تحت شعار “لأن الدنيا دولاب، لا تحرقه نحن نفرمه”، مهندس لبناني قرر إنقاذ الإطارات التالفة من غضب الشارع ليحولها إلى أرضيات صديقة للبيئة ومتعددة الاستخدامات في مزارع المواشي والحضانات وصالات الرياضة وغيرها.
قصة نجاح
وعن كيفية نشأة هذه الفكرة، يروي المهندس أحمد شمس الدين الناشط في الشؤون البيئية أن “الدولاب (الإطار الكاوتشوك) يتكون من مواد مثل الكتان والحديد/الفولاذ، تحتوي على مواد سامة عند احتراقها مثل الزنك والكالسيوم والديوكسين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون، كما تؤثر هذه المواد في البشر والحجر، إذ هناك نوعان: النفايات الخامدة أو العوادم التي تتبخر وتزول والعوادم التي تتنقل في الهواء، حتى لو طمرت. ويستطيع الإنسان أن يتنشقها مثل مادة الديوكسين وهي سريعة الانتشار في الجسم”.
وينتج من الإطار المحروق بحسب شمس الدين، مسحوق الكاوتشوك الأسود الذي ينبعث منه رذاذ أو غبار لا يمكن رؤيته بالعين المجردة، الذي غالباً ما يترك في بعض الأحيان ليختلط مع المياه والتربة، ويؤثر في المياه الجوفية مما يؤدي إلى أضرار وأمراض صحية خطرة، وتتكاثر جراءها أمراض السرطان والحساسية والربو والأكثر تضرراً هم الأشخاص الذين غالباً ما تكون مناعتهم ضعيفة.
معمل صديق للبيئة
ويمتاز معمل التدوير الذي يديره شمس الدين مع شركائه في بلدة جون (في قضاء الشوف) باتباعه المعايير الصديقة للبيئة. ويوضح شمس الدين أن “الطريقة المثلى للبيئة هي عندما يتم طحن المطاط من خلال تقنيات خاصة بالتقطيع، ليتحول إلى حبيبات أو مسحوق مطاطي متعدد الاستخدامات في تصنيع ملاعب الأعشاب الاصطناعية والسجاد المطاطي للأمان في حضانات للأطفال، ويستخدم أيضاً في مزارع الأحصنة والأبقار”، لافتاً إلى استخدام تقنيات أخرى متطورة تعمل على إزالة الكتان منه.
تجاوزات بيئية
وفي ظل تصاعد مشكلة التلوث البيئي، يبدو أن معظم مشاريع قوانين مجلس النواب تهمل وتترك جانباً من دون أن يتم تنفيذها. في هذا الإطار، يتأسف النائب غياث يزبك، رئيس لجنة البيئة النيابية، على “وجود المرامل والكسارات والمعامل من دون آلية للضبط في ظل تفكك الدولة والتعطيل المتقصد”، مؤكداً أن “المشكلة لا تكمن بغياب القوانين بل بوجودها من دون تطبيق”، لافتاً إلى أنه “لدينا فوق الـ1500 مرملة وكسارة تعمل من دون انضباط ولدينا فوق الـ1500 بقعة لحرق النفايات، ومطامر في مناطق لبنانية وصلت اليوم إلى سعتها القصوى، وعملية الطمر تحصل من دون فرز لأن معامل الفرز معطلة، مع العلم أننا تلقينا هبة مالية لمعمل الفرز في الكرنتينا (مقابل مرفأ بيروت)”.
ويضيف يزبك “الخطة الوطنية التي قدمتها وزارة البيئة لإدارة النفايات والتي تقترح إنشاء أكثر من 15 مطمراً صحياً على مساحة لبنان بقيت نظرية، لأنه يجب علينا أن نرى كيف يتم تسويق هذه الأفكار لدى المناطق، بخاصة أن هذه المسألة تأخذ أبعاداً سياسية وطائفية وعشائرية وخلافات بين الجوار”، معتبراً أن “الدولة مدير سيئ للنفايات وسمعتها سيئة، بدءاً من مشاريع محطات التكرير على البحر وصولاً إلى النفايات”، مشيراً إلى أنه “بحسب وزارة البيئة والمنظمات الدولية مثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP وعدد من الخبراء البيئيين، حرمت الدولة من تحويل 5-4 مليارات دولار أميركي لتنظيم قطاع المرامل والكسارات واستبدال أساليب صديقة للبيئة به بسبب سوء الإدارة والفساد”.
مبادرات شبابية واعدة
تلعب المبادرات الفردية وبخاصة الشبابية دوراً مهماً في تحسين البيئة في لبنان. ويرى يزبك أن “هناك نظرة شبابية جديدة في إعادة تدوير النفايات الصناعية، إذ إدارة هذه المشاريع لا تقتصر فقط على كونها تشكل إنقاذاً للبيئة، فلها أهميتها الاقتصادية والمادية، إذ إنه يمكن التوظيف بهذه القطاعات لتحسين واردات خزانة الدولة”.
سابقاً، نفذ أهالي بلدة الكفور (قضاء كسروان) تحركاً احتجاجياً ضد معمل الإطارات في وادي الكفور، الذي يعمل على حرق الإطارات لتذويبها واستخدامها، مما يؤدي إلى انبعاث الروائح الكريهة والدخان الأسود الذي بدأ يسبب الأمراض والآفات في صفوف الأهالي، مطالبين البلدية ووزارة البيئة بالتدخل لوقف الضرر اللاحق بهم.
في هذا الإطار، يرى فضل الله حسون، رئيس الحركة البيئية، أن “التجربة التي قام بها المهندس أحمد شمس الدين هي قصة نجاح وتجربة فريدة من نوعها، إذ للمرة الأولى ينشأ لدينا معالجة بيئية صحية سليمة لموضوع الإطارات في لبنان، إذ يعاد تحويلها إلى أرضيات لملاعب الأطفال وغيرها من الاستخدامات الصديقة للبيئة”.
دور وزارة البيئة
أما بالنسبة إلى خطة وزارة البيئة ودورها في معالجة هذه الأزمة، فترى الخبيرة والباحثة في مجال الاقتصاد البيئي وإدارة الموارد الطبيعية فرح كنج أن “وزير البيئة الحالي ناصر ياسين يتابع كل الملفات، ولكن هذا لا يكفي، إذ يجب أن يكون هناك تعاون جاد من قبل الوزارات المعنية الأخرى (كالطاقة والزراعة)”.
معامل التدوير غير مطابقة للمواصفات
وعن مدى مطابقة المصانع الأخرى للمواصفات والشروط، يعتبر حسون أن “كل التجارب الأخرى تفتقر إلى المعايير الصحية والبيئية والعلمية، بينما هذه التجربة الجديدة تأخذ في الاعتبار صحة المواطنين والحد من الانبعاثات بهدف مواجهة التغير المناخي الحاصل في العالم”.
ويشير حسون إلى أن “عمل الجمعية يرتكز اليوم على إحالة ملفات الجمعيات التي لديها قصص نجاح باتجاه المنظمات الدولية والمطالبة بدعم هذه المشاريع. إضافة إلى تكثيف حملات المناصرة في ما يتعلق بالإدارة الرشيدة والمستدامة للنفايات كجزء من خطة وطنية”، متمنياً “الوصول إلى دولة مؤسسات تضع حداً لأي مؤسسة لا تعمل بالأطر العلمية والصحية لمصلحة الأسر اللبنانية ودعم كل المؤسسات التي تعمل بشكل سليم”.
بدورها تلفت كنج إلى أنه “على رغم وجود مصانع شبيهة فإنها لا تراعي التداعيات البيئية الخطرة”، معتبرة أن “مشروع تدوير الدواليب كان جديداً لأنه يخفف من المادة الصلبة التي تحتاج إلى سنوات للتحلل الحيوي والتي تؤثر سلباً في التربة والمياه الجوفية”، مؤكدة أن “المشكلة الأبرز في لبنان أن هناك بعض المواد التي لا يمكن إعادة تدويرها بسبب نقص المعامل لذا يلجأون إلى طمرها. إضافة إلى معامل النفايات التي لا تقوم بدورها حالياً بسبب الوضع الاقتصادي والكلفة التشغيلية والتلزيم فيفضلون اللجوء إلى الحرق والمكبات العشوائية”.
حقائب مصنوعة من الدواليب
في وقت تستعمل الدواليب للحرق ولإقفال الطرقات في لبنان بشكل كبير، كانت قد أطلقت النائبة بولا يعقوبيان عام 2014 حقائب وأكسسوارات مصنوعة من إطارات الدراجات الهوائية والسيارات.
وتشرح يعقوبيان كيف أسهمت بهذا المشروع بهدف دعم “إعادة التصنيع” بغية الحفاظ على البيئة، قائلة “أردنا أن نحول الدواليب إلى حقائب يدوية كي لا يتم طمرها بخاصة أن موضوع الإطارات موضوع شائك جداً، إذ إنها لا تتلف بسرعة وتبقى آلاف السنوات لتتحلل”، مشيرة إلى أن “الهدف من هذا المشروع القديم دعم شركة ناشئة عملها اجتماعي، وللأسف لم نستكمل العمل، ولكن اليوم في جمعية “دفى” نحاول إعادة تدوير الدواليب من أجل إعادة استخدامها. على سبيل المثال، نلونها ونزينها لتحويلها إلى مقاعد وبهذه الطريقة نحاول استخدامها بدل التخلص منها، بخاصة أن هذه المنتجات كلفتها عند التلف تضاهي كلفتها عند إعادة تدويرها”.