الموقف الأول يرى أن انتخاب رئيس جديد للجمهورية بات مرتبطاً بالوضع الميداني في الجنوب وتطورات الحرب على قطاع غزة، وهو موقف يناسب ضمناً حزب الله، أما الموقف الثاني الذي عبّر عنه خصوم للحزب، مثل زعيم حزب القوات، سمير جعجع، ورئيس حزب الكتائب سامي الجميّل، فهو يشير الى ضرورة الفصل بين المسارَين، وهذا ما أصبح يشدد عليه الفرنسيون أخيراً، على قاعدة أن الأزمة في غزة قد تطول، وبالتالي سيبقى الجنوب خارج دائرة الاستقرار.
ورغم أن الحجّة الفرنسية لديها ما يبررها، فإن موقف باريس ينطوي كذلك على تخوّف من تهميش دورها، من منطلق أن ربط الأزمة الرئاسية بجبهة الجنوب يعني أن الحل سيكون مرتبط حصراً، وبشكل مباشر باتفاق إيراني – أميركي تكون دول الخليج، لا سيما قطر والسعودية، شركاء فيه، وهو ما يهمّش الدور الفرنسي.
يأتي ذلك فيما برز تصعيد إسرائيلي في الجنوب، من خلال القصف العنيف وغير المسبوق على وادي السلوقي ووادي الحجير جنوب شرق لبنان، وهو ما وصفه البعض بأنه حزام ناري إسرائيلي قد يكون إما تمهيد لتصعيد أكبر، وإما تعويض عن حرب واسعة أو عملية برية، من خلال توجيه ضربات نوعية ومركزة تستهدف قدرات حزب الله الصاروخية ومخازن صواريخه الدقيقة ومنصات إطلاق هذه الصواريخ.
في مقابل هذا التصعيد، لا تزال الأجواء السلبية تلاحق المساعي الأميركية منذ زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت، غير أن مصادر سياسية متابعة تلفت الى أن كل الكلام السلبي الذي يقال عن زيارة هوكشتاين مبالغ فيه بشدة، فهو جاء حاملاً أفكار تجنّب لبنان حرباً مع إسرائيل. وهذه العناصر تقوم على مجموعة نقاط، أولها ترسيم الحدود، حيث تريد واشنطن خفض التوتر جنوباً والعمل على إعادة إحياء القرار 1701 بكل مندرجاته من الطرفين، النقطة الثانية فهي مرتبطة بترتيب الوضع الأمني جنوباً، حيث ترى واشنطن أن إسرائيل لا يمكنها أن تتسامح أبداً مع احتمال تعرّض بلدات ومستوطنات الشمال الى عملية طوفان أقصى ثانية، ولذلك لا بدّ من خطوات وقائية وتوفير ضمانات لعدم حدوث ذلك، وثالثاً وأخيراً التسوية السياسية، حيث تعتبر واشنطن إن المسار الطبيعي لإنجاز النقطتين السابقتين هو عودة آلية الدولة اللبنانية إلى العمل بشكل طبيعي، بدءا من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة مكتملة الصلاحيات.
وتشير هذه المصادر الى أنه لم يكن هوكشتاين ليأتي الى لبنان لولا حديث الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، عن «فرصة تاريخية» أمام لبنان لتحرير أراضيه كافة، والذي اعتبر رسالة إيجابية باتجاه المساعي الأميركية. كذلك تؤكد المصادر ذاتها أنه بعد لقاء هوكتشاين بنائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب في دبي، سأل المبعوث الأميركي بوصعب إذا كان لديه تفويض من الثنائي الشيعي للتفاوض، وقد حصل الأخير على هذا التفويض، فالتقى به في روما، وعلى أساس ذلك اللقاء حددت الزيارة إلى بيروت، ولكن ما حصل بعد ذلك هو أن الإسرائيلي لجأ الى التصعيد، في محاولة لفرض أمر واقع. ومن هنا تشير المصادر إلى أن الحركة الأميركية متواصلة، بل ستتكثف لمنع حصول أي تصعيد والمُضيّ بخيار المفاوضات إلى خواتيمها.