أنهى مبعوث الرئيس الفرنسي جان إيف لودريان الجمعة زيارة استمرت يومين إلى لبنان في مسعى لتفكيك الأزمة السياسية دون تحقيق أي اختراق، فيما يؤكد محللون أن الحراك الفرنسي لتسهيل انتخاب رئيس جديد للبنان لن ينجح ما لم تتمكن باريس من إقناع الرياض بدعم أي حلول وسط محتملة.
وتعتبر مصادر سياسية أنه من الممكن الحديث عن أن باريس، بوصفها الأكثر قدرة على التحاور مع مختلف الأفرقاء، نظراً إلى أنها الدولة الغربية الوحيدة التي لديها قنوات اتصال مباشرة مع حزب الله، يمكن لها أن تلعب دور المسهّل، لكن في المقابل نجاحها يتطلب تعاون مختلف الأفرقاء معها، سواء كانوا محليين أو خارجيين، الأمر الذي لا يزال يحتاج إلى المزيد من البحث، طالما لم تظهر أيّ مؤشرات على اقتناعهم بالذهاب إلى تقديم تنازلات نوعية.
ويقول محللون إن الدور الفرنسي هو الدور الوحيد الذي بقي فاعلا، بينما تنسحب الأطراف الأخرى مثل الولايات المتحدة والسعودية إلى خلفية المسرح، لأن كلا منها يعرف سلفا أن الشروخ بين الأطراف المتصارعة أكبر من أن تردم.
وتريد الولايات المتحدة إبعاد حزب الله عن دائرة صنع القرار الاقتصادي على الأقل، وتعرف أنها لا تستطيع ذلك. والسعودية تريد أن تنأى بنفسها عن الخوض في مواجهة تؤدي إلى تجديد الصدام مع حزب الله، ما قد يؤثر على التطبيع الناشئ مع إيران.
ولا يخفي السعوديون اقتناعهم بأن ملف لبنان لم يعد يعنيهم، خاصة في ظل تطبيع مختلف القوى اللبنانية مع سيطرة حزب الله على الوضع الداخلي، وصمتهم على تزايد النفوذ الإيراني وتحكّمه في مستقبل البلد منذ التسوية التي أدت إلى صعود ميشال عون إلى سدة الحكم، وبعد أن تبيّن أن وصول عون إلى الرئاسة بدعم حزب الله لم يكن تسوية مرحلية، بل حصة سياسية لإيران؛ إذ صارت منذ ذلك الحين تتصرف على أساس أن الرئاسة لها ولحلفائها.
وتريد فرنسا أن تحافظ على نفوذها التاريخي في لبنان وتسعى لأن تبدو في صورة الجهة التي تحوز ثقة الجميع بمن في ذلك حزب الله ومن ورائه إيران، لكنها غير قادرة على تقديم المساعدات بالحجم الذي يطلبه اللبنانيون، ولذلك تسعى في كل مرة لإقناع الرياض بالعودة إلى لبنان كدولة مانحة.
ويتعامل السعوديون بحذر مع دعوات فرنسا للتعاون معها في الملف اللبناني وتجاوبوا معها بالحد الأدنى. ويقول المحلل السعودي علي الشهابي “لبنان ليس على قمة أولويات الرياض”.
ولا يزال الموقف السعودي من العودة إلى دعم لبنان اقتصاديا وماليا رهين التحركات السياسية في الداخل اللبناني لجهة تبديد تحفظات المملكة التي ظل السياسيون اللبنانيون ينظرون إليها على أنها داعم مالي دون التقيد بالتزاماتهم تجاهها، وهو ما لم يعد ينسجم مع إستراتيجيات الرياض الجديدة في المنطقة.
وتقول أوساط سياسية لبنانية إنه بالنظر إلى تاريخ العلاقات بين السعودية ولبنان، فإن الرياض هي الأكثر قدرة من بين دول الخليج على دعم لبنان ومساعدته في الخروج من أزماته.
وبذلت الرياض كل ما في وسعها على مدى سنوات لدعم لبنان وحث الفرقاء على منع ارتهانه إلى أيّ جهة خارجية، لكن اللبنانيين ظلوا ينظرون إلى المملكة كجهة مهمتها ضخ الأموال وتحريك الاقتصاد والسياحة دون أيّ التزام سياسي تجاهها، وهو خيار لم يعد يتماشى مع سياستها الجديدة.
وقدّمت المملكة المليارات من الدولارات في سبيل إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية (1975 – 1990)، لكنّها بدت في السنوات الماضية غاضبة جراء فشل القادة السياسيين في كبح جماح حزب الله المسلّح والنافذ والمدعوم من إيران.
وكانت السعودية يوما من الدول المانحة السخية للبنان، لكن العلاقات توترت لسنوات بسبب تنامي نفوذ جماعة حزب الله المدعومة من إيران.
وترى السعودية المناهضة للمشروع الإيراني في المنطقة أن حزب الله، الحليف الأهم لطهران ، يهيمن على مراكز القرار في الدولة اللبنانية التي باتت مؤسساتها، بما فيها الأمنية، مهمشة وخاضعة له.
ولذلك تعتبر الرياض أن أيّ دعم يمكن تقديمه للدولة اللبنانية سيسهم في تقوية حزب الله وتعزيز النفوذ الإيراني في لبنان بشكل أكبر.
ومطلع يونيو الجاري، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان موفدا خاصا إلى لبنان، في محاولة جديدة لإنهاء الأزمة السياسية في البلد العربي، حسبما أعلنت الرئاسة الفرنسية.
والتقى لودريان في بيروت رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، والبطريرك الماروني بشارة الراعي، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية، ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
وجاءت زيارة لودريان بعد فشل البرلمان اللبناني في 12 جلسة منذ سبتمبر 2022، كان آخرها بتاريخ 14 يونيو الجاري، في انتخاب رئيس جديد للبلاد خلفا لميشال عون الذي انتهت ولايته في 31 أكتوبر 2022.
وانحصرت المنافسة الرئيسية بين مرشح المعارضة وأغلب القوى المسيحية والحزب التقدمي الاشتراكي وآخرين جهاد أزعور، ومرشح الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل وحلفائهما سليمان فرنجية.
وفي آخر جلسة للبرلمان، حصل أزعور على 59 صوتا، مقابل 51 نالها فرنجية، وتوزعت بقية الأصوات على مرشحين آخرين.
واجتمع فرنجية مع مسؤولين فرنسيين بباريس في مارس، في زيارة نظر إليها الكثيرون في لبنان على أنها تزكية له، غير أن فرنسا لم تعلن دعمها لأيّ مرشح ويوجد آخرون من الطائفة المارونية في الصورة.
وتدعو مصادر سياسية إلى انتظار ما لدى لودريان، الأمر الذي لن يتأخر في الظهور علناً، لكنها في المقابل تشدّد على أن الحسم في مكان آخر، حيث الأدوار الأبرز هي لكل من إيران والسعودية والولايات المتحدة، وبالتالي أيّ حل من المفترض أن يأتي بمباركة الدول الثلاث بالدرجة الأولى.
ومنذ أشهر، تدير البلاد حكومة تصريف أعمال عاجزة عن اتخاذ قرارات ضرورية فيما يشترط المجتمع الدولي إصلاحات ملحة من أجل تقديم دعم مالي يساعد لبنان على النهوض من مأزقه الاقتصادي المزمن.