صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

«طرح الفيدرالية» على حساب «لبنان الرسالة» يتوسَّع مع انسداد الأُفق السياسيّ: أي مستقبل؟

بقلم : رلى موفّق - «ما عاد فينا نعيش معهم». جملة بات يرددها لبنانيون كثر يزداد اليأس لديهم في إمكانية التوصّل إلى تفاهم مع ثنائي «حزب الله – أمل» يُعيد الاعتبار إلى منطق الدولة والقانون والدستور. هذا الموقف من «الثنائي الشيعي» ينسحبُ بشكل تلقائي وغير واعٍ على بيئته، ولا سيما بعدما استحوذ على حصة طائفته في النيابة والوزارة وإدارات الدولة بشكل شبه كامل، ويحاول جاهداً القضاء على أي تنوُّع أو تميُّز ضمن طائفته.

تكمن المشكلة الرئيسية في القناعة التي تترسَّخ يوماً بعد يوم في عقول غالبية اللبنانيين من أنهم دفعوا ثمناً باهظاً، وما زالوا يدفعون، بفعل سلاح «حزب الله» الذي يُسيطر على مقدرات البلد وقراره ويُعطّل مؤسساته في محاولة دؤوبة لتغيير هوية لبنان وموقعه وثقافته وجعله جزءاً من المشروع الإيراني في المنطقة.
نزعت غالبية المكونات اللبنانية، المسيحية والسُّنية والدرزية، عن هذا السلاح صفة «السلاح المقاوم» وأدرجته في خانة سلاح الهيمنة، خصوصاً بعدما استدار نحو الداخل، وغزا بيروت (الغربية) في السابع من أيار/مايو 2008 والجبل في 11 منه، رافعاً «شعار السلاح لحماية السلاح». وهو «الغزو» الذي أسفر عن «اتفاق الدوحة» وأعطى «محور إيران» صراحة ومواربة «الثلث المعطّل» في السلطة التنفيذية. تنظر إليه غالبية المكوّنات على أنه الذراع العسكرية الأبرز للحرس الثوري الإيراني في المنطقة، بل ترى أن مشروعه العقائدي التابع لمرجعية الولي الفقيه هو نقيض الفكرة اللبنانية.

غطاء داخلي بطعم العسل

أمَّن «تفاهم مار مخايل» في شباط/فبراير 2006 بين «تيار ميشال عون» وحزب الله» غطاء مسيحياً كان يحتاجه، ولا سيما بعد جريمة اغتيال الزعيم السُّني رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005 والتي أحدثت انقساماً عمودياً في البلاد. يومها خرج «الثنائي الشيعي» مع حلفاء له في تظاهرة إلى ساحة رياض الصلح وسط بيروت في 8 آذار/مارس ليُطلق منها الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله صيحته «شكراً سوريا» فكان الرد في تظاهرة مقابلة في «ساحة الشهداء» في 14 آذار/مارس سمّيت بـ»انتفاضة الاستقلال» أو «ثورة الأرز» حيث نزل مئات آلاف اللبنانيين مطالبين بخروج الجيش السوري على خلفية اتهام النظام الأمني السوري – اللبناني بارتكاب «جريمة العصر». وهي الانتفاضة التي فاجأت الجميع في الداخل والخارج.
كان أن تحقق الانسحاب السوري في 26 نيسان/أبريل 2005 عقب 30 عاماً من دخوله إلى لبنان. بعد سنوات، أدانت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قادة وعناصر من «حزب الله» اتهموا بتنفيذ جريمة التفجير. رفض نصر الله الاتهام واضعاً المتهمين في مصاف القدّيسين، الذين لن يُسلَّموا ولو بعد 300 سنة!
على مدى 15 سنة، حمى «تفاهم مار مخايل» ظَهر «حزب الله» داخلياً، خصوصاً بعدما انخرط في الحرب السورية وتمدّد دوره العسكري على مستوى الإقليم. وقفَ «الحزبُ» خلف «التيار الوطني الحر» في ما سمي «معركة استعادة حقوق المسيحيين» تحت عنوان صحة التمثيل نيابياً ووزارياً وإدارياً. وعطَّل نصر الله الانتخابات الرئاسية سنتين ونصف السنة لإيصال ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، وهو ما حصل بموجب تسوية رئاسية أدخلت عون إلى قصر بعبدا وأعادت سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة في 2016 في لحظة دولية مؤاتية، وجرت على ضفافها مصالحة مسيحية – مسيحية بين عون ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع و«اتفاق معراب» بين الرجلين الذي تضمَّن دعم جعجع لعون في الرئاسة وحصر الحصة المسيحية بينهما في تكرار لمشهد «الثنائية الشيعية».
لم تُعمِّر التسوية الرئاسية طويلاً، وأدى التصاق عون بـ»حزب الله» وخروجه عن مسار الإجماع العربي والانخراط في حلف الأقليات وسياسة التوجّه شرقاً والمناكفة مع واشنطن إلى عزلة لبنان وغياب الدعم السياسي والاقتصادي له، وضربت «ثورة 17 تشرين» 2019 إسفيناً في نعش الطبقة السياسية قبل أن ينقضَّ «حزب الله» عليها ويعتبرها تآمراً خارجياً. وأضعف «الكباش» الصامت والمعلَن بين عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري – الرجل الأقوى في المنظومة – العهد، حيث كان «الرئيس القوي» يعملُ على تعبيد الطريق أمام صهره جبران باسيل للوصول إلى سدة الحكم بعد انتهاء ولايته الرئاسية رغم العقوبات الأمريكية على باسيل بموجب قانون ماغنيتسكي.

مرحلة رمادية أو استدارة

انتهى عهد عون على إخفاقات كبرى توَّجها انهيار مالي- نقدي – اقتصادي في البلاد فاقمه استشراء الفساد و«كوفيد 19» وانفجار مرفأ بيروت، لكن كل ذلك ما كان ليُفسد الودّ بين عون – باسيل و«حزب الله» لو أن «الثنائي الشيعي» لم يذهب إلى تبنّي سليمان فرنجية مرشحاً رئاسياً.
بات لبنان اليوم في مرحلة مختلفة. قد يكون من المبكر أو المبالغة القول إن هناك انقلاباً كاملاً في مشهد التحالفات. الأكيد أن ثمة شيئاً ما انكسر في العلاقة بين العونيين و«حزب الله» من دون أن يصل الجانبان إلى حد إعلان «الطلاق السياسي». ولكن في خضم «الكباش» الحاصل، وكلما تلبّدت الأجواء، يخرج باسيل «مطالباً بقيام اللامركزية الإدارية والمالية الموسّعة كنظام يحفظ وحدة لبنان ويحميه من أي تفكك ويُساعد على إنمائه بما يتلاءَم مع متطلبات مكوّناته المجتمعية». ليس فقط «التيار الوطني الحر» بل قوى مسيحية أخرى تلتقي مع هذا الطرح.
بند اللامركزية الإدارية نصَّ عليه «اتفاق الطائف» الموقَّع في 1989 ولا يزال حبراً على ورق، غير أنه لم يأتِ على ذكر اللامركزية المالية، لا بل أكد في مندرجاته أن الدولة اللبنانية دولة واحدة موحدة ذات سلطة مركزية قوية. ونصَّ على إعادة النظر في التقسيم الإداري بما يؤمِّن الانصهار الوطني ويضمن الحفاظ على العيش المشترك ووحدة الأرض والشعب والمؤسسات، وعلى اعتماد خطة إنمائية موحدة شاملة للبلاد قادرة على تطوير المناطق اللبنانية وتنميتها اقتصادياً واجتماعياً. وهو أشار إلى تعزيز موارد البلديات والبلديات الموحدة والاتحادات البلدية بالإمكانات المالية اللازمة في سياق تلك الخطة.
تأتي المطالبة باللامركزية الإدارية المعطوفة على اللامركزية المالية كطرح أخف وطأة من طروحات الفيدرالية التي تعلو أصواتها مع انسداد الأفق في البلاد. ويسود في خلفية المطالبات باللامركزية الإدارية والمالية الموسَّعة اقتناع سائد بأن مناطق معينة وشرائح اجتماعية ومكوّنات محددة تدفع الضرائب للدولة وتتحمّل عبء شرائح ومناطق ومكونات أخرى لا تدفع الضرائب وتستفيد من الطبابة والاستشفاء والتعليم والخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة، وتستنزف قطاع الكهرباء والمياه وسط غياب الجباية في مناطقها بفعل هيمنة السلاح. هناك إحصاءات تُظهر تفاوتاً كبيراً في حجم جباية الضرائب والرسوم بين المناطق والطوائف، وتتحدث عن أن سبعين في المئة من المسلمين يستفيدون من تلك الضرائب في مقابل 30 في المئة من المسيحيين، وهو اختلال كبير.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

المطلب الحاضر الغائب

في واقع الأمر، المطالبة بالفيديرالية ليست جديدة، إنما تعود إلى زمن الحرب اللبنانية، حيث طرحتِ الأحزابُ المسيحية وقتها الفيدرالية كنظام حكم، وتمّت ممارستها كأمر واقع من قِبل مختلف الميليشيات سواء المسيحية أو الإسلامية كلّ في مناطق سيطرته. تركت الحرب ندوبها، إذ لم تلجأ الدولة إلى إرساءِ مصالحة حقيقية، ولا جرى صفح شعبي عن الفظائع التي مورست بحقّه، ولا جرت محاسبة ولا تنقية للذاكرة الجماعية.
كان يُفترض باتفاق الطائف أن يُشكِّل جسر عبور من مرحلة الحرب إلى مرحلة السلم وسط تطورات داخلية وإقليمية ودولية سمحت بإنهاء 15 سنة من الحرب، لكن رفض رئيس الحكومة العسكرية قائد الجيش ميشال عون الاعتراف بالاتفاق وبالسلطة الشرعية التي انبثقت عنه باعتراف دولي جعله متمرّداً. ولم ينتهِ هذا الوضع إلا بسقوط القصر الجمهوري والإطاحة به في 13 تشرين الأول 1990، مختتماً فصلاً من حياته لاجئاً إلى السفارة الفرنسية ومنها منفياً إلى باريس بموجب تسوية. وجاءت التطوّرات الإقليمية بعد غزو صدام حسين للكويت ومشاركة سوريا في «تحالف تحرير الكويت» لتستبدل نسخة «الطائف العربي» بنسخة «الطائف السوري» الذي ما زال لبنان يعيش في مفاعليه. وهذا ما يدفع المدافعين عن الطائف، وفي مقدمهم بكركي التي غطَّت الاتفاق، للمطالبة بـ»تطبيق الطائف» أولاً للحكم عليه قبل الدعوة إلى تعديله، أو البحث عن صيغة جديدة للنظام.

الشوط الأخير

ثمة تباين حول طروحات الفيديرالية في الوسط المسيحي ذاته. ليست المرجعية المارونية متحمسة لمثل هذه الطروحات في لبنان الذي خصّته الكنيسة الكاثوليكية بسينودس كامل عام 1995 وبإرشاد رسولي. وقال البابا بولس الثاني في رسالة بابوية إلى الأساقفة الكاثوليك في 7 أيلول/سبتمبر: إن «لبنان هو أكثر من بلد: إنه رسالة حرية وعيش مشترك للشرق والغرب».
حتى «القوات اللبنانية» التي دعمت الطائف لم تغادره بعد، وإن كان قائدها يعتبر أن الحديث عن الفيدرالية ليس من الممنوعات لكن السير بها يتطلب موافقة جميع الأفرقاء. حين رفع سقف كلامه عن «خيارات أخرى» تتعلّق بإعادة النظر في أُسس النظام، ربطها بإصرار «حزب الله» على فرض رئيس على البلاد وعلى المسيحيين. تعتبر «القوات» أن ما عاد بالإمكان ترك «حزب الله» يَتَسلْـبَط على اللبنانيين، و«الله يوفّقو مَطرح ما هو بَسْ ما بقا فِينا نكمّل هيك».
كان رهان «حزب الله» على استحالة الاتفاق بين باسيل وجعجع على مرشح رئاسي، ولا سيما بعدما تعمَّقت حالة عدم الثقة بين الرجلين، لكن الوحدة المسيحية فاجأته، وأربكه الاتفاق على المرشح جهاد أزعور كمرشح تقاطع. ليس سهلاً على «الحزب»، الذي تعامل أمينه العام مع لبنان واللبنانيين كأنه مرشد للجمهورية ومرشدهم، أن يتقبَّل نتائج جلسة 14 حزيران/يونيو التي انعقدت لتكون جلسة تحديد أحجام.

لا رئيس بإرادة نصرالله

لم يكن «الثنائي» راغباً في خوض هذا الامتحان لولا التهديد بفرض عقوبات على بري إن لم يدع إلى الجلسة. فما بعد جلسة 14 حزيران/يونيو ليس كما قبلها. ولن يكون «الثنائي» قادراً على إيصال فرنجية من دون أن يصطف إلى جانب إحدى الكتل المسيحية الكبيرة، وتحديداً الكتلة العونية، وهذا بالنسبة إلى باسيل بات انتحاراً سياسياً. ما ذهب الرجل بعيداً في مواجهة قرار «الحزب» كي يعود ثانية ويسير بفرنجية. وهو إذا فعل ذلك، فستكون قوى المعارضة، ولا سيما «القوات» و«الكتائب» و«مستقلون» و«تغييريون» في المرصاد، ولو اقتضى الأمر تعطيل الجلسة بعدم تأمين النصاب، ذلك أنها أضحت على يقين تام بأن الشغور الرئاسي يبقى أفضل من رئيس من صلب «المحور السوري – الإيراني»، ولن يتخلوا عن معركة إسقاط هيمنة «حزب الله» ومن خلفه إيران على قرار الرئاسة. ويتحضرون لكل «السيناريوهات» التي قد تنتج عن توافقات إقليمية – دولية في ظل التقارب الإيراني – السعودي الحاصل أو الحديث عن إمكانية اتفاق أمريكي – إيراني جديد.

الامتحان الأصعب

بات يتحكّم بلبنان مشهد مواجهة يأخذ منحى طائفياً شديد الاستعار على المستوى السياسي بين المكونين المسيحي والشيعي الذي ينظر إلى طروحات الفيدرالية واللامركزية الموسّعة على أنها طروحات إسرائيلية أمريكية تفتيتية. طروحات التخوين سهلة، في وقت بات لبنانيون كثر يسألون تحالف الميليشيا – المافيا: ماذا لديكم لتقدموه لنا بعدما سلبتم منّا ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا؟ يريدون أن يكون لبنان الرسالة والعيش المشترك ولكن ليس على حساب حريتهم وكرامتهم وعيشهم الكريم.
إنه الامتحان الصعب والأخطر الذي يمرّ به لبنان في ظل انسداد الأفق السياسي لمستقبله وكيفية الخلاص من هيمنة السلاح واستعادة الدولة من الدويلة. الامتحان الأصعب بين الذهاب إلى الأقاليم والفيدراليات أو العودة إلى مفهوم «لبنان الرسالة» ومدخله العودة إلى الدستور والقانون وتنفيذ «اتفاق الطائف»، فالحوار بهدف تكريس مكتسبات لهذا الفريق وخسائر لذلك الفريق لن يُفضي إلا إلى نزاعات أهلية جديدة طال الزمن أو قصر.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading