أثارت حركة الطيران الحربي المتزايدة أخيراً في قاعدة حامات الجوية (شمال لبنان)، جدلاً واسعاً في الأوساط اللبنانية، دفعت بعض المقربين من “حـزب الله” إلى اتهام الجيش اللبناني بتغطية التحركات الأميركية في لبنان، في حين رفض آخرون تلك الاتهامات التي اعتبروها بداية خطة لتفكيك المؤسسة العسكرية التي برأيهم لا تزال وحدها صامدة بوجه الأزمات التي تتراكم في البلاد.
وتتزامن هذه الاتهامات مع قرب انتهاء ولاية قائد الجيش جوزيف عون وإحالته الى التقاعد في 10 يناير (كانون الأول) 2024، إذ يرى البعض أنها جزء من حملة الاستهداف السياسي التي تطاله كونه من أبرز المرشحين المتداولين لرئاسة الجمهورية، حيث تأتي تلك الاتهامات بالتوازي مع تحميل الجيش مسؤولية الانفلات الحاصل على الحدود اللبنانية – السورية، في وقت تسعى قوى المعارضة مع تكتلات نيابية أخرى لتمديد ولاية قائد الجيش لعام إضافي في ظل استمرار الشغور الرئاسي.
إعلام الحزب
وكانت وسائل إعلامية مقربة من الحزب، أثارت بلبلة من خلال تقارير أشارت فيها إلى هبوط 32 طائرة عسكرية أجنبية في مطار بيروت الدولي وقاعدة حامات العسكرية الجوية، بين الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي و10 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري.
وأشارت إلى أنه في إحدى المرات رصدت عمليات هبوط لطائرات الشحن “C-130″ محملة بصناديق سوداء كبيرة الحجم، نقلت إلى مناطق لبنانية عديدة، محاولة الإيحاء بأنها أسلحة جرى توزيعها لمصلحة جهات حزبية معارضة لــ”حزب الله”.
وحاولت هذه الحملة الإعلامية ربط تلك التحركات بقائد الجيش، وإعطاء انطباع أنه مقرب من الأميركيين، مشيرة إلى وجود جناح (عنبر) في قاعدة حامات الجوية منفصل ومخصص للجنود والضباط الأميركيين، الذين يعملون بصفة مستشارين أو فنيين، ولا يمكن لأي أحد الاقتراب والتعامل معهم، سوى الدائرة المقربة جداً من القائد جوزيف عون”.
الحماية والإجلاء
في المقابل أوضحت مصادر عسكرية في الجيش اللبناني أن حركة الطائرات التي تشهدها قاعدة حامات الجوية هي ضمن برامج طيران لطائرات أجنبية بشكل روتيني ومستمر، وكل طائرة تهبط في حامات تحصل على إذن وموافقة مسبقة من القوات الجوية. لافتة إلى أن ازدياد وتيرة الطائرات في خلال الأسابيع القليلة الماضية، سببها أن أغلب السفارات، لا سيما الكندية والألمانية، بدأت باستقدام معدات لأطقمها الأمنية في حال حصول أي حرب، وذلك من أجل مساعدتها في عمليات الحماية والإجلاء.
وكشف الجيش أن 90 في المئة من الطائرات التابعة لسلاح الجو اللبناني نقلت إلى حامات خلال الآونة الأخيرة، لذا توقفت التدريبات الجوية فوق قاعدتي بيروت ورياق، وأن الطيران في أجزاء قاعدة حامات تدريبي بحت.
أما عن استخدام تلك القاعدة من قبل قوة حفظ السلام الدولية العاملة جنوب لبنان “يونيفيل”، فأشارت إلى أن تلك القوة الأممية لديها مطار في الناقورة (في الجنوب) ومن خلالها تأتي المعدات الخاصة.
الجيش الأميركي
وفي السياق يؤكد العميد الطيار المتقاعد في الجيش اللبناني بسام ياسين، الذي أشرف على افتتاح قاعدة حامات الجوية عام 2012، وكان مسؤولاً عنها لسنوات، أن كل ما ينشر عن وجود “مؤامرة” سرية وإدخال أسلحة إلى جهات لبنانية هو غير صحيح، موضحاً أن الجيش اللبناني يستحصل على “المانيفست” الخاص بأي طائرة تحط فيها، ويقوم بتفتيشها عبر جهاز الجمارك بعيد هبوطها، إضافة إلى ختم جوازات الطاقم عبر جهاز الأمن العام، مشيراً الى أن عناصر للجمارك والأمن العام يُستقدَمون إلى القاعدة عند هبوط أي طائرة أجنبية.
ويلفت إلى أن مدرج مطار “حامات” لا يتعدى طوله 2500 متر، إضافة إلى عدم وجود مدرج ثان يتاح استخدامه في حال تعطل الأول أو تغير مسار الهواء، وهذا المدرج مخصص للطائرات العسكرية الصغيرة نسبياً، وأن أكبر الطائرات التي يمكنها الهبوط فيه هي من طراز Lockheed C130H- HERCULES، الأمر الذي يدفع ببعض الطائرات العسكرية الأميركية الآتية إلى لبنان، إلى التنسيق مع الجيش اللبناني للهبوط في مطار بيروت، بعد إبلاغ القيادة الجوية التي تبلغ بدورها المديرية العامة للطيران المدني، للإشراف على هبوطها وركنها في الأماكن المخصصة لقاعدة بيروت الجوية، وفق البرنامج الموقع بين الجيشين.
ويشير إلى أن معظم حمولات تلك الطائرات العسكرية تكون عادةً مرتبطة بالذخيرة والمعدات اللازمة لفرق التدريب العسكرية، أو لتأمين المعدات وتبديل العناصر في مقارها الدبلوماسية، رافضاً الاتهامات التي يجري تسويقها بأن قاعدة حامات هي “قاعدة أميركية”، مؤكداً أنها قاعدة للجيش اللبناني، ولكن الأميركيين يعدونها آمنة بالنسبة إلى عمليات الإجلاء بسبب قربها من مرفأ سلعاتا من أجل النقل البحري في حال أعيق النقل الجوي، مشدداً على أن كل الجيوش التي توقع الاتفاقيات السنوية يمكنها الهبوط في هذه القاعدة.
تحويل أنظار
من ناحيته اعتبر المتقاعد العميد في الجيش اللبناني جورج نادر، أن الحديث عن قاعدة حامات الجوية وحركة الطيران الأجنبية وغيرها في الوقت الراهن، يصب في خانة التحريض على المجتمع الرافض للحرب وعلى الجيش، متسائلاً باستغراب “هل من المعقول أن تهبط في مطار عسكري تابع للجيش، طائرات حربية أجنبية لتوزيع سلاح وعتاد إلى الميليشيات”؟
وأضاف أن مطار حامات هو الأبعد من الحدود والأقل تأثراً بالحرب الدائرة جغرافياً، بينما مطار رياق العسكري في البقاع يتواجد في منطقة فيها تواجد كبير لـ”حـزب الله”، وقد يتعرض للقصف من قبل الطيران الإسرائيلي، لافتاً إلى أن مطار بيروت بدوره يمكن أن يتأثر في حال حصلت حرب مع إسرائيل وتعرضت مناطق قريبة منه للقصف.
برأي نادر “كل ما يحصل محاولة للإلهاء وتحويل الأنظار عما يجري من تطورات ميدانية في الجنوب، ورفض اللبنانيين الانجرار إلى الحرب.
في المقابل تصر مصادر مقربة من “حـزب الله”، على وجود حركة أميركية مريبة في قاعدة حامات، معتبرة أن تلك القاعدة باتت ضمن مشروع السفارة الأميركية الجديدة، أو ما بات يعرف بـ “قاعدة عوكر الأميركية” وما تشكله من اختراق ممنهج لمؤسسات الدولة اللبنانية، “وأخطرها امتلاك مطار عسكري وهو القاعدة الجوية في حامات الذي تستطيع استخدامه في مهمات لمصلحتها”.