وحاليا، يعيش لبنان حالة حرب غير معلنة رسمياً في خضم مناوشات تجري على الحدود بين “حزب الله” وإسرائيل، واصرار الحزب، كما يقول مراقبون، على إدخال لبنان في أتون الصراعات تحت شعار “وحدة الساحات”.
ويخيم الخوف على اللبنانيين، خصوصاً أن النتائج التي خلفتها حرب 2006 بين “حزب الله” وإسرائيل والدمار الناجم عنها، لا تزال ماثلة أمام أعينهم.
حينها كان لبنان في وضع اقتصادي مستقر، ويحظى بعلاقات خارجية جيدة، ومع ذلك أثقلت الحرب كاهله، ما يجعل مراقبين يتساءلون عما قد تكون عليه فاتورة حرب محتملة في ظل أوضاع اقتصادية متدهورة ودبلوماسية مترنحة إقليميا ودوليا.
خطة طوارئ
تحسبا لأي تصعيد محتمل، وضعت الحكومة اللبنانية خطة طوارئ تحاكي الأوضاع في حال نشوب حرب، وتم خلالها تقسيم لبنان جغرافياً إلى ثلاث مناطق.
الأولى تشمل المناطق التي قد تكون عرضةً للاستهداف وتضم الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت وبعلبك – الهرمل.
والثانية مناطق الدعم الإغاثي في بيروت وصور وصيدا والبقاعين الأوسط والغربي.
وثالثا مناطق استقبال النازحين، وتضمّ الشوف وعالية ومناطق الشمال، إضافة إلى بيروت وصيدا.
وطلبت الحكومة من كل وزارة تحديد احتياجاتها لتُصبِح أكثر جاهزية، ومن هيئات الأمم المتحدة وضع خطط استجابة.
وأعلن وزير الصحة فراس أبيض، أن خطة وزارته تركز على أمرين: أولا التأكد من جاهزية القطاع الصحي لمعالجة الإصابات والجرحى في حال حصول تصعيد، وذلك لدى القطاع الاستشفائي وقطاع نقل المرضى وبنوك الدم.
وثانيا كيفية تأمين استمرارية الخدمات الصحية وخدمات الرعاية من علاجات وأدوية ولقاحات وغيرها في حال حصلت حركة نزوح كبيرة على غرار ما حصل خلال حرب يوليو/تموز 2006.
وأشار الأبيض إلى أن الهدف الرئيسي هو البحث عن تمويل لهذه الأعمال في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يشهدها لبنان، بدءا بفتح اعتمادات خاصة لوزارة الصحة العامة لعلاج الجرحى، وصولا إلى مواصلة الاتصالات مع الجهات الأخرى مثل البنك الدولي لتأمين التمويل المطلوب.
غير قابلة للتنفيذ
لكن حديث الحكومة عن خطة طوارئ وإجراءات تظل بمدار الشكوك لدى عدد كبير من اللبنانيين، خصوصاً من ناحية التمويل والاستجابة للحاجات، ما دفع لجنة المال والموازنة في البرلمان اللبناني، الإثنين، للسؤال عن جدوى هذه الخطة وكيفية تمويلها.
كما دعت مصرف لبنان إلى جلسة مقبلة للاطلاع على الأثر المالي والنقدي للإجراءات التي تقوم بها الحكومة في حال تدهور الأوضاع.
وفي هذا الإطار، اعتبر رئيس لجنة الأشغال النيابية، النائب سجيع عطية، أن هذه الخطة “نفسية وهمية ليس لها أية إمكانية للنجاح”، معتبرا أنها «خطة أماني غير قابلة للتنفيذ».
وفي تصريح لـ”العين الاخبارية”، أشار عطية إلى انهيار مبنى في شرق بيروت منذ أيام ولم تنجح فرق الإنقاذ من انتشال أي حيّ من تحت الأنقاض بعد 8 أيام من العمل، نتيجة ضعف الإمكانيات وعدم توفر السيولة.
وقال “ليس لدينا كدولة إمكانية لمواجهة الأزمات”، مضيفاً أن “توزيع مياه الشرب على السكان خاضع للقيود بشكل كبير لأن الدولة غير قادرة على دفع ثمن المازوت في زمن السلم”، متسائلا عما قد يكون عليه الأمر “زمن الحرب والحصار”.
وتابع “خلال حرب (يوليو) تموز في عام 2006 كانت العلاقات مختلفة مع الدول العربية والغربية وجميعها تضامنت مع لبنان، أما اليوم فالأمر مختلف”.
وشكك عطية في إمكانية تنفيذ أية خطة للطوارئ في غياب التمويل، مشيراً إلى “وجود إشكالية في توفير القمح وتأمين الدواء المؤمن للناس منذ أشهر فكيف إذا اندلعت حرب”.
غياب التمويل
من جهته، اعتبر نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان، سليمان هارون، أنه “في حال وقوع حرب فإن جاهزيتنا تبقى نسبية بمواجهة العمليات العسكرية المحتملة”.
ويقول هارون، في تصريح لـ”العين الإخبارية”، إن “المستشفيات الخاصة انطلقت مما جرى في حرب تموز 2006، واعتبرت أن ما سيحدث أكبر قليلا وعلى هذا الأساس بنت خططها”.
وأضاف: “لكن إذا توسعت الحرب كما يحدث في غزة فسنكون في وضع مختلف لكن إذا بقيت كما حدث في عام 2006، فهناك جاهزية مقبولة”.
وتابع موضحا: “ستكون هناك مستشفيات كبيرة ومتوسطة الحجم لاستقبال المرضى والجرحى في كل مناطق لبنان، لكن تبقى المشكلة الأساسية هي التمويل وهذا ما لفتنا إليه نظر وزير الصحة بالحث على تأمين طريق للتمويل، لكن حتى الساعة لا حلول”.
ولفت إلى أن “الاستعداد للحرب موجود وسنفعل ما بإمكاننا فعله، وعلى الدولة تأمين ما عليها، وخصوصاً أن هناك مستلزمات طبية لابد من شرائها من الخارج والدفع فوراً”.
وقال: “ليس بإمكان جميع المستشفيات تحمل هذا العبء، لأن عددا منها يؤمن مستلزماته كل يوم بيومه ولن تتحمل صدمات كبيرة كحرب وعددا كبيرا من الجرحى”.
وبخصوص الكادر الطبي الذي تضرر بالهجرة الكبيرة جراء الأزمة الاقتصادية، رأى هارون أنه «إذا بقيت الحرب ضمن ما شهدناه في 2006 فيمكن تمرير المرحلة، ولكن إذا تطورت وأصبحت شبيهة بما يحدث في غزة، فسيصبح الأمر مستحيلاً».
وختم بالقول إن “الخطة جاهزة وإذا وقعت الحرب سنلبي، ويبقى في المرحلة اللاحقة تأمين التمويل، حتى لا يحدث ما جرى بعد انفجار مرفأ بيروت عام 2020، فهناك مستحقات منذ ذلك الحين لم تدفع، وحتى الساعة لا جواب”.
«انتظار قاتل»
أما رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، شارل عربيد، فيقول، إن بلاده “تعاني من اقتصاد مأزوم ينتقل إلى اقتصاد حرب”، مشيرا إلى أن “الحكومة تقوم بإعداد خطط قدر المستطاع للتعامل مع تداعيات أي حرب قد تقع”.
وأوضح عربيد، لـ”العين الإخبارية”، أن “هذا لا يعني أننا لسنا في وضع صعب والإمكانيات مفقودة وواقع المؤسسات والشعب سيء”.
وتحدث عربيد عن “الانتظار القاتل الذي يعيشه اللبنانيون خوفا من احتمال وقوع حرب، ما يفاقم الضغوط على الواقع الاقتصادي والاجتماعي”.
واختتم حديثه “لدينا الكثير من الهموم الكبيرة منها التموين والأجور في القطاعين الخاص والعام، ويمكن أن يتم تأمينها في وقتها رغم ضعف الإمكانيات إضافة إلى موضوع ثبات النقد”، مشددا على “ضرورة أن يكون للقطاعات الإنتاجية حالة تشاركية في هذا الموضوع”.