ورفض قوى لبنانية متعددة لربط الوضع في لبنان بالوضع في قطاع غزة، لا يخفي تهربا من دفع فاتورة التضامن العربي على الإطلاق، بل ينطلق من واقعية تفرضها المعطيات المتعددة التي تحيط بلبنان من مختلف الجوانب، ومنها كون البلاد تعاني من انهيار مالي واقتصادي، ومن فراغ يطول موقع رئاسة الجمهورية ومؤسسات عامة دستورية وإدارية وأمنية وقضائية أخرى، وهذا الفراغ يؤدي مع الوقت إلى ترهل مخيف في أداء أجهزة الدولة، مما قد يسبب تسلل الفوضى إلى الحياة اللبنانية بمختلف أوجهها.
بعض الأحزاب والتيارات تعلن جهارا معارضتها لسياسة حزب الله في جر لبنان إلى حرب مرتبطة كليا أو جزئيا بحسابات إقليمية وبتحالفات خارجية، أو بما يطلق عليه الحزب وحلفاؤه «بوحدة الساحات» والبعض الآخر من القوى اللبنانية لا يساجل الحزب علنا في هذا الموضوع، لكنهم لا يوافقون على سياسته التي لا تعطي اهتماما كافيا للتضامن الوطني الذي يفرض عدم جر البلاد إلى حرب يتأذى منها اللبنانيون جميعا، بينما يقرر خوضها طرف واحد منهم، برغم أن هذا الطرف يضحي بخيرة شبابه وتتضرر بيئته الحاضنة أكثر من غيرها من وحشية العدوان.
وموقف حزب الله من خوض الحرب بالتلازم مع العدوان على غزة ليس سرا او ناتج عن تحليل للمعطيات، بل هو موقف معلن ببياناته وبخطابات أمينه العام، والسيد نصر الله لا يخفي هذا الواقع، برغم أنه متفائل بتحقيق نصر يستفيد منه اللبنانيون والفلسطينيون على السواء، ولم يتناول نصرالله علنا كيفية توفير مقومات الصمود للبنانيين، ولا طريقة احتواء المآسي الناتجة عن الهجمات الإسرائيلية المدمرة والبالغة العنف، والتي طالت ما يزيد على 3000 منزل بتدمير كلي او جزئي حتى الآن، ناهيك عن الخسائر في الأرواح وفي المنشآت العامة.
الموفدون الدوليون الذين يزورون لبنان، وآخرهم المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين ومدير المخابرات الخارجية الفرنسية نيكولا ليرنير، ينقلون تحذيرات من مغبة تفاقم الأعمال العسكرية في الجنوب، وأن هذه الأعمال لن تبقى محصورة في الجنوب، وهوكشتاين هدد المسؤولين من أن الأعمال العدوانية الإسرائيلية قد تطال كل شيء، بينما نقلت أوساط متابعة لزيارة ليرنير أنها حملت رسائل تنبيه، وهو اطلع على حاجات الجيش وقوى الأمن الداخلي. ورغم أن التباين واضح بين الرؤية الأميركية التي تريد تحقيق تفاهم ثنائي جديد في الجنوب يضمن أمن المستوطنين في شمال إسرائيل، وبين الرؤية الفرنسية التي تركز على تنفيذ مندرجات القرار الأممي 1701، إلا أن منسوب التحذيرات من نتائج الحرب لا يختلف لدى الطرفين.
لا يوجد أي حليف مسيحي معلن لحزب الله حاليا، كما أن الأجواء في الشارع الإسلامي والوطني ليست مؤيدة لرؤيته حول تلازم المسارين بين غزة ولبنان، وغالبية الرأي العام تعتبر أن ادخال لبنان في هذا الجو الأمني البالغ الخطورة يهدد حياة كل اللبنانيين، وهو ينعكس سلبا على الساحة الداخلية.
وتقول مصادر متابعة لما يجري: أن هناك مخاوف جدية من أن يتحول الاعتراض على «تلازم المسارين» إلى تحركات ميدانية تهدد الاستقرار في لبنان.