وجدير بالذكر أن بعض الدول سمحت بعرض فيلم «باربي» لمن هم فوق 13 ودول أخرى رفعت السن إلى ما فوق 18، وهو حال لبنان، ومنعته دول عربية مثل الكويت.
أما في لبنان فقد دار جدل واسع حوله الفيلم، شارك فيه وزير الثقافة ومثقفون ونواب ومواطنون عاديون. وانخرطت فئات متعددة، في منازلات حامية الوطيس حول فيلم على الأرجح لم يشاهده أحد بعد. لكن ثمة من انتصر لمنعه من باب الحرص على الأخلاق والقيم، وآخرون في المقابل انطلقوا في دفاعهم عن عرض الفيلم، إيماناً منهم بمبدأ الدفاع عن الحريات دون قيد أو شرط.
ورغم كل ما كتب وتم ترويجه من أخبار عن منع فيلم «باربي» في لبنان، فإنه في حقيقة الأمر لم يمنع، وكان موضوعاً قيد الدرس، لأن الجهة الوحيدة المخولة بالمنع هي دائرة الرقابة في الأمن العام اللبناني التابع لوزارة الداخلية، والتي لم تعلن قرارها الرسمي بعد، لكنها تضطر للرد على الصحافيين الذين يستعجلون معرفة النتيجة.
ولجنة الرقابة تدرس أي منتج ثقافي لمنعه أو إجازته، حين تصلها شكوى أو يقدم إليها احتجاج، من جهة ما. وغالباً ما تكون الشكاوى حول منتج يمسّ المشاعر الدينية لهذه الطائفة أو تلك تتقدم به هيئات دينية، أو شكوى من إساءة تتقدم به جهات حزبية وما أشبه. لكن فيما يخص فيلم «باربي» فإن من تقدم بالاحتجاج واقتراح المنع، هو وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى، مدعوماً من رجال دين مسلمين ومسيحيين. وهو ما أثار الغضب من قبل بعض المثقفين والكتّاب والإعلاميين.
واعتبر وزير الثقافة المرتضى أن الفيلم «يتعارض مع القيم الأخلاقية والإيمانية ومع المبادئ الراسخة في لبنان، إذْ يروّج للشذوذ والتحوّل الجنسي ويُسوّق فكرة بشعة مؤدّاها رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم وتسخيفه والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة، وتصويرهما عائقاً أمام التطوّر الذاتي للفرد لا سيّما للمرأة».
وبما أن الوزير المرتضى بصفته وزيراً للثقافة ليس لديه سلطة المنع، فقد وجه كتاباً إلى الأمن العام اللبناني، عبر وزير الداخلية والبلديات، لاتخاذ كلّ الإجراءات اللّازمة لمنع عرض هذا الفيلم في لبنان، وانتظر الجميع اجتماع اللجنة التي اتخذت قرارها النهائي بشأن عرض الفيلم.
لكن العاصفة من وقت اتخاذ وزير الثقافة قراره بشأن الفيلم لم تهدأ، وقد وقّع عشرات المثقفين اللبنانيين كتاباً قالوا فيه: «في حين تتعرّض حياة اللبنانيين للخطر بسبب السلاح والتفلّت من العقاب، وتتعرّض معيشتهم لانخفاض مريع بسبب النهب والسرقة، فإنّ عقولهم تتعرّض، هي الأخرى، لهجمة لا تقلّ خطراً وفتكاً».
واشتكى البيان الذي وقعه كتاب وسينمائيون وصحافيون وفنانون وأدباء وأكاديميون من أن «سياسات التدخّل والمنع في تزايُد يكاد يصبح منهجيّاً، والعدوان هذه المرّة إنّما يستهدف الأعمال الفنّيّة والسينمائيّة، والإبداعيّة بمعنى الكلمة الأوسع». واستهجن المثقفون المعترضون أن «ما بات مسموحاً به في بلدان مجاورة، كانت حتّى الأمس تعتبر لبنان منارة للحرّيّة، غدا مقموعاً في لبنان نفسه. وبدل الاقتداء بالتجارب التي تفوقنا حرّيّة وتقدّماً في العالم، صرنا لا نقتدي إلا بالنماذج التي تفوقنا تخلّفاً وضيقاً في المنطقة». وذلك في إشارة إلى بدء عرض الفيلم والسماح به في السعودية والإمارات والبحرين ومصر والمغرب وتونس، علماً بأن العروض في غالبية هذه الدول جاءت بتأخير ثلاثة أسابيع تقريباً عن الصالات العالمية.
وبيان المثقفين، هو جزء من حملة واسعة رافضة للمنع وكل أشكال الرقابة على النتاجات الثقافية بشكل خاص. وجاء في البيان: «على هذا النحو أمسى وزير ثقافتنا ذاك الرقيب الأعلى الذي يدفع حياتنا الثقافيّة إلى الانحطاط، محرّضاً على ظاهرات لا يفهم منها سوى أنّها تناقض وعيه المتعصّب وآيديولوجيّته الرجعيّة».
واعتبر الموقعون أن الهدف النهائي هو «بالضبط سلبُنا الحرّيّات التي أعطت بلدنا بعض خصوصيّاته في الماضي، كما أعطتنا ذاك الشعور بكرامة التجرّؤ على المسلّمات والمحرّمات، وإخضاعنا لسلطات بعضها مسلّح بالبنادق وبعضها مسلّح بالعقائد والمعتقدات القاتلة»، معلنين بشكل قاطع «تمسّكنا بحرّيّاتنا، وبالحرّيّات عموماً، بالدرجة نفسها التي ندين فيها هذه المكارثيّة الجَهولة التي تنقضّ علينا». وقد طالب الموقعون بالتجريب والاختبار والتعلم وألا يضطروا لأن ينتهوا مبرمجين «مثل معالي وزير الثقافة الذي تبرمجه أفكار قُدّت من خشب يابس».
أما اليوم وقد أصبح الفيلم على أعتاب الصالات، فإن ما ينتظره الجميع هو معرفة رأي الجمهور اللبناني العريض بـ«باربي»، الذي وصل بعد معارك ومنازلات، وفي جعبته أرباح لم تكتب لغيره من قبل.