يقول عمر الرحباني إن هؤلاء أمثال زكي ناصيف، والرحابنة وغيرهم، كانت ألحانهم تنبع من هدوء يحيط بهم. ويتابع : «عندما أصغيت لـ(أيامنا حكايات) لزكي ناصيف تأكدت من هذا الأمر. كان لبنان يعيش السكينة، والملحنون يؤلفون موسيقاهم في ظلّ أجواء الصّمت والسّكون. نحن اليوم نعيش في عصر الحركة السريعة والضوضاء ونحمل نبضاً مغايراً. وخلال توزيعي لـ(مشوار) أخذت كل ذلك بعين الاعتبار، واستخدمت آلات وإيقاعات متناغمة. فولدت الأغنية على النحو الذي سمعتموه».
وعما إذا هو يشعر بالخوف من إرث الرحابنة الذي يحمله معه، يقول: «لا أبداً. وهمّي ينحصر بتقديم العمل على المستوى المطلوب والقريب من الناس. جيل اليوم لا وقت لديه للغوص بتفاصيل معقدة في الموسيقى. والحلّ يكون وسطياً لأستطيع إيصال فكرتي الموسيقية».
اختار عمر الرحباني أغنية «مشوار» عن سابق تصور وتصميم، كما يقول. وفكرة تحويلها إلى فيديو كليب سياحي كانت تراوده منذ أكثر من سنة. فشكّل العمل المناسب لحملة وزارة السياحة للترويج لزيارة لبنان في عام 2024.
في مناطق لبنانية مختلفة صُوّر كليب الأغنية بتوقيع شقيقه كريم الرحباني، فحقق انتشاراً واسعاً للإيجابية التي يحملها. ويقول عمر الرحباني: «لقد علمت أن أغنية (مشوار) تركت أثراً كبيراً لدى المغتربين اللبنانيين وغيرهم. فبعضهم لم يكن ينوي زيارة لبنان الصيف الحالي، ولكنه عدل عن فكرته بعد رؤيته الكليب، لما تولّده الأغنية من حنين لوطن ينبض بالحياة».
يصف مهمة شقيقه كريم بالصعبة. «كان عليه أن يوفّق بين أطراف عدّة يشاركون في الكليب. وكذلك اجتهد لإبراز لبنان بحلة جديدة، ولم يكتفِ بتمرير مناطق نعرفها مثل بعلبك والروشة وغيرهما. هذا العمل الشاق واكبه أيضاً تسليط الضوء على ملكة جمال لبنان ياسمينا زيتون. ومن ناحية ثانية كان عليه التركيز علي وأنا أعزف البيانو».
لا جواب عند عمر الرحباني عن أسباب استمرارية نجاح أغنيات قديمة كـ«مشوار». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قد يكون لحنها البسيط الذي يدخل القلب من دون استئذان. وكلمة مشوار يحبّها اللبناني وتعني له المتنفس بعيداً عن ضغوطه اليومية. حتى إن النّص الذي تتألف منه ليس سطحياً بل انسيابي وعميق. فعندما نقول (لنبرم العالم بنهار) يحضر الخيال الواسع. وبالتأكيد حلّتها الأساسية تلعب دوراً كبيراً. يومها كتبها ولحنها والدي غدي وغنتها رونزا بمشاركة صوت وحيد جلال».
على صدى نجاح «مشوار» يحضّر عمر الرحباني لسهرة موسيقية يحييها في مهرجانات البترون الدولية. ففي 21 يوليو (تموز) الحالي سيعتلي أحد أهم مسارح الصيف في لبنان بعد غياب. سبق وشارك في «مهرجان بيت الدين» في عام 2019. هذه المرة وتحت عنوان «لبنانيات» يعزف ريبيرتواراً ومقاطعَ موسيقية مختلفة. يوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «مدة الحفل نحو 90 دقيقة، يرافقني فيها 20 موسيقياً ومنشداً، أعتبرهم من أفضل الموسيقيين في البلد، وتربطني بهم علاقة متينة على الصعيدين المهني والشخصي. وسأعزف كلاسيكيات مشهورة في إطار متجدّد. وكذلك سأعزف عدداً من الأعمال من تأليفي».
وسيتخلل الحفل مفاجآت فنية ولوحات راقصة وضيوف وفنانين من أهل البيت.
من ناحية ثانية، يحضّر عمر الرحباني لإصدار أسطوانة «بيانو كونشيرتو 2». ويعلّق: «منذ نحو سنتين أصدرت الجزء الأول (بيانو كونشيرتو 1). وكما صار معروفاً فإني أقدم فيها موسيقى كلاسيكية ليست شعبية. وهناك أيضاً مشروع آخر أتمنى أن يرى النور قريباً، أمزج فيه بين فنون السينما والمسرح والموسيقى المباشرة. وطبعاً أتعاون فيه مع أخي كريم كما في جميع مشروعاتي الفنية. فإننا من خلال شركتنا للإنتاج نحاول إبراز القدرات الفنية عند الجيل الثالث للرحابنة».