وبعد اصطدام المسعى الفرنسي طوال الأشهر الماضية بمعارضة سياسية وبرلمانية واسعة، بدأت ملامح “تحور” مقاربتها تظهر تدريجاً بهدف عدم تسجيل “خسارة” دبلوماسية وسياسية، إذ تشير المعلومات إلى أن أولى تلك الإشارات كانت باستبدال بموفدها الرئاسي باتريك دوريل، وزير خارجية فرنسا السابق جان إيف لودريان، الذي زار بيروت مرتين متتاليتين للاستطلاع ومن دون طرح اسم فرنجية أثناء لقاءاته مع القوى السياسية، ليحط رحاله للمرة الثالثة غداً الإثنين، من دون أن يتضح أي أفق واضح حيال الاحتمالات التي قد يسلكها الملف الرئاسي.
وكان لودريان قد اقترح أن يجتمع السياسيون اللبنانيون، خلال سبتمبر (أيلول) الجاري، على ما سماها “طاولة عمل” للتوصل إلى توافق على خطة لإنهاء الشغور الرئاسي، إلا أنه من الواضح أن انعقاد “الطاولة” بات متعثراً بسبب رفض المعارضة استبدال حوار من خارج المؤسسات شبيه بسلسلة حوارات سابقة سرعان ما تم الانقلاب على ما توصلت إليه بالآلية الدستورية لانتخاب رئيس، بالتالي يتوقع أن يستبدل لودريان بـ”طاولة العمل” لقاءات ثنائية للبحث مع كل الأطراف حول نظرتهم واستنتاجاتهم للتوصل إلى حل يؤدي إلى انتخاب رئيس.
نكسات أفريقيا
ويرى الأكاديمي المتخصص في القانون الدولي بجامعة باريس، محيي الدين الشحيمي، أنه بعد مرور سنة على مبادرتها باتت فرنسا أكثر تصالحية مع ذاتها، وعادت بحكم الظروف والتقلبات الإقليمية والدولية إلى مقاربة الملف اللبناني من زاوية المجموعة الدولية، بعد أن كانت تحاول التنصل منها ظناً أنها قادرة مع شركاء محليين أي “حزب الله” على فرض واقع يلزم القوى المحلية والدولية السير به.
ويرى أنه بعد وصول المسعى السابق الذي يتجسد بمحاولة دفع القوى المحلية وحشد الإجماع الدولي لصالح انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للبنان، تنطلق فرنسا من خلال مبعوثها لودريان بمسعى جديد يهدف إلى الإسراع بانتخاب رئيس وفق المواصفات التي سبق أن أعلنتها مجموعة الدول الخمس، ووفق ما ينطبق مع الدستور اللبناني، وينسجم مع اتفاق الطائف والقرارات الدولية.
وبرأيه، بعد تراجع فرنسا عن مسعاها “المتفرد”، باتت خريطة الطريق لانتخاب رئيس واضحة، وتنطلق من البيان الأخير لمؤتمر الدول الخمس الذي عقد في الدوحة بتاريخ 17 يونيو (حزيران) الماضي.
وذكر أن المسعى السابق الذي ارتكز على اسم فرنجية، وضع الإدارة الفرنسية في موقف محرج، لناحية تماهيها الكامل مع “حزب الله” وما نتج منها من معارضة شرسة من القوى المسيحية، إضافة إلى تضعضع في الموقف الرسمي لباريس بين الخارجية و”الإليزيه” و”الكي دورسي”، تزامناً مع نكسات للسياسة الفرنسية في أفريقيا، الأمر الذي أسهم بمراجعة الموقف في لبنان لعدم تحميل إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون نكسة إضافية في السياسة الخارجية.
لقاء متوقع للمعارضة مع لودريان
ومن المتوقع عقد لقاء لوفد من المعارضة مع لودريان، بعد غد الثلاثاء، في السفارة الفرنسية لدى بيروت، يتم خلاله إبلاغه بموقفين، الأول هو الانفتاح على مناقشة أسماء لمرشحين “تسوية”، والثاني هو التأكيد أن مسار الحل يبدأ بفتح جلسات متتالية لانتخاب رئيس في المجلس النيابي.
تنسيق في نيويورك
ويتوقع أن تشهد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك اجتماعاً على مستوى مجموعة الدول الخمس، يشدد على مواصفات الرئيس التي تؤيدها الدول الخمس، إضافة إلى تأكيد اتفاق الطائف والقرارات الدولية.
ويتوقع أن يتبلور موقف الخماسية الدولية عبر مساع قطرية بدأت تستعد للدخول على خط الاتصالات الرئاسية، بهدف الدفع في اتجاه انتخاب رئيس للجمهورية خلال فترة قصيرة، وذلك بعد انحسار تدرجي لحركة الاتصالات الفرنسية التي ستكون مؤازرة للدور القطري.
تقاطع أميركي مع “الحزب”
وبحسب ما رشح عن لقاءات سابقة بين الموفد القطري وقيادات لبنانية، فإن هناك حماسة قطرية وتأييداً مصرياً لمسعى يؤدي إلى التوافق على انتخاب قائد الجيش جوزيف عون، إذ برأي مصدر دبلوماسي مصري مواكب للمساعي القطرية “هناك إمكانية لتطبيع العلاقات بين (حزب الله) والأميركيين والتقاطع على قائد الجيش انطلاقاً من مسيرته خلال مرحلة توليه قيادة الجيش، وانسجاماً مع التقاطع الذي حصل بين الطرفين خلال الترسيم البحري مع إسرائيل وما يتم الحديث عن إمكانية انطلاق المباحثات حول ترسيم الحدود البرية”.
وبرأيه قد ينتقل الحزب إلى خيار القبول بالتوافق على اسم قائد الجيش ضمن تسوية شاملة، إلا أنه من الطبيعي أن يتمسك فرنجية بمواقفه العلنية لحين بلورة هذا الخيار لدى جميع القوى السياسية، معتبراً أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة على مستوى المنحى الذي سيتخذه الملف الرئاسي.
وتمسك بأهمية اقتناص فرصة الاهتمام الدولي بلبنان، خلال هذه المرحلة وضرورة عدم وضع العراقيل لإفشال المساعي، لأنها ستكون “المظلة” التي ستؤمن مسارات الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد، موضحاً أن ذلك يتطلب قراراً جريئاً من اللبنانيين والتزام المقررات المتفق عليها ضمن الخماسية الدولية كونها تنطلق من مطالب الشعب اللبناني.
غضب “الفاتيكان”
وفي سياق آخر، ذكرت الوكالة “المركزية” اللبنانية أن اجتماعاً ثلاثياً (فاتيكانياً – أميركياً – فرنسياً)، يعقد في الفاتيكان يوم 20 سبتمبر الجاري، للبحث في قضايا دولية أبرزها الحرب الروسية – الأوكرانية، مشيرة إلى أن الملف اللبناني لن يغيب عن جدول الأعمال.
ولفتت إلى أن الفاتيكان يستخدم الدبلوماسية الفاعلة الصامتة في سبيل دعم القضية اللبنانية، مشيرة إلى أن “الفاتيكان يستشعر الخطر على هوية لبنان لا سيما في العقدين الأخيرين، ومخطئ من يعتقد أن حلف الأقليات هو من يقود مواجهته لهذا الخطر، إذ يقف الكرسي الرسولي سداً منيعاً في وجه حلف الأقليات والتطرف، وكل الأيديولوجيات التوتاليتارية”.
وذكرت أن “الفاتيكان غاضب على من يدمر لبنان بالفساد وبلغة القوة القاتلة، ومنهجية الاستقواء مع زجه في محاور إقليمية”، موضحة أن الفاتيكان يؤيد الثبات العربي والدولي في الإصرار على خريطة الإصلاح واستعادة السيادة وتطبيق القرارات الدولية.