صدى الارز

كل الأخبار
مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

شاهدوا الحلقة السادسة و الأخيرة من ملفات الحرب اللبنانية .. قصة باخرة الأكوامارينا

بقلم : نبيل يوسف - عصراً، عقدت قمة عرمون اجتماعاً خصص لبحث ما أسماه المجتمعون تداعيات باخرة السلاح، وخلال الاجتماع أجرى المفتي خالد اتصالاً جديداً بالبطريرك خريش أطلعه خلاله على النتائج السلبية التي قد تسفر عنها نتائج افراغ شحنة الأسلحة طالباً من البطريركية المارونية اتخاذ موقف.

بعد الاتصال دعا البطريرك خريش البطاركة والمطارنة الكاثوليك إلى اجتماع عاجل في بكركي شارك فيه من استطاع الوصول، جرت خلاله مناقشة صريحة للوضع الراهن، وفي نهاية الاجتماع صدر بيان دعا إلى إلقاء السلاح نهائياً واستئناف الحوار البنّاء بصدق واخلاص، وطالب الدولة بممارسة سلطتها على كل الفرقاء وفي كل أنحاء لبنان لتطويق ذيول الكارثة.

ثم وصل الشيخ بيار الجميل وعقد اجتماعاً مطولاً مع البطريرك خريش خرج بعده وأدلى بتصريح أعلن فيه أن البحث تناول الوضع الراهن وأكّد أنه يعمل كل جهده للمحافظة على الهدوء. وفيما خص باخرة الأكوامارينا إستغرب رئيس الكتائب مجدداً الضجة التي قامت وتساءل لماذا لم تقم هذه الضجة عندما أفرغت بواخر الأسلحة حمولتها بوضح النهار وأمام أعين الجميع في صيدا والزهراني والكرنتينا؟، ووصف الرئيس كرامي بأنه رجل أخلاق وسياسة ويعرف أن العدل أساس الملك ودعاه إلى تطبيق هذا العدل على الجميع.

أما الرئيس شمعون فكان أكثر صراحة، فأدلى مساءً بتصريح قال فيه أنها ليست باخرة السلاح الأولى التي تصل إلى لبنان، فقد وصلت شحنات من الأسلحة إلى صيدا وطرابلس، وتساءل كيف يرى رئيس الحكومة باخرة الأكوامارينا ولا يرى باقي السفن والبواخر؟.

تصريحا الرئيس شمعون والشيخ بيار الجميل أزّما الوضع أكثر فأكثر، فالرئيس كرامي الذي كان يجتمع مع بعض الوزراء في محاولة لايجاد حل للأزمة، ولم يكن صدر تصريح الرئيس شمعون، أعلن بعد سماعه التصريح تصعيد اعتكافه، وبدأ يتحاشى الاتصالات الرسمية وإعطاء التعليمات، وكذلك المواعيد، وحتى تلك ذات الطابع الملح.

كل هذا التصعيد السياسي لم يوقف العمل على تفريغ السلاح لحظة واحدة، بل تم تكثيف عمليات التفريغ، خاصة وأنه لم يعد في الباخرة سوى كمية قليلة من الصناديق.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

مع أول ساعات فجر 9 تشرين الثاني تم الانتهاء من تفريغ باخرة السلاح، التي أقلعت باتجاه المياه الدولية، فيما دخلت الباخرة الصغيرة إلى مرفأ الأكوامارينا لافراغ حمولتها.

أما الرئيس كرامي فقطع كل ما قيل حول اعتكافه في صوفر وأعلن أنه أراد فرصة للتأمل في وضع الدولة وأجهزتها، خصوصاً بعدما كشفت حادثة باخرة السلاح أن هناك خللاً في الدولة يمنعها من ممارسة دورها ويشل بالتالي حركة أجهزتها، وأكد أنه في صدد إعادة النظر في أوضاع الدولة وقدراتها لمعالجة كل هذه القضايا ورسم الخطة اللازمة للنهوض بالبلاد.

وكان للزعيم كمال جنبلاط موقفاً تصعيدياً، فبعد اجتماع الحزب التقدمي الاشتراكي أدلى بتصريح جاء فيه: ان باخرة الأسلحة في منطقة الأكوامارينا في جونيه، قد أفرغت حمولتها وبينها 20 مدفعاً عيار 120 ملم، و17 مدفعاً عيار 82 ملم، و37 ألف قنبلة هاون. وأنهم استوردوا قنابل من جديد ليقصفوا بها أحياء الوطنيين وبيوت المسلمين. وأعلن أن النية سيئة جداً لدى الطرف الآخر، وأصحاب صفقة الأسلحة هم طوني فرنجية وما يرمز اليه، وحزب الوطنيين الأحرار، وزمرة الرهبانيات أي تنظيم شربل قسيس وجماعته. وكان اللافت في تصريحه تحييد حزب الكتائب وعدم اتهامه بالمشاركة في صفقة الأسلحة.

رغم التصعيد السياسي الذي رافق افراغ باخرة الأكوامارينا، عرفت البلاد انفراجاً ملحوظاً، فضلاً عن أن لجنة التنسيق العليا التي حاول البعض على أثر حادث الباخرة إلقاء الشك في امكان استمرارها في ظل الاعتكاف، استمرت اجتماعاتها مفتوحة في مقر المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، وعقدت عدة اجتماعات برئاسة مدير عام قوى الأمن الداخلي عالجت خلالها عدة أحداث أمنية طارئة، خاصة بعض عمليات الخطف.

مساء، وبعد أن تبلغ الجميع أن باخرة السلاح غادرت الشواطئ اللبنانية، بدأ البحث الجدي بتهدئة الوضع، وأدلى الرئيس كرامي بتصريح شدد فيه على تطبيق القانون على الجميع ومكافحة السلاح أينما وجد، وأضاف أن التسلح لا يمكن أن يكون العلاج لوضع البلد.

تصريح رئيس الحكومة فسّره المراقبون بأنه الخطوة الأولى لتبريد الأجواء، خاصة وأن البلاد تنتظر زيارة المبعوث البابوي الكاردينال برتولي، وفسّر البعض محاولة اعتكاف رئيس الحكومة وعدم انعقاد مجلس الوزراء بأن الأجواء لم تكن مهيأة بعد وكان يخشى أن تعكر ذيول حادثة الباخرة الصفاء السياسي المطلوب للبحث في خطة مواجهة ما بعد الحوادث.

ليلاً نشطت الاتصالات بين قصر بعبدا ومقر رئيس الحكومة في صوفر وشارك فيها الوزراء: الرئيس عادل عسيران والامير مجيد ارسلان وغسان تويني وبعض النواب لا سيما النواب خاتيشك بابكيان ورينيه معوض وبطرس حرب، تركزت على التمهيد لعقد جلسة قريبة لمجلس الوزراء.

ظهر 10 تشرين الثاني غادر جميع المقاتلين ساحل كسروان، وتوجه معظمهم إلى قراهم والأديرة والمستودعات التي وضعت فيها الأسلحة والذخائر وبدأوا العمل على فرز وتوضيب الصناديق.

سياسياً، لوحظ عدم التحدث في قضية الباخرة مباشرة، فبعد اجتماع عقدته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وقادة الأحزاب الوطنية صدر بيان لم يتطرق إلى باخرة الأكوامارينا، بل هاجم الشعبة الثانية في الجيش اللبناني ورئيسها العقيد جول البستاني، واتهموا الشعبة بممارسة لعبة التخريب والدمار، وأنها هي الفريق الثالث وهي وراء كل الحوادث التي شهدها لبنان منذ محاولة اغتيال معروف سعد في شباط الماضي، واتهمها البيان الشعبة الثانية بتسليح المقاتلين الانعزاليين وتحريض الرهبان وتخويفهم ودفعهم إلى فتح الأديرة وتحويلها إلى ترسانات للسلاح ومراكز للتدريب.

أما الرئيس كرامي فاستقبل قبل الظهر في صوفر الامام موسى الصدر الذي أعلن أن هذا الأسبوع سيكون الأسبوع الحاسم في الأزمة اللبنانية، فيما غادر رئيس الحكومة إلى السراي الحكومي للتحضير لزيارة المبعوث البابوي منهياً اعتكافه.

انتهت قصة باخرة السلاح التي عرفت بباخرة الأكوامارينا، وانشغل المسؤولين والمواطنين بتطور الأوضاع الأمنية التي راحت تتدهور يوماً بعد يوم، وعنفت المعارك على جميع الجبهات واستعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة، ولعب السلاح الذي أحضرته باخرة الأكوامارينا دورا هاماً في الدفاع عن القرى والبلدات المسيحية.

أمنت باخرة الأكوامارينا صمود الجبهات حتى شهر آذار 1976 حين بدأت الذخائر بالنفاذ، ولم يتمكن أي من التجار من عقد صفقة جديدة، فقد سدت جميع الطرق في وجههم.
أصبح أمام الجبهة اللبنانية حل أصعب من الآخر: الاستسلام أو التواصل مع الشيطان.

ليل 27 آذار 1976 ركب الأستاذ جوزف أبو خليل الزورق ووجهته ميناء حيفا في أول اتصال ما بين الجبهة اللبنانية واسرائيل، وكان الهدف: السلاح والذخائر.
لاقى الأستاذ أبو خليل استقبالاً حاراً: كنا ناطرينكم.

رد عليهم: جينا والسكين على رقبتنا هلق ما فيي أوعدكم بشي بدنا نعيش لاحقاً نبحث كل الأمور.

قالوا له: لن تسقط مناطقكم

فيما الأستاذ أبو خليل ما زال في اسرائيل كانت البواخر الاسرائيلية تقف قبالة شاطىء كسروان وبدأت افراغ الأسلحة والذخائر

من أخبار الباخرة

1- من كان متواجداً خلال تفريع شحنة الأسلحة؟.

سؤال طرح على مسؤول عسكري سابق بقي طوال فترة تفريغ الشحنة في الأكوامارينا، فأجاب: طبعاً الرئيس شمعون والشيخ بيار الجميل لم يحضرا إلى الأكوامارينا، حتى الشيخ بشير الجميل لم أشاهده، لكنه كان يتصل بمعدل مرة كل ساعة لمعرفة الوضع، ولتوجيه الشاحنات إلى أماكن محددة. كما إتصل الشيخ أمين الجميل عدة مرات بهدف توجيه بعض الشاحنات. داني شمعون زار الأكوامارينا أكثر من مرة، وكان ينسّق سير معظم الشاحنات، وكذلك الأباتي شربل قسيس كان يتردد يومياً تقريباً، ودائماً كان يتواجد بعض الرهبان الذين كانوا يحضرون وهم محمّلون بالمآكل والحلويات والمرطبات التي يوزعونها على المقاتلين والعمال، كما حضر النائب طوني فرنجية عدة مرات، وأيضاً الأب سمعان الدويهي وهنري صفير وسليم كرم، وشاهدت عدة نواب مسيحيين وقادة تنظيمات مسيحية يأتون ويأخذون كميات من الأسلحة إلى مناطقهم المهددة من قبل الفلسطينيين، أما النائب جبران طوق وباقي أعضاء لجنة التسلح فنادراً ما تركوا الأكوامارينا، كما حضر بعض ضباط الجيش اللبناني ولكن بصورة سرية خاصة في الليل لمعرفة المراحل التي قطعتها عملية التفريغ.

2- كيف افتضح أمر الباخرة؟.

رد المسؤول العسكري السابق: لم يكن هناك من مجال لابقاء الأمر سرياً، فالباخرة كبيرة جداً ووقوفها لنحو عشرة أيام قبالة الشاطئ سيلفت الانتباه، ومن ثم حركة الزوارق التي تغادر موانئ ساحل كسروان إلى الباخرة بصورة شبه مستمرة، ومغادرة مرفأ الأكوامارينا أكثر من 30 – 40 شاحنة يومياً محملة بالأسلحة ترافقها سيارات تقل مسلحين، إضافة إلى مشاركة مئات العمال والمقاتلين في نقل الصناديق وحماية عملية التفريغ. كل هذا لا يمكن أن يبقي الأمر سرياً. ومن ثم كان معظم المشاركين ينقلون إلى أهلهم ومعارفهم أخبار الباخرة لزيادة المعنويات لدى الشعب المسيحي.

3- لماذا انتظر الرئيس كرامي عدة أيام حتى فضح الباخرة؟.

على هذا السؤال رد قيادي مسيحي قائلا: كان الرئيس كرامي يعرف بأمر الباخرة من أول أو ثاني يوم رست فيه قبالة شاطئ الأكوامارينا ولم يكن يريد فضحها، ولكن ياسر عرفات وقادة الأحزاب اليسارية حشروه كثيراً ولم يعد يستطيع السكوت. ولتأكيد كلامه يخبر القيادي المسيحي أنه سنة 1985 زار الرئيس كرامي العاصمة الفرنسية، وأقام على شرفه السفير اللبناني الأمير فاروق أبي اللمع حفل استقبال دعا اليه القيادات والشخصيات اللبنانية المتواجدة يومها في باريس.

خلال الحفل، التقى الرئيس كرامي براهب لبناني لعب دوراً مهماً خلال تفريغ الباخرة، وعندما عرّف الأمير أبي اللمع الرئيس كرامي بالراهب، شعر الراهب أن إسمه عنا شيئاً لرئيس الحكومة، فقال له: “اسمي ذكّرك بقضية باخرة الأكوامارينا”، فأبدى الرئيس كرامي موافقته.

هنا دار حديث بين الرئيس كرامي والراهب اللبناني حول الحرب اللبنانية وقضية التسلح، ومما قاله الراهب للرئيس كرامي: “دولة الرئيس كنا مهددين وندافع عن وجودنا وأرضنا، ولم يكن لنا خيار آخر، فالاستسلام ممنوع ورمينا في البحر غير وارد ما دام يوجد مقاتل واحد، فلم يكن لنا من مجال سوى أن نتسلح”. فرد عليه الرئيس كرامي: لم يكن أحد يريد رميكم في البحر والبلد ما بيسوى من دونكم.

خلال الحديث استشف الراهب اللبناني من الرئيس كرامي أنه كان يعرف بأمر الباخرة ولزم الصمت عدة أيام، لأنه كان يعلم أن جميع منافذ البلاد البرية والبحرية مشرّعة لمختلف شحنات الأسلحة، ويوم فجّر القضية ما عاد يستطيع السكوت، خاصة وأنه رئيس للحكومة وسكوته أصبح يفسر وكأنه مشاركة في العملية.

تبقى حاشية صغيرة رواها لي ضابط سابق وتمنى أن أذكرها، وهي أن الجميع يركّز على عمليات التسلح التي بدأتها الاحزاب المسيحية بعد أحداث شهر أيار عام 1973 وفات معظم الذين يؤرخون لتلك الحقبة أن تسلح الأحزاب المسيحية بوشر به منذ عام 1969، وقد لعب يومها قائد الجيش العماد جان نجيم دوراً مهماً في تسليح وتدريب الأحزاب المسيحية، ويتذكر الضابط السابق أنه عام 1969 أو في العام الذي يليه وصلت إلى مرفأ جونيه بطريقة سرية شحنة من الأسلحة الخفيفة مصدرها دولة النروج سعى باحضارها تاجر من آل فرنسيس، وكان العماد نجيم أرسله مع ضابط موضع ثقة لفحص البنادق وشرائها، وقد سددت ثمنها الرهبنة اللبنانية ووزعت على الأحزاب والقيادات المسيحية، ويختم الضابط السابق أنه لم يقتنع يوماً أن حادث الطوافة الذي تعرض له العماد نجيم عند جبل أيطو وأدى لاستشهاده كان حادثاً قضاءً وقدر، بل يجزم أنه كان حادثاً مدبراً من أهم أسبابه قضية تسليح الأحزاب المسيحية، ويستغرب الضابط السابق كيف أنه لم يفتح يومها تحقيق جدي بظروف الحادث وتم لفلفة القضية.

هذا كان بعض ما نقلته وسائل الاعلام والكتب وبعض ما رواه من عايش قضية باخرة الأكوامارينا، نقلتها كما وصلت لي، على أمل أن يصلني أي تصحيح أو اضافة.

المصادر:
– الصحف المحلية: النهار، الأنوار، العمل، السفير، لسان الحال.
– نقولا ناصيف، المكتب الثاني حاكم في الظل.
– فريد الخازن، تفكك أوصال الدولة اللبنانية.
– أنطوان جبرايل طوق، بشري خلال الحرب اللبنانية.
– القوى النظامية الكتائبية، مؤصل الجذور ومفصّل الوقائع.
– أنطوان خويري، حوادث لبنان، الجزء الأول.
– لقاءات واتصالات شخصية مع: رهبان وقادة سياسيين وضباط ورتباء متقاعدين ومسؤوليين عسكريين ومقاتلين سابقين في أحزاب الجبهة اللبنانية.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading