“ناقوس خطر” دقت أجراسه في إيران، على وقع ما تشهده سوريا منذ نحو أسبوع، ليس فقط وفق ما تؤكده التحركات والتصريحات التي صدرت منها خلال الأيام الماضية، بل أيضا على مستوى التغير الحاصل في خرائط الميدان، في أكثر من جبهة وبالتزامن.
وفي نطاق هجومها الواسع ضد قوات النظام، وصلت الفصائل المسلحة في شمال سوريا، الأربعاء، إلى مسافة قريبة من الحدود الإدارية لمدينة حمص وسط البلاد، بعدما حققت تقدما واسعا في ريف مدينة حماة التي دخلت إلى أحيائها، الخميس، من الجهة الشرقية، حسب ما أكدت في بيان، وهو ما نفته قوات النظام السوري.
وفي مقابل هذه الجبهة، كانت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) قد أطلقت عملا عسكريا ضد قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية في ريف دير الزور، مستهدفة إخراجها من 7 قرى وبلدات تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات، بالقرب من البوكمال، التي توصف منذ سنوات بمفتاح الطريق البري الذي يستخدمه “الحرس الثوري” الإيراني.
تقع البوكمال على الحدود السورية العراقية، وتخضع بالكامل لسيطرة ميليشيات تتبع للحرس الثوري.
وطالما تعرض مسلحوها هناك لضربات، ضمن نطاق حملات أوسع لمنع إيران من إرسال الأسلحة والعتاد لحزب الله في لبنان وباقي أذرعها في سوريا والمنطقة.
وتعتقد الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط، إيفا كولوريوتيس أن التطورات التي تشهدها الأراضي السورية “تدق بالفعل ناقوس الخطر في طهران، وتهدد مشروعها التوسعي في المنطقة”، وتستند بذلك على التحركات الدبلوماسية المكثفة لوزارة الخارجية الإيرانية.
كما تقول الخبيرة لموقع “الحرة”، إن المخاوف في طهران “لم تعد مقتصرة على قطع طريق البوكمال-تدمر المؤدي إلى لبنان، بل بات الخوف اليوم من توسع سيطرة فصائل المعارضة المسلحة باتجاه دمشق، وسقوط نظام بشار الأسد بشكل دراماتيكي، أو وضع خطة للتغيير السياسي في دمشق”.
“الخاسر الأكبر”
ولا تعرف الحدود التي ستكون عليها هجمات الفصائل المسلحة في شمال سوريا ضد قوات النظام السوري، ومع ذلك يبدو أنها تسعى للسيطرة بشكل كامل على مدينة حماة، بعدما اتبعت ذات الإجراء قبل أسبوع بخصوص مدينة حلب.
ويبدو من طبيعة تحركها على الأرض، أنها تهدف للوصول إلى مدينة حمص، التي تقع وسط سوريا، وتمر منها طرق إمداد حزب الله بالسلاح، وفقا لما سلطت الضوء عليه سابقا وسائل إعلام محلية وأميركية وإسرائيلية.
في المقابل، تواصل “قسد” عمليتها العسكرية في ريف دير الزور، وتقول حتى الآن إنها تهدف إلى السيطرة على 7 قرى على الضفة الشرقية للفرات، تنتشر فيها قوات للنظام وميليشيات إيرانية. ورغم أن القوات الكردية لا تضع أهدافا أكثر لعملياتها، فإن تحركها بالقرب من البوكمال يثير تساؤلات عما ستكون عليه هذه المدينة خلال الأيام المقبلة.
وحسب الخبيرة كولوريوتيس، فإن “إيران ستكون الخاسر الأكبر مع سقوط الأسد عسكريا أو من خلال انتقال سياسي”.
واستطردت: “لن تقتصر الخسارة على نفوذها (طهران) في دمشق وعلى حدود إسرائيل في جنوب سوريا، بل ستتسع لتصل إلى لبنان، حيث يعاني حزب الله من استنزاف عسكري وبشري في ظل أزمة سياسية داخلية”.
وأكدت الخبيرة المتابعة لشؤون حزب الله وإيران والميليشيات التي تدعمها في المنطقة، أن “التغيير في دمشق سيعني تقليصا حتميا لنفوذ حزب الله العسكري والسياسي في لبنان”.
من جانبه، رأى الباحث السوري في الشأن الإيراني، ضياء قدور، أن “المؤشرات التي نشاهدها على الأرض لا تزال ضعيفة، على صعيد قطع الطريق البري الخاص بالحرس الثوري، والمار من سوريا”.
وأوضح الباحث لموقع “الحرة”: “لا قسد تنوي ذلك بعملياتها ضد القرى السبع، وفي المقابل لا يوحي تحرك فصائل المعارضة في الشمال السوري حتى الآن أنها بصدد إغلاق الطريق البري المار من البوكمال شرقا”.
لكن قدور اعتبر أن “ما كان مدهشا في الأيام التسعة الماضية، هو أن إيران وميليشياتها في سوريا أصابها الشلل الميداني”، كما باتت طهران “عاجزة عن الحشد الطائفي”.
ومن ناحية أخرى، أشار الباحث إلى أن “إيران كانت قد اعتمدت خلال العمليات العسكرية المتواصلة حتى الآن، على استخدام جزء كبير من جهودها العسكرية المرتبطة بالميليشيات المحلية”.
وتابع موضحا: “نتحدث هنا عن حزب الله السوري وما تبقى من فتات ميليشيا فاطميون”.
“إيران تفقد قواعد نفوذها”
ومنذ عام 2012، زج “الحرس الثوري” الإيراني بالكثير من الميليشيات على أرض سوريا، وبعدما حققت طهران هدفها مع موسكو بتثبيت الأسد على كرسي الحكم، اتجهت بعد ذلك إلى التوغل في قطاعات اقتصادية واجتماعية.
كما حجزت لها دورا كبيرا في المشهد السياسي الخاص بالبلاد، وطالما كان المسؤولون فيها يحضرون الاجتماعات المتعلقة بالتنسيق على الأرض مع بقية القوى الفاعلة الأخرى، ويجرون المحادثات بالتوازي كـ”طرف ضامن”، وفق ما تؤكده محطات مسار “أستانة”.
لكن الظروف التي وضعت فيها إيران أول موطئ قدم لها في سوريا قبل 12 عاما، تكاد تختلف بشكل جذري عن الوقت الحالي، رغم أن النظام السوري ما زال يؤكد أن وجودها في البلاد “شرعي”.
وفي هذا الصدد، أشارت كولوريوتيس إلى أن الفصائل المسلحة “تمكنت خلال الأيام الماضية بالتوازي مع توسع سيطرتها في محافظة حماة، من قطع طريق الرقة-حماة وطريق حلب-حماة”.
وشرحت تبعات ذلك بالقول: “نتحدث عن مناطق واسعة تضم مراكز نفوذ مهمة لقوات فيلق القدس الإيراني وحزب الله، بالإضافة إلى مستودعات أسلحة ومصانع دفاعية كانت بمثابة مخزون استراتيجي لحزب الله في لبنان، خاصة الواقعة في منطقة السفيرة بريف حلب، وفي بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين”.
وأعربت الخبيرة عن اعتقادها بأن “حزب الله وبناء على معطيات الميدان، فقد الأمل في إعادة التسلح من مستودعات نظام الأسد، مع زيادة احتياجات دمشق لهذه الذخائر والأسلحة”.
وبالعودة إلى ممرات تهريب الأسلحة عبر الحدود من إيران إلى لبنان، أوضحت كولوريوتيس أن “هناك 3 مناطق يجب مراقبتها في المرحلة المقبلة”.
وتابعت: “المنطقة الأولى هي البوكمال، التي تعد بوابة العبور من العراق إلى سوريا، والثانية هي تدمر، حيث يوجد طريق آمن في البادية السورية، أما الثالثة فهي القصير في ريف حمص الجنوبي، حيث يتمركز حزب الله ويمتد نفوذه في هذه المنطقة، وهي بوابة التهريب من سوريا إلى لبنان”.
ماذا عن البوكمال؟
بالنسبة للبوكمال، فإن العملية العسكرية التي أعلنها “مجلس دير الزور العسكري” التابع لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، تهدف للسيطرة على 7 بلدات شمال دير الزور، ولا تبدو أنها تحقق تقدما، حيث أصدرت القوات الكردية أوامرا بوقف هذه العملية، حسب الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط.
ومع ذلك، أوضحت أن “الحكومة العراقية لا يبدو أنها مستعدة للتدخل العسكري في سوريا، من خلال فتح معبر البوكمال أمام ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران”.
ويرتبط غياب الاستعداد بأن “هذا القرار يعود إلى الضغوط الأميركية لمنع تورط العراق في هذا التصعيد، بالإضافة إلى مخاوف إسرائيلية من أن دخول هذه الميليشيات إلى سوريا تحت ذريعة دعم الأسد، قد يؤثر سلبا على الهدوء في الجولان أو إنجازاتهم في لبنان ضد حزب الله”، وفقا لذات الخبيرة.
وبوجهة نظر الباحث قدور، فإن إيران “لم تفكر منذ بدء هجوم الفصائل في شمال سوريا، في تفعيل الخط البري المار من البوكمال لأسباب كثيرة”.
ومن بين هذه الأسباب، أن “المخاوف التي تتولد لدى الإيرانيين نتيجة هجوم حلب، تتطلب معالجة فورية، لذلك لا يقدم الطريق البري حلولا عاجلة”.
وأضاف الباحث أن “أغلب جهود إيران لدعم النظام السوري تتم عن طريق جوي يصل إلى قاعدة حميميم الروسية. هذه القاعدة أقرب إلى ساحة العمليات وفي متناول اليد”.
و”ليس من المستبعد أن تخسر إيران نفوذها الكلي في سوريا بناء على التغير الكبير لخرائط السيطرة في سوريا، ومن بينها الطريق البري الذي كان حلما لقائد الحرس الثوري، قاسم سليماني، الذي قتل بضربة أميركية في بغداد قبل 4 سنوات”، وفق قدور.
ورأت كولوريوتيس أن “الولايات المتحدة وإسرائيل تراقبان التحركات الميدانية في سوريا، للفصائل المسلحة من جهة، والتحركات الإيرانية من جهة أخرى”.
وبينما يساور حزب الله الشكوك حول اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، فإن خطر عودة الحرب لا يزال قائما.
ولذلك، قالت الخبيرة إن “حزب الله وإيران في حاجة ماسة للدعم من سوريا. الإسرائيليون يدركون ذلك، وأعتقد أن حكومة (رئيس الوزراء بنيامين) نتانياهو لن تسمح بأي حركة من الأراضي السورية لدعم حزب الله، كما ستعمل على عرقلة أي دعم قادم من العراق باتجاه لبنان”.