وعن أن لبنان وقفُ الله في وقت بات حزبه، وكأن لله حزب، يسيطر بالترهيب على هذا الوقف فيما الرعيان غارقون بمغانم الإنبطاح والعمالة، والقطعان بوادي الجحيم!
الحق أقول لكم، وعلى الرغم من إيماني المطلق بقدرة الله، الذي يدرك كم بات حجم التمدد الشيطاني في وطني عبر رموز فاسدة ترفع فوق رؤوسها مقولة “هذا من فضل ربي”، أن شعار “لبنان جنة” بات أكذوبة شعبوية يسوق لها اصحاب الأموال والنفوذ لزيادة ثرواتهم عبر دغدغة حنين المغترين الى اهلهم وذكرياتهم والامل الضائع، وعبر زرع دخان الدجل في عقول النازحين والمبعدين اليه، وعبر إغراء السواح بأيام ملاح ملؤها قرقعة الطبول، فيما يرقص على وقعها الفقراء المنهوبين على وقع شعارات رنانة خلاصتها عنفوان فارغ وشموخ مداس تحت نعال الخونة.
إن ما أراه في أخر النفق ليس أكثر من بقايا إنسان شلعته الأيام، ومزقته نكبات الوطن، وأنهكته وقفات النضال المزروعة بالخيانة وحب المال ونهب المؤسسات، وََكَوَتْهُ خيبات متلاحقة من تَقِيةِ مسؤولين كَذَبَةْ نالوا أطروحاتهم من معاهد الشيطان.
كم اصبحنا محترفين في إخفاء مأساتنا، كم بتنا فارغين ونحن نَدَعي الفرح فيما نحن نرقص فوق جثث أهلنا ورفاقنا، كم غدينا سخفاء ونحن ندعي القوة فيما نحن مدمرين، كم باتت كراماتنا رخيصة وهي تباع في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر.
اذا أعترض أحدنا تمَ توقيفه، إذا طالب بحقه سُجِنَ، إذا تظاهر وصفوه بجماعة السفارات، إذا كَتَبَ مقالاً عوقب بالإعتقال، إذا هاجم المعتدين يعتبر مخرب وحائز على سلاح غير شرعي، إذا أغتالوا أحد منا أمام بيته يطمر التحقيق، وإذا فُجِرَ بيته لا يحق له اللجوء الى القضاء.
كل ذلك والعالم الحر يتفرج علينا، همه سلامة منصات النفط لدولة مغتصبة، وإعادة إعمار دولة مجاورة امعنت في تصدير مصائبها إلينا، وإستثمارات موعودة للنفط في بحرنا ولإعادة إنماء مدننا ومؤسساتنا، في وقت بات شبابنا يبحثون عن الفرج في الهجرة والتبعية والجريمة والإنتحار.
هذا الخريف ستبكي السنونو وهي تمر في ترحالها فوق وطني، فالمنازل تسكنها العتمة، وشبابنا بات يهاجر أكثر منها، وغاباتنا تأكلها فؤوس النازحين، وإرضنا تحولت ميداناً للسدود الفارغة والمقالع والكسارات العشوائية، ومصارفنا أضحت الباب الأول للإحتيال والتنصيب.
حان الوقت لنا لنتعلم أن ترجمة الشعارات الفارغة تكون فقط بالعمل الجدي والنتائج الملموسة، لأنه وبغير ذلك بتنا سواح على لائحة الانتظار لمغادرة هذا الوطن.