تشغل الأنباء عن انقلاب النيجر، وهي دولة تتوسط قارة أفريقيا ولها حدود مع دولتين عربيتين هما ليبيا والجزائر، دوائر القرار في الغرب ووسائل الإعلام بشكل كبير منذ بضعة أيام.
ولا تمتلك النيجر، التي تتذيل قوائم أفقر دول العالم، التأثير التجاري أو الجيوسياسي الذي تتمتع به دول أخرى تتعرض لأزمات، لكنها تعتبر بالنسبة لكثير من المحللين “آخر حليف موثوق به للغرب في القارة الأفريقية”، كما يشير تقرير لأسوشيتد برس.
والأحد، سار آلاف من داعمي الانقلاب في شوارع العاصمة، نيامي، وهم يحملون – بالإضافة إلى أعلام بلادهم – أعلام روسيا، ويرددون هتافات تشيد بالرئيس الروسي بوتن، وتندد بفرنسا، المستعمر السابق للبلاد.
وفي نهاية المسيرة، أشعل المتظاهرون النار في بوابة السفارة الفرنسية لدى النيجر، قبل أن تفرقهم قوات الجيش والشرطة.
وفي شهادته أمام الكونغرس الأميركي، منتصف يوليو الماضي، قال جوزيف ساني، نائب رئيس مركز أفريقيا في المعهد الأميركي للسلام، إن روسيا “أعادت إحياء اهتمامها بأفريقيا” منذ عقد من الزمان.
وأضاف ساني أن “الصين أبدت اهتماما متزايدا بالقارة خلال السنوات القليلة الماضية”.
ودعا ساني الولايات المتحدة وحلفاءها على إعادة النظر بسياستهم الأفريقية بعد “النجاح النسبي لروسيا في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي والسودان”.
الاضطرابات لتحقيق النفوذ
وأشار ساني إلى نمط محدد تعيد روسيا من خلاله رسم موازين القوى في القارة من خلال الاضطرابات.
وتزايد نفوذ روسيا في السودان بعد الأحداث الأخيرة، حيث يصطرع قادة القوات المسلحة، القريبون نسبيا من الغرب، مع قائد ميليشيا الدعم السريع، القريبة نسبيا من روسيا.
وتمتلك روسيا مصالح مهمة في السودان، منها مناجم للذهب.
وتشير دراسة للمركز الأفريقي للدراسات إلى أن “روسيا وسعت نفوذها في أفريقيا في السنوات الأخيرة أكثر من أي لاعب خارجي آخر”.
وتضيف الدراسة أن “استراتيجيات روسيا تعتمد عادة على وسائل غير قانونية لتوسيع نفوذها، مثل نشر المرتزقة، وترويج المعلومات المضللة، والتدخل في الانتخابات، ودعم الانقلابات، وصفقات الأسلحة مقابل الموارد الطبيعية، وأمور أخرى”.
ويصف المركز هذه الاستراتيجيات بأنها “منخفضة التكلفة وعالية التأثير”، ويقول أنها تهدف “إلى تعزيز نظام عالمي مختلف تماما عن الأنظمة السياسية الديمقراطية القائمة على القواعد التي يطمح إليها أغلب الأفارقة”.
ويحذر المركز من أن نتائج التدخلات الروسية في أفريقيا سيكون لها آثار بعيدة المدى على معايير الحكم والأمن في القارة.
هل خسر الغرب أفريقيا؟
تعمل مجموعة المرتزقة الروسية فاغنر في مالي المجاورة للنيجر، وخلال السنوات الأخيرة، تواجدت المجموعة، التي ينظر إليها على أنها ذراع السيطرة الروسية الخارجية، في دول أفريقية مثل السودان وليبيا ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق.
ومع تواجد المجموعة، التي يفترض أنها تقدم مشورة أمنية لقتال الجماعات المتطرفة في تلك الدول، تزايدت التقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان حصلت على يد المرتزقة الروس.
ولم يقل قادة المجلس العسكري الجديد في النيجر ما إذا كانوا يعتزمون التحالف مع موسكو أو التمسك بشركاء النيجر الغربيين.
لكن التباين في المواقف من الانقلاب بدا واضحا، حيث أدان الغرب العملية الانقلابية، فيما أشاد بها، كما تقول تقارير، زعيم مجموعة مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين.
ومع دعوة المجلس العسكري الانقلابي في النيجر أنصاره للتظاهر ضد فرنسا، وحملهم أعلام روسيا، يبدو من السهل توقع الاتجاه الجديد للبلاد، في حال استمر الانقلابيون بالحكم.
والأربعاء الماضي، تباهى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن “جهود الغرب لثني الدول الأفريقية عن حضور قمة أفريقية روسية، لم تفلح”.
وعقدت القمة التي شارك فيها ممثلون عن 49 دولة أفريقية من أصل، 57، في مدينة سان بطرسبرغ الروسية، حيث قدم الأفارقة خطة سلام لإنهاء الحرب في أوكرانيا، كما وعد بوتين بإرسال أطنان من القمح للدول الأفريقية “مجانا”.
ويقول موقع NPR إن الحضور كان أقل من قمة أفريقيا – روسيا في عام 2019، حيث شاركت 54 دولة منها 43 دولة حضر رؤساؤها القمة السابقة، مقابل أقل من 20 رئيسا أفريقيا في القمة الحالية.
لماذا أفريقيا مهمة لروسيا؟
خلال شهادته أمام الكونغرس، قال الخبير جوزيف ساني، إن روسيا بوتين ليس لديها خطة كبرى واضحة لأفريقيا، لكن “نمطا من الارتباطات الانتهازية والتواطؤ بين الدولة الروسية والكيانات الخاصة الغامضة يسعى إلى تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية هي تعظيم الأرباح من خلال الاستحواذ التجاري، وبالتالي المساعدة في التهرب من العقوبات الغربية ضد الأفراد والكيانات الروسية.
وأيضا “تعطيل وقضم النفوذ الغربي في أفريقيا” و”تعزيز نفوذ روسيا الجيوسياسي وطموحاتها كقوة عظمى”.
ويضيف ساني أن الكرملين يسعى إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال التضليل والدعاية، والتلاعب بالرأي العام الأفريقي.
كما أن الكرملين، وفقا لساني، يستثمر في “مناطق عدم الاستقرار والصراعات العنيفة لبيع الجماعات المقاتلة الأفريقية الأسلحة والتدريب العسكري والاستشارات العسكرية وخدمات المرتزقة”.
والأهم، وفقا لساني، إن بوتين يسعى على نحو متزايد إلى “إلى تحقيق الربح من خلال استخراج الموارد الطبيعية في أفريقيا من دون المساهمة في التنمية الاقتصادية”.
ولتحقيق كل هذا، وفقا لساني، فإن روسيا تعزز “الحكم بالقوة بدلا من الديمقراطية والقانون”، وتؤيد “الفساد بدلا من الشفافية”، و تستنزف إيرادات الشركات والحكومات المحلية، وتجعل الحكومات المستبدة “محتاجة لدوام وجود فاغنر للحفاظ على السلطة”.
وخلال السنوات الماضية، حرصت روسيا، عبر مرتزقة فاغنر والقنوات الرسمية، على إظهار أنها واحد من أهم الداعمين الإنسانيين لأفريقيا، وهو مايصفه ساني بـ”تضخيم روسيا لحجم العلاقات التاريخية” مع أفريقيا.
لكن الحقيقة إن الغرب يرسل مليارات الدولارات سنويا للدول الأفريقية على هيئة مساعدات غذائية وطبية وعسكرية.
مع هذا، تبدو الحملة الإعلامية الروسية أكثر تأثيرا على الأفارقة، الذين أحرق بعضهم، الأحد، علم فرنسا تنديدا بـ”تدخلها بالشؤون السيادية للنيجر”، وهتفوا في الوقت ذاته هتافات تأييد لبوتن، كما نشرت أسوشيتد برس.
وبالمقارنة، تمنح الولايات المتحدة وفرنسا ملايين الدولارات سنويا من المساعدات للنيجر.
وغالبية مبلغ ملياري دولار سنويا من المساعدات التي تتلقاها النيجر، قادم من الغرب، كما أن هناك 1200 جندي فرنسي يساعد النيجر في حربها ضد المتطرفين، وقدمت الولايات المتحدة مساعدة لتدريب القوات المسلحة النيجيرية.
وقدمت هذه المساعدات الغربية نتائج حاسمة، وفقا لأسوشيتد برس، حيث أن الوضع الأمني في النيجر ليس سيئا كما هو الحال في بوركينا فاسو أو مالي المجاورتين، اللتين تقاتلان أيضا تمردا مرتبطا بتنظيم القاعدة وتنظيم داعش.
وفي العام الماضي، كانت النيجر الوحيدة من بين الدول الثلاث التي شهدت انخفاضا في العنف، وفقا لمشروع بيانات مواقع وأحداث النزاع المسلح.
وتعمل فاغنر في مالي وبوركينا فاسو.
ويدعو ساني الولايات المتحدة إلى الاستثمار في الصحافة الأفريقية لإطلاع الرأي العام الأفريقي على حقيقة الدور الروسي فيه.
والسبت، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن التعاون الأمني والاقتصادي المستمر مع الولايات المتحدة يتوقف على إطلاق سراح رئيس النيجر، محمد بازوم – الذي لا يزال قيد الإقامة الجبرية – و”الاستعادة الفورية للنظام الديمقراطي في النيجر”.
وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا ماكرون إنه تحدث إلى بازوم وسلفه الأحد.
وعلقت فرنسا السبت جميع المساعدات الإنمائية والمالية للنيجر.