وبما يشبه الاتهام الضمني للدولة اللبنانية والجيش اللبناني، وفي إطار التفسير المفصل لهذا التهديد، تتحدث الرسالة السورية، وفق ما كشف مصدر رفيع لـ”اندبندنت عربية”، عن أن الصور والمعلومات “المستقاة من المعدات الحساسة التي تتضمنها أبراج المراقبة تصل إلى أيدي البريطانيين، وأن العدو الإسرائيلي يستفيد منها لاستهداف الأراضي السورية وتنفيذ ضربات في العمق السوري”.
وأرسلت وزارة الخارجية اللبنانية نسخة إلى رئاسة الحكومة اللبنانية ووزارتي الدفاع والداخلية، وأكد مصدر في الخارجية أن الوزارة لا تملك عناصر الرد، ويفترض أن تتبلغها من المعنيين، أي من الجيش اللبناني لترسلها الخارجية، بدورها، إلى نظيرتها السورية.
وأكد مصدر في قيادة الجيش لـ”اندبندنت عربية” أن القيادة لم تتبلغ بأي رسالة ولم تصل إليها نسخة بعد. وتطالب المذكرة الحكومة اللبنانية بالتوضيح واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الأمن المشترك. وأكدت مصادر حكومية أن التظاهرات في محيط السرايا الحكومية، أمس الجمعة، وإرجاء جلسة مجلس الوزراء حتى الأسبوع المقبل، أرجأت البحث بكل المواضيع بما فيها الرسالة السورية.
لماذا الآن؟
وأثارت الرسالة السورية موجة من التساؤلات واستغرب كثر توقيتها، خصوصاً بعد مرور سنوات على بناء أبراج المراقبة الممتدة من مصب النهر الكبير في الشمال إلى ما بعد منطقة راشيا في البقاع (شرق).
وسأل آخرون هل الإسرائيلي الذي يملك الطائرات المسيرة وكل إمكانات التجسس والتعقب في حاجة إلى صور من أبراج لبنانية؟ واعتبر البعض أن هذه المذكرة تتزامن مع اقتراح قدمته بريطانيا لبناء أبراج مراقبة على الحدود الجنوبية اللبنانية مع إسرائيل، ما قد يشكل دعماً لموقف “حزب الله” الرافض بناء هذه الأبراج.
وتضمن المشروع المقترح تشييد أبراج ترصد بعمق خمسة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية وخمسة كيلومترات داخل الأراضي الإسرائيلية، على أن يبدأ العمل في بقعة صغيرة، ثم يتوسع على كامل الحدود.
واعتبر مصدر رفيع أنها رسالة إيرانية وليست سورية، خصوصاً مع تزايد الحديث عن الترتيبات الأمنية على الحدود الجنوبية اللبنانية، ومنح الجيش اللبناني القدرة والإمكانات للسيطرة الكاملة على الحدود مقابل تراجع دور “حزب الله”، من ثم فقدان طهران أهم أوراقها في المنطقة، وعودة البريطانيين بقوة إليها، ويخلص المصدر إلى القول إن الهدف من الرسالة إثارة سياسية لا علاقة لها بالأمن القومي السوري وبالمراقبة.
ويعزز هذا التفسير ما أكده مصدر عسكري شارك في المرحلة الأولى من بناء أبراج المراقبة، عام 2013، على أثر اندلاع الحرب في سوريا وتزايد دخول عناصر من تنظيم “داعش” ومجموعات متطرفة إلى لبنان، وأوضح المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أن الجانب السوري وافق على بناء أبراج المراقبة وكذلك “حزب الله”، وشرح المصدر أن هذه الأبراج بدأ إنشاؤها عام 2013 في عهد قائد الجيش السابق جان قهوجي، واستكمل الجزء الأكبر منها بعد عملية “فجر الجرود” (ضد داعش)، حيث شيدت مراكز جديدة في الأماكن التي لم يكن للجيش اللبناني وجود فيها.
وأكد أن الهدف الأساس منها كان وقف التهريب وتسلل مسلحي “داعش” إلى الداخل اللبناني، وهي الآن ترقب حركة التسلل غير الشرعية والتهريب إلى لبنان، وشكلت بديلاً مساعداً عن العسكر، خصوصاً أن الحدود تحتاج إلى عدد كبير لمراقبتها.
عناصر الاتهام غير موجودة
وأكد مصدر عسكري في وزارة الدفاع اللبنانية عدم صحة الاتهامات الواردة في الرسالة السورية نافياً أن تكون هذه الأبراج التي هي بمثابة مراكز عسكرية للجيش اللبناني، في خدمة التجسس على النظام السوري بواسطة البريطانيين، ومنهم للإسرائيليين، وجزم أن أبراج المراقبة موصولة مباشرة بغرفة العمليات في قيادة الجيش ولا ترسل نسخاً أو وثائق إلى أية جهة أخرى، وهي تحول كل معلوماتها إلى قيادة الجيش – مديرية العمليات، وإلى قادة أفواج الحدود البرية كل في نطاق مسؤولياته، وأكد أيضاً أن أبراج المراقبة موجودة ضمن الأراضي اللبنانية وعلى الحدود مع سوريا ولا تطول كاميراتها عمقاً كبيراً من الأراضي السورية، وهي في الأصل شيدت لمراقبة عمليات التهريب ودخول مسلحي “داعش” والدخول غير الشرعي للسوريين إلى لبنان، وتم تحديثها بفضل تمويل الدول الداعمة للجيش، كما أن الشركات التي تقوم بصيانة وتطوير هذه الأبراج ليست بريطانية.
وتشير المذكرة السورية إلى حضور بعض الضباط البريطانيين إلى الأبراج، مما ينفيه المصدر العسكري في وزارة الدفاع جملة وتفصيلاً، موضحاً أنه لا وجود لبريطانيين في مراكز الجيش، وقد اقتصرت مهمتهم فقط على التدريبات في بدايات تشييد الأبراج، وفي دورات تدريبية أخرى كما مع الأميركيين والكنديين، وكل هذه الأمور يتم الحديث عنها بالإعلام ولا شيء مخفياً.
المساهمة البريطانية
وأسهمت التجهيزات البريطانية في إحكام الجيش اللبناني السيطرة على خط حدودي يتجاوز 100 كيلومتر يمتد من نقطة المصنع جنوباً (البقاع)، ويصل إلى أقصى شمال شرقي لبنان. فبعد سنوات من التفلت الحدودي نشطت خلالها عمليات التهريب بكل أنواعها من سوريا، وكان أبرزها دخول مسلحين من “جبهة النصرة” وتنظيم “داعش” إلى بلدة عرسال (البقاع) الحدودية عام 2014، وأقاموا في جرودها وجرود القاع ورأس بعلبك في مراحل أخرى، تمكن الجيش من ضبط الحدود، بدعم بريطاني أسهم في تدريب آلاف العناصر والضباط، وتم بناء 39 برجاً للمراقبة على مراحل وعشرات المراكز العسكرية المتقدمة، وأخضع كامل الشريط الحدودي الممتد من نقطة المصنع جنوباً، وحتى جرود القاع في أقصى شمال شرقي لبنان، للمراقبة الدائمة، ولا يزال.
وكانت بريطانيا حتى عام 2019 قد أسهمت في تدريب نحو 11000 جندي على العمليات العسكرية في المناطق المأهولة، ونحو 7000 في العمليات الحدودية، وأنفقت أموالاً على تدريب وتجهيز فوج الحدود البرية التابع للجيش اللبناني، وشمل ذلك بناء 39 برج مراقبة على الحدود، و37 قاعدة عمليات متقدمة على طول الحدود.