غادر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بيروت الخميس من دون أن تثمر جهوده في إقناع القوى السياسية بالتوافق على انتخاب رئيس للجمهورية، فيما تدور البلاد في حلقة مفرغة منذ شغور المنصب قبل عام ونصف العام.
وتبدو فرنسا الدولة الوحيدة، تقريبا، التي تتذكر أن لبنان بلا رئيس، وترسل باستمرار مبعوثها للقاء فرقاء الأزمة مع معرفة مسبقة بفشل مهمته في تحريك ملف الرئاسة لأن الجهات المعنية من مصلحتها استمرار حالة الفراغ الرئاسي.
وقال مصدر دبلوماسي فرنسي لوكالة فرانس برس إن لودريان الذي التقى قوى سياسية رئيسية في لبنان، من بينها حزب الله، القوة السياسية الأبرز في البلاد، “لم يحقق أي خرق يذكر” في الملف الرئاسي.
وأضاف المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته أن “كل فريق متشبّث بمواقفه”، ما دفع لودريان إلى تحذير المسؤولين الذين التقى بهم من أن “وجود لبنان السياسي نفسه في خطر”، مع استمرار الشرخ في البلاد.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر 2022، فشل البرلمان 12 مرة في انتخاب رئيس، إذ لا يحظى أي فريق بأكثرية واضحة في البرلمان تخول له إيصال مرشحه، على وقع انقسام سياسي يزداد حدة بين حزب الله وحلفائه من جهة، وخصومهم من جهة ثانية.
ويزيد التصعيد عبر الحدود بين حزب الله وإسرائيل، المستمر منذ بدء الحرب في غزة بين الدولة العبرية وحركة حماس في السابع من أكتوبر الماضي، من حدة الانقسام السياسي، فيما البلاد غارقة أساسا في أزمة اقتصادية متمادية منذ سنوات.
ويربط حزب الله، المدعوم من طهران ويمتلك ترسانة سلاح ضخمة، وقف استهدافه إسرائيل بوقف الأخيرة حربها في غزة.
وحذّر لودريان خلال لقاءاته في بيروت من “مخاطر إطالة أمد الأزمة” وسط السياق الإقليمي المتوتر. وشدّد على “الضرورة الملحة لانتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير”، وفق المصدر الدبلوماسي.
وفي باريس قال المتحدّث باسم الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان إن وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه التقى الأربعاء نظيره اللبناني عبدالله بوحبيب.
وذكّر سيجورنيه بـ”التزام فرنسا بدعم سيادة واستقرار لبنان”، وبـ”الجهود التي تبذلها فرنسا للمساهمة في خفض التصعيد، لاسيما عبر التواصل مع كافة الأطراف المؤيدة لحل دبلوماسي”، وفق لوموان.
وأضاف لوموان أن الوزيرين تطرقا أيضا إلى زيارة لودريان إلى لبنان في حين أن “هناك حاجة ملحة إلى إيجاد حلّ للأزمة المؤسساتية، وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على الاستجابة لتطلعات اللبنانيين وحاجاتهم”.
وحول مقترحات فرنسا لخفض التصعيد بين إسرائيل ولبنان، قال لوموان “كان هناك رد إيجابي نوعا ما” من الجانب اللبناني، لكنه أكّد أن إسرائيل لم تردّ بعد رسميّا على باريس.
وفي يناير حملت باريس إلى الطرفين مبادرة لنزع فتيل التصعيد الحدودي خشية توسّعه، من دون إحراز تقدّم. وتمّ مطلع مايو تعديلها بطلب من لبنان الذي رأى أن النسخة الأولى تتماهى مع الطروحات الإسرائيلية.
وتقترح المبادرة المعدّلة وقف الأعمال العدائية من الطرفين، وانسحاب مقاتلي حزب الله وحلفائه إلى مسافة عشرة كيلومترات من الحدود، وفق مسؤولين لبنانيين.
وجاءت زيارة الموفد الفرنسي إلى بيروت في إطار “التحضير لزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى فرنسا، والتي يمكن أن يتطرق خلالها الطرفان إلى الملف اللبناني”.
ومن المقرر أن يزور بايدن فرنسا في 6 يونيو بمناسبة الذكرى الثمانين لإنزال النورماندي.
واصطدمت المساعي الدولية تجاه لبنان وتلك التي يضطلع بها لودريان حتى الآن بحائط مسدود، فيما يفاقم الشغور الرئاسي منذ عام 2022 الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة.
ودعت الدول الخمس التي تتابع الملف اللبناني، السعودية ومصر وفرنسا والولايات المتحدة وقطر، في بيان مشترك موقّع من سفرائها في لبنان في السادس عشر من مايو إلى “مشاورات محدودة النطاق والمدة بين الكتل السياسية” قالت إنها “ضرورية لإنهاء الجمود السياسي الحالي”.
وأوضحت أن “هذه المشاورات يجب أن تهدف فقط إلى تحديد مرشّح متفق عليه على نطاق واسع، أو قائمة قصيرة من المرشحين للرئاسة”، على أن يذهب النواب فور اختتام المشاورات إلى “جلسة انتخابية مفتوحة في البرلمان مع جولات متعددة حتى انتخاب رئيس جديد”.