يا الله على هذه «الميتات» المتكررة، المتنقلة من حيّ الى ثانٍ الى ثالث الى رابع في بيروت المنهكة – وللأشرفية حصتها الأكبر من مشهدية الموت تلك. أهي صدفة أن يكون أبطال الجرائم المتتالية سوريين وسوريات؟ صدقاً لم نعد نعرف كيف يحصل كل ذلك ويبقى المجرمون، ومن لديهم جينات إجرام، يسرحون ويمرحون! أول البارحة، وقع بيت «الترك» كبش محرقة هذا الإستسهال الأمني في البلد. الرجل نزيه مقعد.
الأولاد محمد ومالك وملدا خارج البلد. الوالدة هبة تعتني بزوجها وتعشقه كما يعشقها. طلبا عاملة منزلية من مكتب الخدم A.T.S. group رقم هاتفه: 79/316451. ووقّعا العقد مع المكتب في السادس عشر من آذار الماضي تحت عنوان «عقد تعهد والتزام». وبمقتضى هذا التعهد أصبحت زبيدة صالح السالم، وهي من الجنسية السورية، مدبرة منزل بيت آل الترك لمدة شهر قابلة للتجديد، مقابل راتب قدره 400 دولار أميركي، على أن تعمل ستة أيام ولها يوم عطلة في اليوم السابع.
قبل انقضاء الشهر، في اليوم الخامس عشر، في 31 آذار الماضي، قتلت السورية زبيدة، بمعاونة سوريَين اثنين، نزيه ونجت زوجته هبة من «خروم الشبك». هربت القاتلة ومساعداها. وانتشر خبر: حادثة تهزّ منطقة الأشرفية. فهل إنتهى الخبر عند هذا الحدّ؟ وهل هناك من يحمي الأحياء- الذين يموتون في اليوم القصير مرات ومرات – من المعربدين الذين يعيثون فساداً وتشليحاً وقتلاً وتزويراً في عاصمة تتهالك؟ وهل هناك للسؤال: أين حراس بلدية بيروت؟
تشليح وقتل
السوريون في البلد باتوا حملاً ثقيلاً. قيل ذلك بدل المرة مرات. كثيرون تذمروا. كثيرون قُتلوا. كثيرون سُرقوا. وكثيرون كثيرون يشهدون على حوادث يشيب لها شعر الرأس. فمنذ أسبوعين، أينما سرح المرء في أحياء الأشرفية، سمع من ينبهه: «هناك تشليح متكرر في الشوارع والأزقة. إحداهنّ، من سكان منطقة الجعيتاوي، إقتحم أحدهم بيتها – الذي يتلاصق مع بيوتات كثيرة في حيّ أكثر من شعبي. صرخت كثيراً فهرب. جيرانها عانوا. طاسات السيارات. مرايا السيارات. محتويات السيارات… كل شيء أصبح مباحاً للسرقة في أحياء الأشرفية. كل ذلك، في ظلّ حقيقة أن حرس بيروت يستمرون في تعليق مهامٍ نفذوها باللحم الحيّ وفي الختام حُمّلوا مسؤولية قيام ما ليس من مهامهم. إختصروا الطريق و»قعدوا» في البيت أو في القصر البلدي. مهام حماية المدينة والأشرفية يفترض أن تكون على عاتق الأمن الداخلي. لكن، نائب الأشرفية غسان حاصباني نبت على لسانه الشعر وهو يطالب بأمن الأشرفية وبيروت. والبارحة عبّر في تغريدة: نضع جريمة الأشرفية البشعة برسم وزير الداخلية الذي تنضوي تحت مسؤولياته قوى الأمن الداخلي والأمن العام. جريمة كهذه لا يمكن أن تمرّ من دون عقاب. ويجب ألّا تتكرر. قال حاصباني ما قال. لكن هل سمعت الداخلية؟ نشك.
ندق مجدداً على رقم المكتب الذي أمّن «مدبرة المنزل» السورية الى بيت الترك. الخط مقفل. نقابة أصحاب مكاتب إستقدام عاملات المنازل في لبنان قالت إنه غير مرخّص. لكن، ماذا عن عشرات عشرات غيره يعلنون عبر صفحات السوشال ميديا عن توفير خادمات سوريات شهرياً؟ جواب النقابة واضح: «فلينتبه الناس من التعامل أو التواصل مع مكاتب وهمية قد تتعامل معهم بطريقة غير قانونية وليتأكدوا أن المكتب حاصل على ترخيص من وزارة العمل تفادياً للوقوع في المحظور». هي نصيحة فهل تكفي؟ هل يفترض بالمواطنين تلاوة الأبانا والسلام أو دعاء « اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» ليحتاطوا من البلاء؟
ظاهرة مكاتب تأمين العاملات لا تُعدّ ولا تحصى. عتلاني هم التعزيل؟ نحنا منعزّل عنك. مكاتب على «قفا من يشيل» تقدّم خدماتها. ويكفي لوزير الداخلية أن يفتح حسابه على الفيسبوك ليجد عشرات المكاتب التي تعمل – الى حين إثبات العكس – بلا ترخيص.
أين زبيدة
البارحة، صُلّي على جثمان نزيه الترك في مسجد الخاشقجي. ماذا عن القتلة؟ ماذا عن العاملة السورية زبيدة (مواليد 1990) من بلدة بقرص؟ هربت؟ كم أصبحت الجريمة سهلة في بلدنا والهروب أسهل! أتت زبيدة من مدينة بقرص، الواقعة في وادي الفرات، في الجزء الغربي من نهر الفرات. هي مدينة يقال انها أثرية. أتت الى لبنان مع ملايين آخرين أصبحت ضرورية عودتهم من حيث أتوا. هناك من يقوم بإلقاء مسؤولية من دخلوا الى لبنان على جماعة سياسية غافلاً مسؤولية من يقفون على الحدود ويسهلون دخول وخروج السوريين من والى لبنان. فلماذا من يخرج يسمح له بالعودة؟ وماذا عن الحدود الفالتة؟ وماذا عن الأمن المفقود في البلاد؟ أين القوى الأمنية التي يفترض بها أن تسهر؟
محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود ليس على السمع. هو يتابع يومياً مسار التطورات في العاصمة بيروت. وسبق وقرع مراراً ناقوس الخطر معلناً لـ»نداء الوطن»أن بيروت أصبحت مدينة مفتوحة تضم مخيمات على كتف مخيمات أصبحت مليئة بنازحين سوريين أكثر من الفلسطينيين.
وهناك شوارع في بيروت يستأجر فيها السوريون بيوتاً بأسعار باهظة تعصى على اللبنانيين. وهذا ما جعل ابناء بيروت، خصوصاً أبناء الأحياء الفقيرة، غير قادرين على إيجاد سكن فاضطروا الى ان يغادروا بيروت. المواطنون الأصليون يبتعدون عن العاصمة لمصلحة النازحين السوريين. أكثر من ذلك، قطاعات بأمها وأبيها ما عادت بأيدي اللبنانيين والبيارتة وبينها تجارة الخضار ومحلات المأكولات الجاهزة وتوزيع المأكولات وصالونات تزيين الشعر. إرتفعت إيجارات المحال التجارية في بيروت كثيراً وما عادت بمقدور اللبنانيين. أستطيع ان اقول ان اللبنانيين باتوا عاطلين عن العمل. ومستوى الأمان ليلاً في بيروت تراجع. وهذا كله ناتج عن إنهيار مؤسسات الدولة».
بلدية بيروت سمعت طبعاً بجريمة قتل نزيه الترك. المحافظ بلا شك شعر بالمرارة الشديدة وهو من حذر مراراً وتكراراً من «الآتي» إذا استمرّ الأمن فالتاً. لكن، ماذا بيده؟ الأمر يفترض أن يكون في يد وزير الداخلية أولا والقوى العسكرية تحديداً. بلدية بيروت سبق وأخذت قراراً بنزول شرطة البلدية على الأرض وتوقيف المرتكبين والمتسللين والعابثين منطلقة من تكليف من الداخلية الى كل البلديات في لبنان نصّ على وجوب أن يساعد الحرس البلدي والشرطة البلدية الأجهزة الأمنية على التعامل مع ملف النازحين لناحية إحصاء عددهم وسكنهم ولناحية إقامة حواجز ليلية لمنع عبور الدراجات، خصوصاً أن قسماً كبيراً منهم لا يحوز أوراقاً ثبوتية ودراجاتهم مسروقة وينتقلون عبرها ليلاً يمارسون أعمال السلب والمخدرات وسبق ان أوقف فوج الحرس بعضهم مدججين بالسلاح ويحوزون مخدرات وتمّ تسليمهم الى الأجهزة الأمنية. وسقط للبلدية شهداء وحدثت إعاقات في صفوف الحرس وفي النهاية، حين توفي سوري حاول الهرب، أوقفوا الحارس البلدي. وكأن العلاج في لبنان يحصل على قاعدة ضربني وبكى سبقني واشتكى.
ماذا بعد؟
ربما أصبح لزاماً علينا أن نسأل: من هو التالي؟ من سيدفع ثمن هذا الإستسلام الهائل من دولة إذا قلنا عنها عاجزة مستهترة يكون قليلا عليها. الأشرفية اليوم في عين الخطر من جديد. فماذا عن الخطوة التالية لإيقاف سيل الموت الرخيص من غرباء لا يشبعون؟