م يجد سليمان فرنجية مرشح “حزب الله” وحلفاؤه لرئاسة الجمهورية حرجاً في عدم إطلالته على اللبنانيين ببرنامج مفصل يعرض فيه مواقفه من القضايا الشائكة والكثيرة، كذلك لم يجد حرجاً في أن إعلان ترشيحه لم يأت منه، بل تولاه الثنائي الشيعي (حركة أمل وحزب الله). ومن المفارقات أن فرنجية الذي حرم من إعلان ترشيحه شخصياً، ترك له الثنائي حرية إصدار بيان مقتضب يعلن فيه انسحابه من المعركة إذا أراد. وتتضح صورة فرنجية الرئيس إذا وصل، من حركة الموفدين الدوليين لا سيما “اللجنة الخماسية”، فهو المعني الأول بالاستحقاق لكنه ليس المحطة الأولى في جداول مواعيدهم، آملين أن تصله الأخبار من الناطق باسمه والوصي على ترشيحه نبيه بري. فرنجية عملي جداً فمصيره معلق على المعادلات الإقليمية، لذا يريد أن يوفر على نفسه وعلى معارضيه مضيعة الوقت في إطلاق وعود وتعهدات وضمانات لا توجد، إذا وجدت، إلا عند “حزب الله”. في كل حال يقارب فرنجية الاستحقاق الرئاسي على طريقة جده الذي يحمل الاسم ذاته، فالمسألة ليست حشد أصوات مؤيدة، بل معلقة على الأطراف الخارجية التي تمسك بالقرار اللبناني. وعلى رغم أن سليمان الجد وصل إلى الرئاسة في عام 1970 في انتخابات توصف بأنها الانتخابات الوحيدة التي كانت وطنية بامتياز، بدليل أنه فاز بفارق صوت واحد على منافسه إلياس سركيس، فإن آل فرنجية بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 1975 سلموا أوراقهم للنظام السوري المهيمن، ومن بعده في عام 2005 لـ”حزب الله”. يفاخر آل فرنجية أن علاقتهم بالنظام السوري طابعها عائلي وتعود إلى خمسينيات القرن الماضي. ففي عام 1957 وفي خضم صراع العائلات في زغرتا (بلدة آل فرنجية)، اتهم سليمان فرنجية الجد ورجاله بمقتل 32 شخصاً، أكثرهم من عائلة الدويهي المنافسة، داخل كنيسة في بلدة مزيارة المجاورة لزغرتا. بعد الحادثة هرب فرنجية الجد إلى سوريا حيث جمعته صداقة مع الطيار الحربي حينها حافظ الأسد. وشاءت الأقدار أن يصل الرجلان إلى رئاسة الجمهورية في بلديهما في عام 1970.
بعد اندلاع الحرب الأهلية، كان سليمان الجد ضمن “الجبهة اللبنانية” الممثلة لأكثرية المسيحيين، ولكن عندما ناصبت “الجبهة اللبنانية” العداء للنظام السوري، وقف فرنجية في صف حافظ الأسد، وأصبح من أكثر المؤيدين إخلاصاً في لبنان. هذا الانحياز جعله يكون المرشح السوري المفضل لرئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولايته عام 1976. ففي عام 1982 طرحه حافظ الأسد المرشح الذي لا عودة عن دعمه، وكان مفاجئاً أن هذا الإصرار سرعان ما تبخر لمصلحة مخايل الضاهر، إذ اتفق الأسد والأميركيون على المعادلة الشهيرة “الضاهر أو الفوضى”. بعد “الفوضى” وبداية مرحلة السلم الأهلي الممسوك سورياً، فرض الأسد عام 1989 إلياس الهراوي رئيساً، ربما لأن “سليمان الصغير” (لقبه) كان عمره 24 سنة آنذاك. وقف سليمان الحفيد في صف الانتظار طوال عهود الرؤساء إلياس الهراوي، وإميل لحود وميشال سليمان وميشال عون، ولم يطرح نفسه أو يطرحه أحد بوصفه مرشحاً جدياً. وبدا أقل شأناً في لعبة مصالح النظام السوري ثم “حزب الله” من الهراوي ولحود وعون، على اعتبار أن ميشال سليمان جاء ضمن تسوية لم يمتلك فيها “حزب الله” قدرة التعطيل. لمح فرنجية مرة أنه أمام فرصة أخيرة ليصبح رئيساً من دون أن يشرح، هل السبب ملل شخصي من الموضوع، أم يعتبر أن “الفوضى” القائمة وحدها ورقته الرابحة؟