تابعت مجلة فورين بوليسي الأمريكية تطورات المعارك الدائرة بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، في مقال للكاتب علي هاشم قال فيه إنه “ليس هناك سبب للاعتقاد بأنّ المواجهة ستتصاعد إلى حرب شاملة”. واللافت أن الكاتب نقل عن مصدر في “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني قوله إن الحزب بات يمتلك مليون صاروخ من أنواع مختلفة.
يبدأ علي هاشم مقاربته بوصف من الجانب اللبناني من الحدود الجنوبية، فيقول إنه لم يتبق سوى عدد قليل من القرى سليمة، وأن أحياء واسعة في البلدات التي لا تزال قائمة، مثل مروحين، باتت مدمّرة بالكامل. عندما يحلّ الليل ويغمر الظلام المنطقة، فإنّ الضوء البعيد الوحيد المرئي يأتي من مسافة تقارب 30 كيلومترا في حيفا، أكبر مدينة في شمال دولة الاحتلال، التي تضم نحو 280 ألف نسمة.
ويوضح هاشم أن ما بين مروحين وحيفا توجد مجتمعات إسرائيلية ومواقع عسكرية تتعرّض يوميًا لنيران حزب الله. على مدى الأشهر الثمانية الماضية، هجر أكثر من 150 ألف شخص على جانبي الحدود مدنهم وقراهم بسبب الحرب المستمرة التي أسفرت عن مقتل نحو 400 شخص على الجانب اللبناني، ونحو 30 على الجانب الإسرائيلي. ولمدة ثمانية أشهر، كانت منطقة الحدود نقطة ساخنة للعنف المتبادل بين حزب الله وإسرائيل- عنف تصاعد مؤخرًا وأثار دعوات في إسرائيل لحرب موسّعة. لكن، خلافا للمظاهر، ليس هناك سبب كبير يدعو للاعتقاد بأنّ مواجهة إسرائيل مع لبنان ستتصاعد إلى حرب شاملة.
ويعود الكاتب إلى أسباب هذه المعارك فيقول إن حزب الله دخل في النزاع مع إسرائيل بعد هجمات حماس في 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر. على الرغم من أن قادة حزب الله صرّحوا أنهم لم يكونوا على علم مسبق بهذه الهجمات، إلا أنّ ذلك لا يعني عدم الموافقة. عبّر قائد حزب الله حسن نصر الله باستمرار عن دعمه القوي لأعمال كتائب عز الدين القسام وقائد “حماس” في غزة، يحيى السنوار، الذي وصفه بـ “القائد العظيم الشجاع”.
لكن النزاع الأوسع بين حزب الله وإسرائيل لم يبدأ بعد 7 تشرين الأوّل/ أكتوبر. لقد اتّخذ أشكالًا مختلفة منذ أن شكلت مجموعات من المقاتلين الشيعة في جنوب لبنان المقاومة الإسلامية في لبنان عام 1982، بعد الغزو الإسرائيلي في ذلك الصيف. وكانت المواجهة الأهم في عام 2006، عندما اختطف حزب الله جنديين إسرائيليين من المنطقة الحدودية بهدف تبادلهما مع سجنائه في السجون الإسرائيلية. ردّت إسرائيل بحرب مدمرة في تموز/ يوليو وآب/ أغسطس من ذلك العام، تهدف إلى القضاء على حزب الله – وهو هدف مشابه لهدف إسرائيل في حربها الحالية ضد “حماس”.
ولكن ماذا عن الفارق؟ يقول الكاتب إن واحدة من الطرق التي يختلف بها النزاع الحالي عن النسخ السابقة هي أنّ حزب الله راكم قدرات كافية خلال العقد الماضي ليشكل الآن تهديدا استراتيجيا لإسرائيل. وصرّح مسؤول في فيلق القدس الإيراني، الذي يشرف على حزب الله وفصائل أخرى مرتبطة بإيران في الشرق الأوسط لـ“فورين بوليسي”، أنّ حزب الله يمتلك الآن أكثر من مليون صاروخ من مختلف الأنواع، بما في ذلك صواريخ موجهة بدقة وصواريخ كاتيوشا معدّلة لزيادة الدقة، بالإضافة إلى صواريخ مضادّة للدبابات.
تتضمّن ترسانة حزب الله، كما كشفتها حرب الاستنزاف الطويلة، طائرات مسيّرة انتحارية، وغيرها من الطائرات من دون طيار المجهّزة بصواريخ روسية الصنع، بالإضافة إلى نوع من الصواريخ الإيرانية يسمى “ألماس” المزوّد بكاميرا، مستوحى من الصاروخ الإسرائيلي “سبايك”، الذي يتميّز بنظام “أطلق وانس”. هذا العتاد يغيّر قواعد اللعبة لأنه يجعل المقاتلين أقلّ عرضة للهجمات الإسرائيلية على مواقع الإطلاق.
في المقابل، تمتلك إسرائيل ترسانة أكبر بكثير من الصواريخ الجوية التي تُطلق من مختلف الطائرات الحربية والطائرات من دون طيار المسلحة.
تسبب تبادل النيران بتشريد أكثر من 150 ألف شخص على جانبَيْ الحدود، مما حول بلدات الحدود اللبنانية إلى مناطق شبيهة بغزة الصغيرة. لكن بالمقابل يتزايد تدمير المناطق تدريجيا ليشمل المدن الشمالية الإسرائيلية، التي يطالب سكانها بشكل متزايد بأن تتخذ الدولة الإسرائيلية خطوات عملية لإعادتهم إلى منازلهم.
وفي جولة قام بها الكاتب الشهر الماضي على القرى والبلدات المدمّرة في جنوب لبنان، زار بلدة الناقورة، حيث يقع مقر قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام، والتي دُمِّرَ مركزها بواسطة غارات جوية إسرائيلية، وكذلك بلدة مروحين، التي دُمِّرت بالكامل تقريبًا وعيتا الشعب، التي يمكن وصفها بأنها نقطة الصفر في جنوب لبنان. هذه القرى والبلدات وغيرها تستضيف الآن عددا قليلاً فقط من السكان الذين يفضّلون الموت في منازلهم على الفرار إلى المدارس والملاجئ الأخرى في المدن الأكثر أمانًا.
ويوضح الكاتب أنّ الطرفين يقيّدان حربهما بشكل رئيسي بالأهداف العسكرية، كما يتّضح من الإعلانات اليومية الدقيقة للأنشطة العسكرية. وكانت الهجمات الإسرائيلية في الغالب في المناطق الحدودية بعمق 15 كلم لكن هناك استثناءات، مثل استهداف القوات الجوية الإسرائيلية مناطق أعمق في البقاع اللبنانية، وفي الضواحي الجنوبية لبيروت.
في المقابل، وسّع حزب الله هجماته أفقيا، وليس عموديا، ليشمل مرتفعات الجولان، في الأراضي السورية التي احتلّتها إسرائيل وضمّتها لاحقًا بشكل فعلي. وسُجِّلت هجمات قليلة في الأشهر الأخيرة تستهدف قواعد عسكرية في صفد، بالقرب من نهاريا، وحيفا، ونُفِّذت في الغالب بواسطة طائرات مسيّرة انتحارية.
وعن تصاعد العمليات العسكرية يقول الكاتب إنه وبعد اغتيال إسرائيل لنائب زعيم “حماس” صالح العاروري وقائد حزب الله البارز وسام الطويل، استهدف حزب الله قاعدة ميرون الاستراتيجية، التي توصف بأنها قاعدة مراقبة الحركة الجوية.
حتى الآن، يحاول حزب الله وإسرائيل تجنّب وقوع ضحايا مدنيين قدر الإمكان، بتبادل الرسائل عبر قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان . وهما يشاركان في نوع مختلف من الحرب، يركزان فيه أكثر على الأهداف الاستراتيجية بدلًا من السيطرة الإقليمية. بالنسبة لإسرائيل، الهدف هو الضغط على حزب الله لكشف مواقعه الاستراتيجية أو التراجع إلى مواقع أقل تحصينًا. فقد كان للحرب في عام 2006 نتائج سلبية على إسرائيل، لأنها سمحت لحزب الله ليس فقط بزيادة ترسانته في أعقابها، بل أيضا باستخلاص الدروس من القتال لتحديث تكتيكاته لمواكبة قدرات الجيش الإسرائيلي.
وبعد نحو ثمانية أشهر من المعارك المنتظمة، أصبح من الواضح الآن أنّ حزب الله وإسرائيل يدركان أنّ أي حرب شاملة بينهما ستكون مدمرة. يعرف حزب الله أنّ لبنان سيتمُّ تدميره، مع وقوع آلاف الضحايا. لكن إسرائيل تدرك أيضا أنّ ما واجهته في غزة خلال الأشهر الماضية، من دون تحقيق أهدافها الكاملة، سيكون لا شيء مقارنة بحرب محتملة مع حزب الله.
لدى إسرائيل قائمة كبيرة من الأهداف في لبنان، وقد استهدفت العديد من نقاط الإطلاق والتخزين لحزب الله في الأشهر الأخيرة. في الوقت نفسه، استهدف حزب الله معدّات الاستطلاع والمراقبة والاتصالات الإسرائيلية في النقاط الحدودية، وضرب أيضا منشآت عسكرية لدفع الجنود الإسرائيليين إلى مواقع جديدة أقل تحصينا في المناطق المفتوحة أو في البلدات الحدودية. ويبدو أنّ حزب الله يركز أكثر على دراسة الدفاعات الجوية الإسرائيلية، بما في ذلك نظام القبة الحديدية، مع إصداره لقطات يقول إنها تُظهر استهدافا مباشرا للنظام. ربما يكون حزب الله قد تعلّم أيضًا من هجوم إيران على إسرائيل في نيسان/ أبريل كيفية تكثيف إطلاق الصواريخ. لكن وبالنظر إلى القرب بين إسرائيل ولبنان مقارنة بإيران وإسرائيل، فإنّ قدرة حزب الله على تدمير المدن الإسرائيلية بشكل كبير هي قدرة عالية.
ويخلص الكاتب إلى أنه حتى الآن، يفضّل الجانبان، خاصة في ظل الحرب في غزة، إبقاء الصراع ضمن الإطار الحالي. فحزب الله، رغم كونه تنظيمًا إسلاميا يحشد مقاتليه عبر خطاب الشهادة، الا أنه لم يُظهر أبدا ميولاً انتحارية. ومن المحتمل أن يتبع نهج التصعيد العقلاني الذي تبنّته إيران بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، مع الحفاظ على الأعمال دون مستوى الحرب الشاملة.