وفي إطار جهود احتواء التصعيد، أطلق رئيس مجلس النواب، نبيه بري، مبادرة تهدف إلى كسر الجمود السياسي الداخلي كخطوة أولى ضمن خطة شاملة تسعى إلى إنقاذ البلاد من الوقوع في هاوية الفوضى والانهيار، وسط حالة من الترقب والقلق حول مستقبل الأوضاع في لبنان.
وبرزت مبادرة بري (أحد أبرز حلفاء حزب الله المصنف جماعة إرهابية في الولايات المتحدة) في وقت لايزال الحزب يعاني من تداعيات مقتل أمينه العام حسن نصر الله، وانضم إليها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط.
وتقوم المبادرة على ثلاث نقاط رئيسية: أولاً، الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، مع التأكيد على استعداد السلطات اللبنانية لتطبيق القرار الدولي 1701، بما في ذلك إرسال الجيش اللبناني إلى الجنوب بالتنسيق مع قوات الأمم المتحدة.
ثانياً، التركيز على ضرورة انتخاب رئيس توافقي للجمهورية يتمتع بقدرة على تمثيل لبنان دولياً، وتشكيل حكومة جديدة بكامل الصلاحيات لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الحالية. أما النقطة الثالثة فتشدد على أهمية التوافق الوطني في معالجة أزمة النازحين السوريين وتقديم الدعم الإنساني لهم.
وتدحرجت كرة النار بين حزب الله وإسرائيل لتطيح بكل قواعد الاشتباك التي كانت سائدة بين الطرفين، حيث أصبحت مناطق واسعة في لبنان تحت مرمى الغارات الجوية الإسرائيلية المكثفة. في المقابل، وسّع “حزب الله” نطاق ضرباته الصاروخية لتشمل مدنًا إسرائيلية كحيفا، صفد، وعكا، وصولاً إلى تل أبيب، في تصعيد غير مسبوق يهدد بتفجير المنطقة بأكملها.
والسؤال الذي يثار الآن فيما إن كان حزب الله هو من يدفع باتجاه المبادرة التي أطلقها بري في ظل الضربات المتتالية والمؤلمة التي تلقاها من إسرائيل في الفترة الأخيرة؟ أم أنه في هذه المرحلة الصعبة التي يمر بها، غير مستعد للدخول في حوار سياسي مع أي طرف؟
مخاوف حقيقية
مع تصاعد التوترات الأمنية، كرر ميقاتي التزام لبنان بمسار وقف النار، وتطبيق القرار الأممي 1701، وإرسال الجيش إلى جنوب الليطاني لـ”يقوم بمهامه كاملة مع قوات حفظ السلام”.
وفي السياق، أكد بري أن “التواصل مع حزب الله مستمر، وأن الحزب ليس بعيداً عن موقفه بشأن سبل وقف إطلاق النار في لبنان”، موضحاً، في تصريح صحفي، أن “لبنان لا يزال ملتزماً بما تم الاتفاق عليه مع الوسيط الأميركي آموس هوكستين، في مسار ينتهي بوقف إطلاق النار مع إسرائيل وتطبيق القرار الدولي 1701”.
وأضاف بري “المبادرة التي طرحتها سابقاً بشأن وقف إطلاق النار تمت بالتوافق مع الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وما زال هذا التوافق قائماً”.
ووسط دوي الصواريخ المتساقطة على لبنان، تحاول الجهود الدبلوماسية أن تجد لها صوتاً في محاولة لتجنيب البلاد سيناريو غزة، المخاوف تتصاعد مع كل يوم، وهو ما عبّر عنه وزير الإعلام زياد مكاري خلال مشاركته في القمة التاسعة عشرة للفرانكوفونية، حيث وصف هذه المخاوف بأنها “جدية”.
وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس يوم الجمعة، قال مكاري، “نعتقد دائماً بوجود أمل ضئيل في الحلول الدبلوماسية، لأن لبنان يتعرض للقصف يومياً. بيروت، البقاع، جبل لبنان، والجنوب كلها مناطق تحت القصف المستمر، ليل نهار”.
ما وصل إليه لبنان اليوم، “هو نتيجة لزجّ رئيس حركة حماس في غزة، يحيى السنوار، لحزب الله في مواجهة غير متوقعة”، بحسب ما يقوله الباحث في الشأن السياسي، نضال السبع، ويوضح أن ذلك “أتاح لإسرائيل استغلال الأمر لتحقيق أهدافها العسكرية والأمنية في جنوب لبنان”.
ويحذر السبع، في حديث لموقع “الحرة”، من أن لبنان قد يواجه مصيراً مشابهاً لما يحدث في غزة، مشيراً إلى أن “إسرائيل تنفذ عمليات تدمير ممنهجة للقرى الحدودية والبنى التحتية الحيوية..”.
ولا يستبعد أن “تفرض إسرائيل حصاراً مشدداً على لبنان شبيهاً بذلك الذي تفرضه على قطاع غزة، مستشهداً بقصف معبر المصنع بين لبنان وسوريا ورفض إسرائيل السماح لطائرة إيرانية بالهبوط في مطار بيروت، ما يشير إلى أنها تتحكم في المجال الجوي اللبناني وتفرض شروطاً على الطائرات التي يُسمح لها بالهبوط”.
كذلك يرى النائب السابق في البرلمان اللبناني، فارس سعيد، في حديث لموقع “الحرة”، أن ” احتمال تحول لبنان إلى غزة ثانية، يعتمد على ما إذا أصر حزب الله على مواصلة حرب الإسناد وربط مصير لبنان بغزة. في هذه الحالة، قد ينتقل نموذج غزة إلى لبنان”.
تطورات حاسمة
التطورات الأخيرة، وخاصة اغتيال الأمين العام لحزب الله، قلبت المشهد السياسي في لبنان، كما يرى سعيد، ويشرح “قبل هذه الأحداث، كانت المعارضة تطالب بانتخاب رئيس للجمهورية في ظل تعثر العملية بسبب عرقلة حزب الله، لكن بعد التصعيد الأخير، يبدو أن الحزب غيّر موقفه، حيث كلّف رئيس مجلس النواب، نبيه بري، بالبحث عن حل للأزمة الرئاسية. هذا التحول يعكس حاجة الحزب إلى استقرار سياسي عبر انتخاب رئيس وتشكيل حكومة قادرة على التفاوض مع الخارج”.
ورغم ذلك يشير سعيد إلى تباين المواقف داخل السلطة اللبنانية، “حيث يدعو كل من بري وميقاتي إلى وقف إطلاق النار وتطبيق القرار الدولي 1701، بينما يتمسك نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، باستمرار ما يسميه حرب الأسناد”.
كما لفت إلى أن “الرئيس بري تخلى عن مطلب الحوار الذي كان يسبق انتخاب رئيس، وأصبح يتحدث عن رئيس توافقي، ما يعني ضمنياً التخلي عن دعم سليمان فرنجية لهذا المنصب”.
ولتجنب مرحلة الانفجار الكبير، “عقدت اللجنة الخماسية اجتماعا قبل نحو شهر، برزت خلاله وجهتا نظر مختلفتان، “الجانب الفرنسي والسعودي ركزا على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية، معتبرين أن هذه الخطوة تشكل الأولوية”، وفق ما يقوله السبع.
ويضيف: “في المقابل، عبّرت السفيرة الأميركية ليزا جونسون عن توجه بلادها بالتركيز على تطبيق القرار 1701. وخلال الاجتماع، تم التوصل إلى اتفاق لدمج هذين المطلبين، على أن يتم تنفيذهما مع بداية العام المقبل”.
ويشير السبع إلى أن “الظروف الحالية رفعت من حظوظ قائد الجيش اللبناني العماد جوزف عون لتولي منصب رئاسة الجمهورية”، لافتاً إلى أن “هذا يأتي في ظل استمرار ترشيح رئيس تيار المردة، سليمان فرنجية، مما يعني أن المنافسة على الرئاسة انحصرت بين الاثنين”.
وكان موقع “أكسيوس” أورد أن الولايات المتحدة تسعى لاستغلال الضربة الكبيرة التي تلقاها حزب الله من إسرائيل في الدفع نحو انتخاب رئيس جديد للبنان وإنهاء الفراغ الرئاسي المستمر منذ حوالي عامين.
وذكر الموقع الإخباري الأميركي أن قائد الجيش اللبناني يحظى بدعم الولايات المتحدة وفرنسا كمرشح للرئاسة، متوقعاً أن تلعب القوات المسلحة اللبنانية دوراً محورياً في أي تسوية سياسية بعد انتهاء الصراع الحالي في لبنان.
من جانبه يشدد الباحث والكاتب السياسي اللبناني، مكرم رباح، على أن “لا خيار سوى تنفيذ مقترح انتخاب رئيس للجمهورية وتطبيق القرار 1701، سواء جاء هذا المقترح من السياسيين اللبنانيين بمختلف انتماءاتهم أو من الخارج”.
وقال إن “المطلوب الآن هو وقف إطلاق النار بشكل فوري، والتحضير لعودة النازحين إلى منازلهم قبل موسم الشتاء، مع تولي الجيش اللبناني مسؤولية كافة المناطق دون أي تقصير”.
ويشير رباح، في حديث لموقع “الحرة”، إلى أن “الحظوظ الأكبر للوصول إلى قصر بعبدا ستكون للشخص الذي يستطيع تمثيل لبنان دبلوماسياً، ويوفر له الغطاء السياسي والمالي”.
إلا نه لا يعتقد أن “أياً من الأسماء المطروحة حالياً مؤهلة بشكل جدي باستثناء جهاد أزعور ونصيف حتّي، ويبقى الأهم ليس فقط انتخاب رئيس للجمهورية، بل الانتقال إلى سلطة أفضل”.
وكان رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أصدر في أعقاب التصعيد العسكري الكبير الذي شهدته البلاد، بياناً يعبّر فيه عن استغرابه لعدم دعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى جلسة فعلية لانتخاب رئيس الجمهورية، بدلاً من الجلسات الصورية التي كانت تُعقد في السابق.
وخلال استقباله السفيرة الجديدة للنرويج في لبنان، هيلدي هارالدستاد، في 28 سبتمبر، أكد جعجع على أهمية احترام المؤسسات والدستور في لبنان، مشيراً إلى أن محور الممانعة يعطل انتخابات رئيس الجمهورية، حيث شدد على أن “وجود رئيس هو ضرورة لقيادة البلاد، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية والدفاع والمفاوضات الدولية، ولكن للأسف هناك من يحول دون ذلك”.
من جانبه، أكد رئيس التيار الوطني الحر، النائب جبران باسيل، أن “وجود رئيس للجمهورية ضروري لتوزيع الأعباء الثقيلة سعياً لخلاص البلاد”.
واعتبر، في حديث إعلامي، أن لقاءه مع بري كان إيجابياً، خاصة بشأن ملف رئاسة الجمهورية، حيث “سقطت الشروط”. كما شدد على أهمية تأمين النصاب بـ86 صوتاً والتوافق على الرئيس المناسب، رافضاً أي استغلال للوضع العسكري الخارجي لفرض رئيس على لبنان.
تناقض واضح
“كلّف حزب الله الرئيس ميقاتي بالتواصل مع الجانب الأميركي بشأن تطبيق القرار 1701 قبل اغتيال أمينه العام حسن نصر الله”، وفق ما يقوله السبع، معتبراً ذلك أنه إشارة إلى رغبة الحزب في التهدئة”.
وأكد أن التطورات الأخيرة “تعزز الحاجة إلى تطبيق هذا القرار وانتشار الجيش اللبناني في الجنوب لعرقلة أي تصعيد اضافي، لكن القرار النهائي حول ذلك يبقى في يد إسرائيل”.
ويدعو القرار الذي تبناه مجلس الأمن الدولي في 11 أغسطس 2006، إلى وقف هجمات حزب الله على إسرائيل، ونشر الجيش اللبناني في الجنوب بالتزامن مع انسحاب القوات الإسرائيلية إلى ما وراء الخط الأزرق، وإخلاء المنطقة من أي عتاد حربي ومسلحين باستثناء الجيش اللبناني.
كما نص القرار على تطبيق اتفاق الطائف والقرارين الدوليين 1559 و1680، بما في ذلك نزع سلاح الجماعات المسلحة اللبنانية، ومنع وجود قوات أجنبية إلا بموافقة الحكومة اللبنانية.
ويصر ممثلو السلطة في لبنان حالياً على تطبيق هذا القرار وفق ما يقوله رئيس مؤسسة JUSTICIA الحقوقية في بيروت العميد في الجامعة الدولية للأعمال في ستراسبور، المحامي بول مرقص، في حين أن “حزب الله مستمر في جبهة إسناد غزة، مما يظهر تناقضاً واضحاً أمام المجتمع الدولي”.
ويرى مرقص، في حديث لموقع “الحرة”، أن “الموقف الرسمي اللبناني لا يستند إلى قرار حكومي واضح بشأن آلية تطبيق القرار الدولي، حيث لم تجتمع الحكومة بعد لمقاربة ملف الحرب بالمعنى السياسي وفقاً للمادة 65 التي أناطت بها السلطة الإجرائية”.
ويشير إلى أن “إسرائيل خرقت القرار 1701 وهي تنتهكه يومياً، إن لم يكن برّاً وبحراً فجواً، عبر تحليق طائراتها الحربية وخرق جدار الصوت واستهداف المزارعين والمدنيين والحقول والبساتين”.
ويضيف مرقص “ما لم ننتبه له هو أن هذا القرار، في جوهره، يصب في مصلحة لبنان، لذلك كان من المفترض أن يكون لبنان أكثر حرصاً عليه وعلى تطبيقه، من خلال التفاهم مع حزب الله على تنفيذه منذ صدوره في عام 2006”.
وذكّر بأن “الحكومة اللبنانية كانت قد ناشدت المجتمع الدولي لإصدار القرار في جلسة لها عشية صدوره بالإجماع، لكنها بعد ذلك أهملت تطبيقه بعد توقف إطلاق النار”.
ويعبّر مرقص عن مخاوفه من أن تطالب إسرائيل بما يتجاوز إطار القرار 1701، مشيراً إلى أن “ما قد تطالب به اليوم يعكس انتصاراتها في الجولة الأولى من الحرب”، وأضاف أن “ما كان مناسباً بالأمس قد لا يكون كذلك اليوم..”.
من جانبه يرى سعيد أن “انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة يمكن أن يعززا فرص لبنان في إنهاء الاعتداءات الإسرائيلية عبر الالتزام بتطبيق القرار 1701، لكن الوضع الحالي يظهر أن الدولة اللبنانية تعمل كوسيط بين حزب الله والخارج، بدلاً من أن تكون جهة تنفيذية لهذا القرار”.
وتسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها الاستراتيجية بفصل جبهة لبنان عن غزة، وإبعاد حزب الله عن الحدود الجنوبية إلى ما وراء نهر الليطاني، وذلك لضمان عودة سكان المناطق الشمالية الإسرائيلية بأمان، وفي المقابل، يتمسك حزب الله بقراره عدم فصل جبهة جنوب لبنان عن غزة.
الخطوات الجدّية
يبدأ التطبيق الجدي للقرار 1701، كما يشير الصحافي والسياسي، نوفل ضو، في تغريدة عبر صفحته على منصة “إكس”، “باستدعاء حكومة لبنان سفراء إيران وسوريا والعراق، وإبلاغهم بضرورة سحب أي خبير أو عسكري تابع لدولهم من لبنان، ووقف أي دعم يُقدّم لأي جهة مسلحة غير الجيش، وكذلك وقف استخدام أراضيها لتمرير السلاح والمسلحين والدعم اللوجستي. هذا ما تنص عليه الفقرة 15 من القرار 1701”.
ولا يقتصر نطاق القرار 1701 على جنوب الليطاني أو حتى كامل الأراضي اللبنانية فحسب، بحسب ما يؤكد ضو في تغريدة أخرى، بل يمنع بشكل صريح أي دولة أو جهة دولية من بيع أو إرسال أو تقديم أي نوع من الأسلحة أو المعدات العسكرية أو اللوجستية إلى لبنان، إلا للجيش اللبناني. وأضاف أن القرار يحظر أيضاً تدريب أو تجهيز أي كيان عسكري أو شبه عسكري غير القوى الشرعية اللبنانية.
وأكد ضو أن “الجمع بين القرار 1701 ومعادلة ‘شعب وجيش ومقاومة’ هو نوع من الغش السياسي”.
يذكر أن معادلة “شعب، جيش، مقاومة” ظهرت بعد حرب 2006، حيث يعتبرها أنصارها “ضمانة لحماية لبنان من إسرائيل”، بينما يراها معارضوها تهديداً لسيادة الدولة، كونها تمنح شرعية لسلاح حزب الله خارج إطار المؤسسات الرسمية.
من أبرز المعارضين لهذه المعادلة حزبا القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية. وفي بيان أصدره حزب الكتائب في أغسطس الماضي، انتقد بشدة دور حزب الله معتبراً أن الحزب “بعدما تدجج بالسلاح واستعمله في الداخل في أكثر من محطة ترهيبية وتهديدية وانتهك سيادة لبنان وورطه في مشاريع إيران الإقليمية، وبعدما استباح سطح الأرض يذهب إلى حفر أنفاق في عمقها مغتصبا سيادة الدولة وأملاك اللبنانيين الخاصة في آن ليحمي ترسانته الحربية”.
وأشار البيان إلى أن “وضع الصواريخ والقذائف بين البيوت يجعل من اللبنانيين دروعاً بشرية يذهبون في جريرة حرب لا يريدونها ولم يأخذ أحد رأيهم قبل زجهم فيها”.
وفي تعليق على مبادرة بري، أكد رئيس حزب الكتائب اللبنانية، النائب سامي الجميّل، أن “الأولوية اليوم هي لوقف إطلاق النار ووقف التوغل البري الإسرائيلي، وهذا يتطلب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها وأن يتجاوب حزب الله مع الدولة والمبادرة ويقبل بانتشار الجيش على كامل الأراضي اللبنانية”.
مصير.. على المحك
خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، شهد حزب الله “تراجعاً في بنيته” وفق ما يقوله السبع، وذلك ” نتيجة الفوضى الأمنية والإعلامية والعسكرية داخل صفوفه، مما انعكس على أدائه الحالي، لكن رغم خسارته العديد من القيادات المؤثرة من الجيل المؤسس، إلا أن بنيته لا تزال متماسكة نسبياً، إذ يعتمد على هيكل داخلي يتيح لكل قائد نائبين يتوليان المسؤولية في حال موته”.
ويواجه الحزب اليوم تحدياً كبيراً يتمثل بحسب السبع في الاختراقات الأمنية التي وصفها بـ”السرطان الذي ينهش في الجسد”، كما يعاني “من صعوبات في التواصل الداخلي بعد استهداف إسرائيل أجهزة البيجر التي كان يعتمد عليها كوادره، إضافة إلى الضربات التي تعرض لها مخزونه من الصواريخ والأسلحة”.
“لم يسقط حزب الله عسكرياً فقط، بل سياسياً أيضاً”، كما يقول رباح، موضحاً أن “ما نشهده اليوم هو عملية تصفية للحزب، إلا أن هذه التصفية وحدها لا تكفي، بل يجب معالجة الأسباب التي أدت إلى ظهوره، وأبرزها غياب الدولة الذي منحه القدرة على التحول من تنظيم إيراني مسلح يقاتل باسم ولاية الفقيه إلى الادعاء بأنه يدافع عن لبنان”.
وعن مستقبل حزب الله، يقول سعيد إننا نشهد “بداية تراجع النفوذ العسكري الإيراني ليس فقط في لبنان، بل أيضاً في سوريا، العراق، وربما اليمن”.
وفي تعليقه على مصير الحراك الدبلوماسي اللبناني، يؤكد سعيد أن “دعم لقاء عين التينة الذي جمع بري وميقاتي وجنبلاط، لبيان دولي يطالب بوقف إطلاق النار لمدة 21 يوماً والالتزام بالقرار 1701 يعني عملياً فصل لبنان عن غزة”.
ويشير سعيد إلى أن زيارة وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، للبنان، جاءت “لوضع حد لهذه المحاولة”، موضحاً أن رسالة عراقجي تتمثل في “عدم ثقة طهران بأي مفاوض لبناني، حتى إن كان حزب الله، وأنها هي الجهة الوحيدة المخولة بالتفاوض حول وقف إطلاق النار، ما يعكس رغبتها في إحباط أي مبادرة لبنانية ويزيد من تعقيد الوضع في البلاد”.