استنكرت شريحة واسعة من السوريين، على رأسهم الفنانون، من كتّاب ومخرجين وممثلين، مجموعة كبيرة من تعديلات أدخلتها وزارة التربية في الإدارة السورية الجديدة على المناهج الدراسية لكافة المراحل التعليمية، وطالت تاريخ البلاد ورموزه، وديانات أبنائها، وثقافتها، وقيمها الوطنية، والنظريات العلمية، والأسانيد التشريعية، وحتى علاقة سوريا بمجموعة من الدول، على رأسها تركيا التي سبق أن احتلّت بلاد الشام تحت الحكم العثماني.
وعقب الهجوم الشرس ضد الوزارة، أوضح وزير التربية نذير القادري أن “المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ما زالت على وضعها حتى تُشَكِّل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها”. للمزيد اضغط هنا.
وأضاف القادري: “وجّهنا فقط بحذف ما يتعلق بما يمجّد نظام الأسد البائد، واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية، وما تمّ الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، فاعتمدنا شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير للمراحل الدراسية كافة”.
وفي حين أيّد عدد من الفنانين جميع التعديلات المتعلقة بنظام حافظ وبشار الأسد وحزب “البعث العربي الاشتراكي”، وحذف كل ما يؤدي إلى الترويج له أو مديحه أو يرسخ وجوده، إلّا أنهم أكّدوا رفضهم الكثير من التعديات الأخرى بأساليب شتّى تراوحت بين الجدّ والسخرية، لا سيما تلك المتعلقة بالدين، على غرار استبدال جمل وطنية مثل “الدفاع عن الوطن” لتصبح “في سبيل الله”، وقول “طريق الإسلام” مكان “طريق الخير”، واستخدام “اليهود والنصارى” بدلاً من “المغضوب عليهم” و”الضالين” في مادة التربية الدينية، بالإضافة إلى عبارة استبدال “يحكمه قانون العدل” بعبارة “يحكمه شرع الله”، و”مبدأ الأخوة الإيمانية” بدلاً من “الأخوة الإنسانية”.
وقالت الكاتبة بثينة عوض: “إذن أصبحت أنا من الضالين”، فعلّق الممثل والكاتب إياد أبو الشامات ممازحاً على تدوينتها في موقع “فايسبوك”: “كنت أشعر بذلك، ولكن لم أجد طريقة لإخبارك بالأمر من دون أن أهزّ بدنك”.
ونشر الكاتب رامي كوسا صورة فارس الخوري، أحد الآباء المؤسسين للجمهورية السورية، معلقاً: “أحد الضالين في تاريخ هذه البلاد”.
كما سخر الكاتب عدنان العودة بدوره من سرعة إقرار التعديلات، على الرغم من إعلان القيادة الجديدة في سوريا أن الدستور والانتخابات يحتاجان إلى فترة تتراوح من 3 إلى 4 سنوات، قائلاً إن “الأمر ليس فتت لعبت (لعبة ورق)”، قبل أن يحذف كلامه عن حساباته على شبكات التواصل الاجتماعي لأسباب مجهولة.
وتناول الفنانون السوريون التعديلات ذات الطابع السياسي في التاريخ، بما يتعلق بالأعمال الدرامية والفنية. ومن أبرز التعديلات في هذا الإطار، حذف كل ما يصف بالسوء الاحتلال العثماني لسوريا، مثل عبارة “السلطة العثمانية الغاشمة”، وطمس كلّ ما يتعلق بإعدام القائد التركي جمال باشا السفّاح في السادس من أيار (مايو) سنة 1916، 21 مثقفاً وطنياً، 14 منهم أعدموا في ساحة البرج، وسط العاصمة اللبنانية بيروت، و7 في ساحة المرجة في العاصمة السورية دمشق.
ولفت كوسا إلى مجموعة من المسلسلات التي تناولت مقاومة السوري للمحتل العثماني مثل “حمام القيشاني”، قائلاً: “حتى لو حولتم مناهجنا الدراسية إلى ملحقات صحف شرعية، ستغلبكم أغنية أو مقطع منها يتغنّى بشهداء ٦ أيار، الذين “تمرجحوا” على مشانقهم بعد أن أصدر العثماني العصملي المحتل الجزار جمال باشا السفاح قراراً بإعدامهم. هؤلاء شهداؤنا، وباقون في الأغنيات والوجدان وفي المناهج التي ستعود كما كانت، يعني ستعود كما كانت”.
من جهته، قال الكاتب معن سقباني: “هذا يعني أن مسلسليّ أخوة التراب والخوالي سيصبحان من الممنوعات قريباً “.
ورأى المخرج محمد زهير رجب أن “من يعبث بتغيير المناهج التعليمية بشكل ارتجالي وغير مدروس ينمّ إما عن جهل مطبق أو عن عقليّة منغلقة إقصائية؛ لذا يجب أن يحاسب ويوضع له حدّ، وعلى وجه السرعة”، مضيفاً: “من أخبركم أن زنوبيا وخولة بنت الأزور وحمورابي مجرد أساطير من الخيال؟ ومن قال إن من يدافع عن وطنه ليس شهيداً؟ من أين تأتون بهذه الفتوحات الفكرية؟”.
وهزأت الكاتبة نور شيشكلي من التعديلات في منشور جاء فيه: “لا نقاش في تعديلات المناهج التعليمية، طالما أنهم أبقوا لنا الإثبات على أن نظرية داروين صحيحة، 1/1/2025 وانتهى الحلم . صباح الخير أيها الكابوس مجدداً، بانتظار الحكم الشرعي في كتابة الدراما، خاصة دراما تاء التأنيث، نون النسوة، التي تكتبها النساء غير المؤهلات بيولوجياً ولا كينونياً”، في إشارة إلى تصريحات عبيدة أرناؤوط، الناطق الرسمي باسم الإدارة السياسة التابعة لإدارة العمليات العسكرية، حيال المرأة بقوله إن “كينونة المرأة وطبيعتها البيولوجية والنفسية لا تتناسب مع كل الوظائف كوزارة الدفاع مثلاً”.
وتداول قسم كبير من الفنانين منشوراً موجّهاً إلى “قائد الإدارة الانتقاللية السيد أحمد الشرع”، جاء فيه: “لا يحقّ لوزارة تعمل ضمن حكومة تصريف أعمال موقتة أن تقوم بإجراء أيّ تعديلات على المناهج التعليمية”، باستثناء الضرورية المرتبطة بالوضع الحالي، والتي “تمجّد النظام البائد وحزب البعث”. وطالب المنشور بإلغاء قرار التعديلات و”عدم المساس بالمناهج الدراسية إلى حين إجراء الانتخابات وتشكيل وزارات تمتلك الشرعية الانتخابية حينها”.
وعلّقت الممثلة يارا صبري على المنشور الذي شاركته بدورها، قائلةً: “”هذا ليس من صلاحيات حكومة تصريف الأعمال”.
ومن التعديلات التي اعترض عليها الفنانون السوريون، حذف تاريخ الآراميين والكنعانين وحذف تاريخ الآلهة القديمة، وما يتعلق بتطوّر القانون وفق “شريعة حمورابي”، بالإضافة إلى حذف ما يتعلق بنظرية التطور وأصل الأنواع للعالم البريطاني تشارلز داروين، مع حذف فقرة “تطور الدماغ” بالكامل من مادة العلوم.
