وفي هذا السياق، أعلن أمين عام حزب الله، نعيم قاسم، أمس الخميس، أن “الحزب سيقف الى جانب حليفته سوريا “لإحباط أهداف هجمات الفصائل”.
وتعد سوريا شرياناً حيوياً لحزب الله، ما دفعه للانخراط العسكري المباشر لدعم النظام السوري منذ اندلاع الحرب في عام 2011، حيث دافع عن النظام في مواجهة ما وصفه بمحاولات إسقاطه من قبل “قوى خارجية ومعارضة مسلحة”.
وقد عكس هذا الدعم حسابات استراتيجية تهدف إلى تأمين خطوط نقل الأسلحة، وضمان استمرار التواصل اللوجستي مع إيران عبر الأراضي السورية، والحفاظ على حليف إقليمي أساسي.
ويحتفظ الحزب، المصنف بقوائم الإرهاب الأميركية، بوجود عسكري في المناطق الحدودية بين لبنان وسوريا، وفي مناطق نفوذ المجموعات الموالية لطهران في شرق سوريا، إضافة الى محيط دمشق.
ومنذ سبتمبر، وعلى وقع حربها في لبنان، كثّفت إسرائيل بشكل ملحوظ ضرباتها الجوية على سوريا، وركزت بشكل أساسي على تحركات مقاتلي حزب الله، مستهدفة مراراً معابر حدودية تقول إنها تستخدم من قبل الحزب لـ”نقل وسائل قتالية” من سوريا إلى لبنان.
وفي هذا السياق، يرى الباحث السياسي نضال السبع أن المعركة الحالية في سوريا تمثل “تحدياً وجودياً للدولة السورية والطريق الاستراتيجي لتسلّح حزب الله”، ويصف السبع هذه التطورات في حديث لموقع “الحرة” بأنها “تحول كبير ومفاجئ في مسار الحرب المستمرة منذ 13 عاماً”.
تداعيات استراتيجية
وجاء التوغل السريع للفصائل المسلحة المعارضة في سوريا، وفق الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد ناجي ملاعب، “نتيجة تحضيرات مكثفة شملت تجهيز آلاف المقاتلين بأسلحة متطورة، مثل صواريخ ستينغر والطائرات المسيّرة الحديثة”.
ويضيف ملاعب في حديث لموقع “الحرة”، أن “انشغال حزب الله بتطورات لبنان قلّص وجود القوى الموالية لإيران في شمال سوريا، كما أن ضعف تحصينات الجيش السوري حول حلب وتركيزه الهجومي بالقرب من إدلب سهّل تقدم المعارضة”.
كذلك يرى السبع أن “انسحاب حزب الله من سوريا إلى لبنان عقب المواجهة مع إسرائيل وفّر فرصة أمام فصائل المعارضة للتقدم ميدانياً”.
ويشير إلى أن العملية العسكرية التي شنتها هذه الفصائل “جاءت مباشرة بعد رسالة التحذير التي وجهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو في 27 نوفمبر إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد، والتي حذّره فيها من اللعب بالنار”.
ويعزو السبع ما حققته فصائل المعارضة حتى الآن إلى “ضعف التجهيزات اللوجستية وانخفاض معنويات قوات الجيش السوري، مقابل امتلاك فصائل المعارضة معدات متطورة مثل الطائرات المسيّرة، واعتمادها على تكتيكات مستوحاة من الحرب الأوكرانية “.
وعن خطة هذه الفصائل، يوضح السبع “هي السيطرة على حلب وحماة، وصولاً إلى حمص والقصير، معقل حزب الله. إذا تحقق هذا السيناريو، فسيواجه الساحل السوري حصاراً خانقاً يهدف إلى قطع خطوط الإمداد عن حزب الله، بما ينسجم مع استراتيجية الحرب الإسرائيلية المستمرة على لبنان منذ شهرين، والتي ركزت على استهداف المعابر الحدودية التي يستخدمها الحزب لنقل الأسلحة”.
سقوط النظام السوري ستكون له تداعيات كبرى على حزب الله، كما يقول ملاعب أهمها “قطع خطوط الإمداد التي يعتمد عليها الحزب، حيث تعد الأراضي السورية جسراً برياً يربطه بإيران، الممول الرئيسي له بالسلاح والمال، وتبرز حلب كطريق رئيسي لوصول الأسلحة، أما الضربة الكبرى للحزب، فستكون بسقوط حمص”.
بدوره، يرى نائب مدير الأبحاث في معهد كارنيجي للشرق الأوسط، مهند الحاج علي، أن سقوط النظام السوري أو ضعفه سيؤثر على حزب الله على عدة مستويات.
ويوضح الحاج علي في حديث لموقع “الحرة” أن “التأثير الأول يتمثل في تعقيد الجانب اللوجستي، حيث ستصبح الإمدادات عبر سوريا أكثر صعوبة، التأثير الثاني يكمن في ضعف الحزب إقليمياً نتيجة فقدانه لسند عربي داعم، خاصة مع احتمال تأثر العراق بالتغيرات في سوريا، أما التأثير الثالث، فهو وجود قوة إقليمية معادية متمثلة بهيئة تحرير الشام وليس سوريا فقط، التي تضم بين عناصرها مقاتلين لبنانيين”.
سيناريوهات متعددة
ويعبّر السبع عن قلقه من “احتمال دخول المعارضة السورية إلى الأراضي اللبنانية فيما لو سقط القصير، مما قد يضعها في مواجهة مباشرة مع حزب الله في منطقة الهرمل اللبنانية”، ويوضح أن “هذا السيناريو قد يزيد الضغط على الحزب، الذي قد يجد نفسه محاصراً بين القوات الإسرائيلية في الجنوب والمعارضة السورية في الشمال”، لكن السؤال الرئيسي، وفق السبع، “هو مدى سماح الولايات المتحدة لفصائل المعارضة السورية بالتقدم نحو الأراضي اللبنانية”.
هذا الواقع يفتح الباب أمام سيناريوهات متعددة في لبنان، ويقول الحاج علي “إما أن نشهد تدخلات واسعة في لبنان، قد تتخذ شكل تهديدات عسكرية أو أمنية تستهدف حزب الله ودوره، أو أن يكون هناك طلب رسمي بلجم الحزب لبنانياً، بحيث يتحول احتواؤه على الحدود إلى ملف مرتبط بالعلاقات اللبنانية-السورية”.
أما بخصوص رد فعل حزب الله على هذه التطورات، يرى ملاعب أن “إيران هي التي تحدد هذا المسار”، ويضيف “يبدو أن طهران لم تعد ترغب في توريط حزب الله أكثر في سوريا، خصوصاً بعد تعرضها لعمليتين إسرائيليتين داخل أراضيها، مما يدفعها إلى تجنب التصعيد العسكري هناك، حيث بدأت تُظهر ميولاً دبلوماسية من خلال الدعوة إلى اجتماع متعدد الأطراف في قطر بمشاركة تركيا وروسيا”.
وفي الوقت نفسه، يروّج الإيرانيون، وفق ملاعب، “لفكرة أن الحزب أصبح قادراً على إنتاج أسلحته محلياً ولم يعد يعتمد على الإمدادات الخارجية”.
من جانبه، يرى السبع أن الخيارات المتاحة أمام حزب الله في ظل التطورات الحالية “شديدة الصعوبة”، ويقول “رغم أن الحزب يعتمد حالياً على تقنيات تقلل من حاجته للإمدادات الإيرانية عبر تصنيع الأسلحة في سوريا، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة في نقل الصواريخ من سوريا إلى لبنان بسبب اتفاق الهدنة الذي وقع عليه. هذا الاتفاق يمنعه أيضاً من تصنيع الصواريخ داخل لبنان، حيث ستتعرض هذه المصانع إما للمداهمة من الجيش اللبناني أو للاستهداف من قبل إسرائيل. هذه القيود تشكل عائقاً كبيراً أمام قدرة حزب الله على إعادة تسليح نفسه في المرحلة المقبلة”.
أما الحاج علي، فيؤكد أن “لا بدائل متاحة أمام حزب الله، وعلى الأرجح سيضطر إلى الانكفاء داخل لبنان لحماية نفسه”. وعلى مستوى الشرق الأوسط، يشير الحاج علي إلى أن تغيير المعادلة في سوريا سيؤثر بشكل كبير على توازن القوى في المنطقة، ويقول “وجود نظام معادٍ لإيران في سوريا ستكون له انعكاسات كبرى على المنطقة بأسرها، وخصوصاً على لبنان”.
على الرغم من المكاسب التي حققتها الفصائل المعارضة السورية حتى الآن، يرى ملاعب أن “الجيش السوري لم يضعف كما يعتقد البعض، بل يتمتع بخبرة قتالية واسعة وقدرات نارية قوية، وبدأ فعلياً في الإعداد لهجوم مضاد”، ويشير إلى أن “الدعم الروسي، سواء من خلال الغارات الجوية أو الاستراتيجيات العسكرية، سيكون له دور حاسم في هذا السياق”.
أما فيما يتعلق بحزب الله، فيؤكد ملاعب أن مستقبله “مرتبط بشكل وثيق بتطبيق القرار 1701″، كما يشير إلى أهمية الدور الذي يقوم به المبعوث الأمريكي آموس هوكستين في ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، “وهو تطور يسهم في إعادة النظر بمبررات وجود الحزب”.