بعد أسابيع من المفاوضات الصعبة، يدخل اتفاق سقف الدين حيز التنفيذ بعد أن وقع الرئيس الأميركي, جو بايدن، السبت، مشروع القانون الذي أقر مؤخرا في الكونغرس، ونص على رفع سقف دين الحكومة إلى ما يزيد عن 31.4 تريليون دولار.
وجنّب اتفاق اللحظة الأخيرة بين بايدن ورئيس مجلس النواب، كيفن مكارثي، دخول البلاد في دوامة اقتصادية كانت لتصبح أول تعثر أميركي على الإطلاق في سداد الديون.
نص الاتفاق على رفع سقف الدين لعامين إضافيين، ما يعني أن البيت الأبيض لن يُضطر للتفاوض عليه مجددا قبل انتخابات، عام 2024، الرئاسية.
وفي مقابل تعليقه العمل بسقف الدين العام، يفرض القانون حدا على بعض النفقات، باستثناء النفقات العسكرية لإبقائها مستقرة، عام 2024، وبزيادة بنسبة واحد في المئة، في عام 2025.
الرابحون
أبرز الرابحين من الاتفاق هما، بايدن وخصمه الجمهوري، مكارثي، بإجماع الكثير من المحللين والمطلعين على الصفقة.
وتمكن بايدن من جعل الجمهوريين يتراجعون عن معظم مطالبهم الرئيسية التي كانوا قد طروحها كشرط لعدم ترك واشنطن تتخلف عن السداد.
ويفرض الاتفاق المبدئي قيودا محدودة على الإنفاق الفيدرالي، وهو أمر يرضي الجمهوريين، لكنه لا يعني خفض الإنفاق بشكل كبير كما طالب اليمينيون في ظل رفض الديمقراطيين.
أما معسكر مكارثي، فسجل هدفا من خلال إقحام بايدن في مفاوضات كان قد قال إنه لن يجريها على الإطلاق.
ورغم أن مكارثي لم يضمن تخفيض بعض النفقات التي كان يطالب بها الجمهوريون، إلا أنه أجبر بايدن على بعض التنازلات وتجنب، في الوقت الحالي على الأقل، احتمال التمرد من داخل صفوفه.
في تحليل نشرته صحيفة وول ستريت جورنال” ترى الكاتبة، ناتالي أندروز، أن مكارثي أظهر أنه يستطيع التفاوض على صفقة مع البيت الأبيض وثلثي أعضاء الكونغرس لتفادي التخلف عن السداد، وكذلك الاحتفاظ بوظيفته حتى الآن.
وتضيف بالمقابل نجح بايدن في الدفاع عن أجندته المتعلقة بالمناخ والضرائب، بينما قلص إلى حد كبير تخفيضات الإنفاق التي اقترحها الجمهوريون في البداية.
بدورها، قالت الأستاذة في العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطن، سارا بيندر، لفرانس برس: “كان كلاهما (بايدن ومكارثي) قادرا على حفظ ماء الوجه، نظرا إلى أن أيا من الطرفين لم يحصل على كل ما يريده”.
مستحقو المساعدات
عزز الاتفاق إجماع الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) على أنه لا ينبغي المساس بالرعاية الطبية والضمان الاجتماعي لتقليل العجز.
واقترح الحزب الجمهوري تخفيضات كبيرة فعالة على برنامج المساعدات الصحية “ميديكيد” من خلال متطلبات العمل للمستفيدين.
لكن الاتفاق توصل لحل وسط بعد أن خاض بايدن ومكارثي مواجهات محتدمة حول فرض متطلبات عمل أكثر صرامة على الأميركيين ذوي الدخل المنخفض ليكونوا مؤهلين للاستفادة من برامج الغذاء والرعاية الصحية.
لم يتم إدخال أي تغييرات على برنامج “ميديكيد”، لكن الاتفاق سيفرض متطلبات عمل جديدة على ذوي الدخل المنخفض الذين يتلقون مساعدات غذائية بموجب برنامج المساعدة الغذائية التكميلية، المعروف باسم “سناب”.
وسيتم تطبيقها على المستفيدين، حتى سن 54 عاما وليس 56 عاما، كما اقترح الجمهوريون.
المعتدلون من الحزبين
في خطاب ألقاه، الجمعة، جدد الرئيس الأميركي رسالة المصالحة التي ركز عليها عند تنصيبه، في يناير من عام 2021.
وقال بايدن: “لا سلام بلا وحدة” داعيا إلى “التوقف عن الشجارات” و”خفض التوتر”.
وحرص على توجيه “تحية” إلى خصمه الأبرز في مسألة سقف الدين، ماكارثي. وقال: “تفاوض الطرفان بحسن نية. وفى الطرفان بكلمتهما”.
وأضاف “لم يحصل أحد على كل ما كان يريده، لكن الأميركيين حصلوا على ما كانوا بحاجة إليه”.
وتقول أندروز إن “الصفقة سمحت للمشرعين المعتدلين من كلا الحزبين بالإشادة بها والدعوة إلى حل وسط”.
وأضافت أن “حصول الصفقة على دعم الأغلبية في كلا المجلسين (الشيوخ والنواب) يعد بمثابة تذكير بمدى حجم الكتلة الوسطية، على الرغم من تعالي الأصوات الرافضة سواء من أقصى اليمين أو اليسار”.
الخاسرون
وبلا شك فإن المتشددين من المعسكَرَين، أكدوا أنهم لن يصوتوا لصالح النص، وكانوا بالنهاية أبرز الخاسرين.
صدرت الانتقادات الرئيسية بين الجمهوريين عن الأعضاء المؤيدين للرئيس السابق، دونالد ترامب، الذين طالبوا بالمزيد من الاقتطاعات في النفقات.
وندد النائب عن تكساس، تشيب روي، بـ”اتفاق سيء” معتبرا أنه “يجب ألا يصوت عليه أي جمهوري”.
حتى أن بعض الجمهوريين من الجناح اليميني يدرسون طرح مذكرة بحجب الثقة لإرغام مكارثي على التنحي من منصبه، وهو إجراء يمكن أن يطرحه نائب واحد.
كما قرر نواب أكثر اعتدالا التصويت ضد النص أيضا وبينهم النائبة الجمهورية عن كارولاينا الجنوبية، نانسي مايس، التي اعتبرت أن “هذا الاتفاق يشّرع المستوى القياسي الذي بلغه الإنفاق الفيدرالي خلال فترة الوباء ويجعله أساسا مرجعيا للنفقات المقبلة”.
ومن جانب الديمقراطيين، رفضت النائبتان من الجناح اليساري، براميلا جايابال وألكسندريا أوكازيو كورتيز، تأييد اتفاق “فرضه” الجمهوريون، على حد قولهما.