واللافت أن سلامة لم يكتف بعدم المثول أمام الهيئة الاتهامية، بل ذهب إلى مقاضاتها؛ إذ حضر وكيله القانوني المحامي حافظّ زخور، وتقدّم بدعوى أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز، لمخاصمة الدولة على «الخطأ الجسيم الذي ارتكبه القضاة الذين تناوبوا على الهيئة الاتهامية خلال العطلة القضائية منذ منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي حتى الآن، جرّاء قبول الطعن المقدّم من رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر، بقرار قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا، الذي ترك فيه سلامة رهن التحقيق، والأخذ بمطالب القاضية إسكندر التي دعت إلى استجواب الحاكم السابق وإصدار مذكرة توقيف بحقه».
وفيما كانت الأوساط القانونية والقضائية تترقّب الإجراء الذي ستتخذه الهيئة الاتهامية في حقّ سلامة، فوجئت بدعوى المخاصمة غير المتوقّعة، واعتبر مرجع قانوني أن هذه الدعوى «قطعت الطريق على تدبير عقابي كان ينتظر سلامة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن حاكم البنك المركزي السابق «كان أمام خيارين أحلاهما مرّ؛ فإما أن يمثل أمام الهيئة ويخضع للاستجواب مع احتمال أن تصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقّه، وإما أن يتغيّب ويواجه مذكرة توقيف غيابية، خصوصاً أن إجراءات تبليغه استكملت عبر إبلاغه لصقاً على ثلاثة عناوين له مدوّنة في محاضر استجوابه أمام قاضي التحقيق»، مشيراً إلى أن «حضور المحامي زخّور وتسليم رئيس الهيئة الاتهامية القاضي ماهر شعيتو نسخة عن دعوى المخاصمة، حتّما على الأخير وقف كلّ الإجراءات وإعلانه رفع يده عن القضيّة، إلى أن تبتّ الهيئة العامة لمحكمة التمييز بهذه الدعوى».
ويرى مراقبون أن وكلاء سلامة «استفادوا من جولات المواجهة القانونية التي خاضها سياسيون مُدّعى عليهم بجريمة انفجار مرفأ بيروت ضدّ المحقق العدلي طارق البيطار، ونجاحهم في وقف كلّ إجراءات التحقيق بانفجار المرفأ من 20 شهراً». وشددوا على أن «تجربة تعطيل ملفّ المرفأ باتت مثالاً وقدوة لكلّ من يطمح إلى تعطيل دعوى قضائية أو تقويضها، ومنهم رياض سلامة»، معتبرين أن «هذا الخلل لا يمكن تصحيحه إلا بتعديل مواد في قانوني أصول المحاكمات المدنية والجزائية، التي تلزم القاضي برفع يده عن القضيّة فور تبلّغه دعوى ردّ أو دعوى مخاصمة».
وتضمنت دعوى المخاصمة المقدمة من وكيل سلامة، أن «الهيئة الاتهامية اعتبرت أن قرار تأجيل استجواب سلامة من قبل قاضي التحقيق، ينطوي على قرار ضمني بتركه». ورأت أنه «لا يحق للهيئة كونها مرجعاً استئنافياً لقرارات قاضي التحقيق أن تتصدى للملفّ وتستدعي المدعى عليه لجلسة أمامها من أجل استجوابه أو التوسع بالتحقيق معه، ما يجعل قرارها باطلاً شكلاً وأساساً؛ إذ لا يمكن للهيئة أن تستجوب مدعى عليه لا يزال استجوابه قائماً أمام قاضي التحقيق، وعندها تصبح القضية عالقة أمام مرجعين قضائيين يستجوبان الشخص نفسه في الدعوى ذاتها». وأكدت الدعوى أنه «كان يفترض بالهيئة الاتهامية عوض أن تعيّن جلسة لاستجواب سلامة، أن تحيل الأوراق على النيابة العامة لإبداء رأيها بأمر التوقيف، فتكون بذلك صححت خطأ قاضي التحقيق لناحية عدم استطلاعه رأيها بأمر التوقيف». وشملت دعوى المخاصمة كلّ القضاة الذي تعاقبوا على الهيئة الاتهامية خلال العطلة القضائية، واعتبر وكيل سلامة أنه «بمجرّد أن تحدد هذه الهيئات مواعيد لاستجواب سلامة يعني أنها أقرّت بقرار الهيئة الباطل أصلاً، وبالتالي يتوجب مخاصمتها مسبقاً».
ولاحظ المرجع القانوني أن الملفّ «سيبقى مجمداً إلى حين تشكيل الهيئة العامة لمحكمة التمييز المعطلة منذ أكثر من عام، بسبب إحالة ستة من أعضائها العشرة على التقاعد، وفقدانها النصاب القانوني».
إلا أن مصدراً قضائياً أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «إعلان القاضي شعيتو رفع يده عن الملف لا يعني وقف الإجراءات إلى ما لا نهاية؛ إذ يحق للرئيس الأول لمحكمة الاستئناف في بيروت القاضي حبيب رزق الله أن يسمّي هيئة اتهامية جديدة لبتّ ملفّ سلامة»، لكن المصدر عاد واستدرك بأن «فريق الدفاع عن سلامة سيتقدّم بدعوى مخاصمة ضدّ أي هيئة جديدة؛ لأنه يعتبر أن أي قاضٍ يقبل النظر في هذا الملفّ، يعني أنه تبنّى الخطأ الذي ارتكبته الهيئة الاتهامية الأولى».