واستمر الغليان الشعبي بعد هذه الحادثة التي كادت تحوّل شاحنة حزب الله عند كوع الكحالة إلى “بوسطة عين رمانة ثانية”، وتُرجم هذا الغليان على الارض أولاً بالمواقف الصادرة عن القوى السيادية وحزبي القوات اللبنانية والكتائب الرافضة أي تعايش مع “سلاح الدويلة”، وثانياً بتشييع حاشد من قبل جمهور حزب الله للقتيل أحمد علي قصاص الذي سقط بحسب ما أورد إعلام الحزب “برصاص ميليشيوي بغيض في محلة الكحالة”.
وتخلل التشييع في روضة الحوراء زينب في الضاحية الجنوبية هتافات “لبيك يا حسين” وصيحات الولاء لخط المقاومة وإطلاق نار كثيف وصل منه على الأرجح رصاص طائش أصاب سيارة وزير الدفاع اللبناني العميد موريس سليم أثناء عبورها طريق الحازمية جسر الباشا، وقد تداولت وسائل الإعلام بداية خبراً عن محاولة اغتيال تعرّض لها الوزير حيث أصيب زجاج سيارته الخلفي لكنه بخير ونُقل إلى مكان آمن.
بموازاة ذلك، استعاد بعضهم بعد حادث الكحالة الذي أسفر عن سقوط قتيلين أحدهما من أبناء الكحالة والآخر من حزب الله ذكريات من ايام الحرب الاهلية حيث كان كوع الكحالة شاهداً على حوادث تفاقمت وأدّت إلى نشوب الحرب، ودان هذا البعض تنقّل حزب الله بشاحنات أسلحة وذخائر وسط البلدات الآمنة على مرأى من الدولة المتفرّجة والمكتوفة اليدين، وسألوا ماذا لو انفجرت الشاحنة عند هذا الكوع فماذا كانت النتيجة؟
في المقابل، استنكر فريق الممانعة الحملة التحريضية ضد المقاومة وسلاحها واتهم من سمّاهم “مجموعات ميليشيوية باستغلال الوضع والتصعيد” علماً أن القتيل فادي بجاني هو من أنصار حزب الوعد وتعمل ابنته في قناة OTV التابعة للتيار الوطني الحر والتي امتنعت عن البث المباشر لما جرى في الكحالة خلافاً لما أقدمت عليه قنوات MTV و الجديد وLBCI والحدث.
رمزية «كوع الكحالة”»
غير أن رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل وبعد الانتقادات التي وجّهت إلى محطته التلفزيونية بعدم مواكبة الحدث الأمني وعدم التعليق على الحادث، خرج عن صمته وكتب عبر منصة “إكس”: “كوع الكحالة له رمزيّته النضالية الكبيرة في وجداننا كلنا، ويلي صار مبارح له دلالته الكبيرة بأنه في أماكن ومواقع وشعب عصي على أي إساءة، ويدل على أهمية أن تكون المقاومة محتضنة من الشعب اللبناني، وإلا بتفقد مناعتها وقوتها بيحمي لها ظهرها شعب مش شخص”. وأضاف “الدلالة كبيرة بأنه ما بيكفي يكون في وحدة شيعية، على أهميتها، حتى المقاومة تكون بخير والبلد بخير، الوحدة الوطنية بتبقى أكبر وأكثر مناعة. الدلالة كبيرة على أهمية الاستراتيجية الدفاعية الوطنية يلّي بتنظم موضوع السلاح، حتى ما حدا يشعر بخطر منه بأي منطقة بلبنان. الطرقات والتواصل بقلب البلد أهم بكتير من المحاور والممرات والمعابر خارجه. صدقوني هيك، رحمةً بالبلد وبالشهداء، والله يرحم شهداء مبارح وابو فادي بيبقى مرافقنا، وبتبقى الكحالة وكوعها رمز العنفوان والصمود”.
تأخر التحقيقات
وكانت حركة السير عادت إلى طبيعتها على طريق الكحالة بعدما نجح الجيش اللبناني في ساعات الليل في تفريغ حمولة الشاحنة ونقلها من المكان بعد مواجهات مع أهالي الكحالة. وبدأت النيابة العامة العسكرية التحقيقات بتأخير ساعات، وتولت جمع كاميرات المراقبة في المنطقة لتحديد الجهة التي بدأت بإطلاق النار. وعاين الطبيب الشرعي الجثتين اللتين سقطتا وتبين أن الضحية فادي بجاني قُتل بثلاث رصاصات فيما قتل علي قصاص بـ 7 رصاصات.
وبحسب رواية الأهالي فإن بجاني الذي يقع منزله في المحلة تقدَّم مع مجموعة منهم لانقاذ سائق الشاحنة لحظة انقلابها، لكن طلبت منهم العناصر الحزبية المرافقة للشاحنة الابتعاد ما أثار الريبة لديهم مما تحمله الشاحنة، فحصل تلاسن وشجار ثم إطلاق نار لإبعاد الاهالي.
من جهتها، أصدرت قيادة الجيش – مديرية التوجيه بياناً جاء فيه: “بتاريخ 9 / 8 /2023، لدى انقلاب شاحنة تحمل ذخائر على طريق عام الكحالة، حصل إشكال بين مرافقي الشاحنة والأهالي ما أدى إلى سقوط قتيلين. وقد حضرت قوة من الجيش إلى المكان وعملت على تطويق الإشكال، وتم نقل حمولة الشاحنة إلى أحد المراكز العسكرية، وبوشر التحقيق بإشراف القضاء المختص”. وأضافت “بتاريخ 10 / 8 /2023 عند الساعة الرابعة فجرًا، قامت القوة برفع الشاحنة وفتح الطريق بالاتجاهين، فيما يواصل الجيش متابعة الوضع واتخاذ التدابير الأمنية المناسبة”.
ومواكبة للحادث، عقدت الجبهة السيادية اجتماعاً استثنائياً في مقر حزب الوطنيين الأحرار في السوديكو وأصدرت بياناً تلاه النائب أشرف ريفي أدان “آلة القتل المتنقلة التي أنهكت الدولة وجعلتها منعدمة الوجود ولا توفّر منطقة ولا مدينة إلا وتجعل منها ساحة دم”، معتبرًا “أن الحكومة اليوم سقطت شرعيتها والسلاح ليس سلاح مقاومة فهو يرتد على صدورنا ويقتلنا كل يوم وسنناضل لسحب كل سلاح غير شرعي من أيدي أصحابه”. وأشار إلى “أن الميليشيا لا تتعب من توزيع الرسائل معرّضةً لبنان ليكون ساحة لتصفية الحسابات ولا تعير اهتماماً للعائلات اللبنانية حيث تستبيح القرى والبلدات متسلحةً بآلة القتل والترهيب”. وأضاف: “نتمسك بالتكاملية الإسلامية المسيحية فالأزمة في البلد ليست أزمة طائفية ولا مذهبية بل أزمة سلاح لدى مجموعة تعمل لصالح إيران ولا خروج من الأزمة إلا بسحب السلاح من حزب الله”.
الكتائب: تخاذل الجيش
من ناحيته، انتقل رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل ونوابه وأعضاء مكتبه السياسي إلى الكحالة وعقدوا اجتماعاً في قسم البلدة، وانتقد النائب نديم الجميّل بيان الجيش اللبناني، وكتب على منصة “إكس”: “بيان الجيش اللبناني غير مقبول واقل ما يقال عنه انه يستخف ويسخّف ما حصل في الكحالة. فالبيان تناسى سهواً أو عمداً تسمية الجهة التي كانت تنقل الذخائر، ووجهتها. والأهم، لم يوضح الجيش عما اذا اصبحت الحمولة في احد المراكز العسكرية التابعة له أم قام بتسليمها لاحد المراكز العسكرية التابعة للميليشيا”. وأضاف: “على الجيش اللبناني تحمل مسؤولياته كاملةً او التخلي عنها… لبنان ليس جاهزاً لتحمل مرة جديدة ثمن تخاذل الجيش”. أما رئيس الكتائب فقال “نعرف أنّ الجيش يُنفّذ الأوامر وأن السلطة السياسية مخطوفة وأن هناك معادلة مفروضة على اللبنانيين إسمها “جيش وشعب ومقاومة”، لكن يجب أن تعرف قيادة الجيش أنّ أسلوب حزب الله في التعاطي سيوصل البلد إلى أماكن خطرة وإذا لم يتحمل الجيش مسؤوليّته ولم يضع حدًّا لكل الممارسات يكون بدوره شاهد زور على ما يُمكن أن يصل إليه البلد”. وختم “لسنا مستعدين لأن نتعايش مع ميليشيا مسلحة”.
وكتب رئيس “المجلس الوطني لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان” فارس سعيد على حسابه: “أسقطت الكحالة امس المعركة السياسية والإعلامية التي قادها لبنان الرسمي استباقاً لجلسة مجلس الأمن في 31 آب/أغسطس للتجديد لليونيفيل، إذ فضحت “حادثة الكوع” عدم تقيّد لبنان بالقرار 1701 الذي ينصّ على ضبط الحدود و منع ايصال الاسلحة إلى لبنان من سوريا”. وأضاف: “الكحالة “حسّاسة” كما كل لبنان منذ انفجار المرفأ وتصفية جو بجاني من امام منزله… إلقاء اللوم على أهلها ظلم”، مطالباً الحكومة “بتحمّل مسؤولياتها الوطنية وفتح تحقيق فوري والدولية لتفسير التراخي في عدم تنفيذ الدستور وقرارات الشرعية الدوليةوالأخلاقية في تقديم واجب التعزية”.
تعبئة حاقدة
في المقابل، أقيمت مراسم التشييع لعنصر حزب الله علي قصاص في الغبيري، وألقى مسؤول قسم التبليغ والأنشطة الثقافية في الحزب علي فحص كلمة أكد فيها “أنّ شهداء المقاومة حملوا السلاح للدفاع عن لبنان وحماية كل اللبنانيين باختلاف طوائفهم”، ولفت إلى “أن الشهيد قصاص شارك إلى جانب إخوانه المقاومين في الدفاع عن بلدة معلولا وأضاء شمعة أمام كنيستها لا ليُكافأ بالاعتداء عليه بالرصاص والقتل من قبل مسلحين أمام كنيسة الكحالة”.
وأدانت “كتلة الوفاء للمقاومة” في بيانها “التوتير المبرمج والظهور الميليشيوي المسلح الذي شهدته بلدة الكحالة عقب انقلاب شاحنة عند أحد منعطفاتها، وتعرض أفرادها للاعتداء في محاولة للسيطرة عليها وإطلاق النار الموجّه الذي أدى إلى استشهاد أحد الإخوة، وإعاقة تدّل الجيش اللبناني ومحاولة منعه من ضبط الاستفزاز”، ورأت “أن ذلك هو نتاج التحريض والتعبئة الغبية والحاقدة التي تشكل مادة فتنوية يعمد إلى توظيفها قاصرو النظر أو المتورطون في المشاريع المعادية لمصالح لبنان واللبنانيين”.
ووجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة للقيادات المسيحية جاء فيها: “أن الفتنة تغلي والشرور فوارة، ولأن حرمة هذا البلد من حرمة أهله وطوائفه وحماته ومشروع دولته وسلمه الأهلي، ولأن البلد مكشوف والأجهزة الدولية تمارس لعبتها الخبيثة وتوقد الإعلام الممسوك وتطبخ الدم والخراب والقطيعة وتدفع نحو انفجار وطني كارثي، ولأن بعض المنصات السياسية تمارس وظيفة الفتنة والاصطفاف خلافاً للقيم الأخلاقية والإنسانية وللمصالح الوطنية، من هنا أخاطب القيادات المسيحية الوطنية والروحية بأن هناك من يدفع البلد نحو فتنة مجنونة ويعمل ضد المصالح المسيحية الإسلامية ويريد حرق البلد بمن فيه، ولا يهمه كنيسة أو مسجد”. وأكد أن “لبنان بلا مقاومة خراب وفتن ومستنقع مقابر واحتلال، وتاريخ لبنان الماضي دليل مطلق على ذلك، والمقاومة ضمانة وطن لا ضمانة طائفة، والنيل منها نيل من صميم سيادة لبنان، ولا عدو للمقاومة إلا إسرائيل، ولا وظيفة لها إلا حماية الكيان”.