هي انتفاضة مسيحية شاملة من أقصى الشمال الى الجنوب و استعراض قوة ناعم لمسيحيي لبنان و الأهم جرس إنذار للأقربين و الأبعدين لما هو مقبل عليه لبنان و مسيحييه .
من رأى الحشود الغفيرة التي غصت بها الطرقات و الشوارع في ذكرى صلب سيدنا يسوع المسيح و من نظر جيداً الى الشعارات المرفوعة على القمصان و السوداء و الصلبان لا بد له أن يتوقف مليّاً عند هذا المشهد ..
نتيجة واحدة يمكن الخروج بها من تلك الحشود و هي أن المجتمع المسيحي في لبنان يغلي و قد كفر بكل شيء و ندم على إنشائه ما عرف بلبنان الكبير لأن هذا اللبنان بالتحديد دمّر حضوره في أرضه و هجّر أبناءه منها الى أراضي الله الواسعة .
ربما لم يتوقع مسيحيو لبنان أن يأتي يوم و يخرج من رحبوا بهم في الوطن الذي أنشأوه و يوزّع عليهم الشهادات بالوطنية و الإنتماء كمن يزايد على الأب في حبّ أبناءه ، و ربما لم يتوقعوا أن يستمر رفض من يفترض بهم أن يكونوا شركاء في الوطن لهذا الكيان بعد كل تلك السنوات و إلا فما هو تفسير تماهي هؤلاء الدائم مع كل الحركات التي ظهرت منذ نشوء لبنان الكبير تقريباً و حتى يومنا هذا و تفضيلهم مصلحتها على مصالح من يفترض أنه وطنهم و يحملون هويته …
ما جرى في أسبوع الآلام هذه السنة هو إنذار عام و شامل أطلقه مسيحيوا لبنان لجميع المعنيبن في الداخل و الخارج من عرب و غير عرب بأنهم لن يتحملوا صفقة أخرى شبيهة بما حدث بعد اتفاق الطائف و بأنهم لن يسكتوا هذه المرة عن تسليم لبنان لأيٍ كان و خياراتهم البديلة جاهزة و كثيرة و على رأسها الإنفصال عن بقية المكونات و قد رأينا الأصوات تعلو في الآونة الأخيرة مطالبة و علناً بالإنفصال عن الجميع .
لقد كفر مسيحيوا لبنان بما سمي التعايش و ندموا على توسيع جبل لبنان و استدعاء مكونات أخرى اليه ، لقد كفروا بدولتهم التي تجبي الضرائب منهم حصراً و تقدم الخدمات لطوائف أخرى على حسابهم و من جيوبهم كأنهم أهل ذمة في أرض أجدادهم يدفعون الجزية صاغرين ساكتين .. لقد كفروا بسياسة الصيف و الشتاء تحت السقف الواحد و بتطبيق القوانين بطريقة استنسابية عليهم دون سواهم .
ما جرى في أسبوع الآلام يجب أن يكون جرس إنذار للجميع علّهم يستدركون ما يمكن استدراكه قبل فوات الأوان ، فلا عنجهية البعض ستنفع مع مؤسسي الكيان و من يقول لهم إرحلوا من هنا سيجيبونه من الآن و صاعداً و ببساطة ( نحن استضفناك في أرضنا ووطنا الذي أنشأناه و عليك أنت الرحيل لا دعوة رب المنزل للخروج من بيته ) و لا محاولة استرضائهم ببعض المكاسب الآنية أو استعطافهم بشعارات بالية كالوحدة الوطنية و غيرها ستقنعهم بعد الآن .
الأكيد أن مسيحيي لبنان لن يسكتوا عن أي شيء بعد اليوم و لن يمر أي كلام بحقهم مرور الكرام و الأهم لن يقبلوا بأي صفقة تلغي حضورهم الحرّ و الفاعل في أرض الآباء و الأجداد مهما كلّف ذلك و مهما كان الثمن .
أخيراً ، على الجميع التبحّر و بعمق كيف أحيا المسيحيون الجمعة العظيمة هذه السنة و استخلاص العبر ، عليهم مشاهدتهم ينزلون بكثافة الى الطرقات و الأزقة و الأحياء و يرفعون صلبانهم !! المجتمع المسيحي في لبنان يغلي و هو كفر حقاً بالعيش مع الآخرين فلا تجروهم الى ما لا يريدونه و ما لم يرده أسلافهم مؤسسي الكيان عندما أنشأوه !!!