجوم»، أعلن رئيس هيئة الأركان الجنرال هيرتسي هاليفي أن «جيشه يملك قدرات قوية وحزب الله سيواجه تلك القدرات في الوقت المناسب»، مضيفاً «لقد نشر حزب الله مقطع فيديو يُظهر قدرات نعرفها جيداً ونعدّ حلولاً للتعامل معها ومع قدرات أخرى ستواجهونها عند الحاجة».
… الدفن الطارئ
وفي موازاة ذلك، كان وزير الطاقة الإسرائيليّ إيلي كوهين يؤكد «اننا نعمل لضمان تأمين إمدادات الكهرباء بشكل منتظم، وننتج الطاقة من مصادر متعددة»، متوعداً «إذا انقطعت الكهرباء لساعات في إسرائيل، فستنقطع لشهور طويلة في لبنان».
أما وزير الشؤون الدينية مايكل مالكيلي فكشف أنّ«وزارته تستعدّ لسيناريوات دفن طارئة استعداداً لاحتمال اندلاع حرب في الجبهة الشمالية».
وأضاف في مقابلة مع«القناة الـ 14»، أنّ «وزارة الخدمات الدينية المكلفة بالدفن تستعدّ لسيناريوات وصفها بـ«الكبرى»في الشمال من دون أنّ يوضح ماذا يقصد بذلك. وشرح أن وزارته طلبت من الحكومة حتى قبل السابع من اكتوبر التحضير «للدفن الطارئ»، قائلاً «يجب الاستعداد لمثل هذه الحوادث عموماً».
حرب و… كوابح
وفيما كان الاتحاد الأوروبي يعلن أمس «اننا نعمل مع الأطراف الإقليمية لمنع حرب بين إسرائيل وحزب الله وسنساعد الجيش اللبناني في المحافظة على السلام جنوب البلاد»، برز ما نُشر عن تحذير الولايات المتحدة لبنان، من أنها ستدعم أي هجوم إسرائيلي عليه إن لم يوقف حزب الله هجماته اليومية على شمال إسرائيل.
وجاءت التحذيرات، وفق تقرير لهيئة البث الإسرائيلية «كان»، خلال رحلة المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكشتاين إلى بيروت، الثلاثاء.
ونقلت «كان» عن المبعوث الأميركي قوله لمسؤولي لبنان، إنه «إذا لم يوقف حزب الله هجماته اليومية على شمال إسرائيل، فقد يجد نفسه هدفا لعملية إسرائيلية محدودة».
ووفقاً للتقرير، أوضح هوكشتاين أن «هناك حاجة إلى حل ديبلوماسي لإجبار حزب الله على التراجع عن الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وإلا فإن إسرائيل يمكن أن تشن هجوماً محدوداً بدعم من الولايات المتحدة».