عادت أزمة سد النهضة إلى دائرة الضوء مرة أخرى، مع استعداد الطرفين الإثيوبي والمصري لاستئناف المفاوضات التي كانت قد توقفت لفترة طويلة، لكن المختلف هذه المرة هو تحديد سقف زمني للتوصل إلى اتفاق.
وقال وزير الموارد المائية والري المصري، هاني سويلم، إن العمل جار حاليا للإعداد لمفاوضات سد النهضة مع إثيوبيا، لافتا إلى سقف زمني محدد لتلك المفاوضات، ولا يمكن أن تكون ممتدة مثلما كان في السابق، بحسب قوله.
ويأتي حديث سويلم، بعد أن اتفق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، في 13 يوليو الماضي، على الانتهاء خلال أربعة أشهر من صياغة اتفاق حول ملء وتشغيل سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا وتخشى كل من القاهرة والخرطوم تأثيره عليهما.
ورغم إعراب سويلم عن تفاؤله الحذر بشأن المفاوضات، شكك مدير مركز البحوث العربية والأفريقية، مصطفى مجدي الجمال، في حديثه مع موقع “الحرة” في إمكانية التوصل إلى اتفاق خلال هذه المدة، “لأن نوايا الطرف الإثيوبي واضحة منذ سنوات”.
وقال الجمال “رئيس الوزراء الإثيوبي، يلعب نفس اللعبة المكررة وهي كلما يقترب ملء السد يبدي بعض المرونة الشكلية لكسب مزيد من الوقت، وعندما ينتهي الملء يوقف المفاوضات. ستتكرر نفس المطالب، وسيقابل الطرف المصري بنفس الردود ولن يصلوا إلى شيء للأسف”.
واعتبر الجمال أنه ليس ثمة فرق بين الاتفاق الأخير خلال الشهر الجاري بين السيسي وأبيي أحمد، وإعلان المبادئ، “كلها اتفاقيات لا يحترمها الجانب الإثيوبي”.
ومنذ 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتفاق حول ملء سد النهضة وتشغيله، إلا أن جولات طويلة من التفاوض بين الدول الثلاث لم تثمر حتى الآن اتفاقا.
من جانبه يرفض المحلل الإثيوبي، جمال بشير، “استباق الأحداث”، مضيفا في الوقت ذاته بأن بلاده مستعدة للتفاوض.
وأقر بشير، في حديثه مع موقع “الحرة” بأن المدة الزمنية المحددة للتوصل إلى اتفاق، “قصيرة جدا خاصة مع وجود مسائل خلافية كبيرة عالقة، تتعلق بتشغيل السد وإدارته، إلا إذا بنوا مفاوضاتهم على اتفاق سابق وأبقوا الأمور السياسية العالقة للتفاهم فيها لاحقا”.
لكنه يضيف أن “إثيوبيا ليست هي من حددت السقف الزمني للتوصل إلى اتفاق، بل إن الطرفين ممثلين في رئيس الوزراء الإثيوبي والرئيس المصري هما من حددا ذلك معا، لذلك علينا أن ننتظر النتائج”.
ورغم أن مصر والسودان حضتا مرارا إثيوبيا على تأجيل خططها لملء خزان السد إلى حين التوصل لاتفاق شامل، فقد أعلنت أديس أبابا، في 22 يونيو، استعدادها لإطلاق المرحلة الرابعة من ملء خزان السد الذي تبلغ سعته نحو 74 مليار متر مكعب من المياه.
ويتهم بشير الطرف المصري بالتناقض، “دائما يتهم إثيوبيا بأنها تريد أن تضر بمصر، وفي الحقيقة، نحن قمنا بثلاث مراحل من ملء السد، ولم يحدث أي ضرر جسيم ولو حتى بسيط يذكر على مصر”.
من جانبه يقول الجمال: “نعم، حتى الآن ليس هناك تأثير كبير على مصر، لكن الأزمة ستتضح عندما يحدث جفاف، قد يحبس الجانب الإثيوبي المياه عن مصر، ولا نعلم المدة التي ستستمر فيها سنوات الجفاف ولا متى، لأنها تخضع لظروف الطبيعة، وعندما يحدث ذلك، فستمر مصر بوقت عصيب للغاية”.
لكن بشير يقول إن “الجفاف ستعاني منه إثيوبيا قبل مصر، وفي هذه الحالة علينا أن نحدد كم تخزن كل دولة من المياه، فمصر تخزن 162 مليار متر مكعب وإثيوبيا سيكون لها بعد الملء النهائي ما مجموعه حوالي 100 مليار متر مكعب، ولذلك فإن إثيوبيا هي من يجب أن يُشفق عليها”.
وشدد وزير الموارد المائية المصري، على أن “الحقوق المائية لمصر خط أحمر لنا كلنا كمفاوضين، وأن التفاوض ليس على مستوى الحقوق المائية لمصر فهي خط أحمر لكن على طريقة ملء وتشغيل السد”.
يتهم الجمال، إثيوبيا بأنها “تريد أن تتحكم في مياه النيل ومصير المصريين، وأنها تخطط لبيع المياه باعتبار أن مياه النيل هبة من الله لهم، وأن الاتفاقيات القديمة الخاصة بحصص مصر من النهر تعتبر استعمارية، وأنها يمكن أن تستخدمه كسلاح من أجل مصالح دول إقليمية أخرى”.
في المقابل، يقول بشير “إثيوبيا دولة موجودة أعلى الجبال، والمياه تخرج منها، وهذا سلاحهها، والأمر يعود إلى مسألة أنها دولة منبع ولها الحق في الاستفادة من الموارد التي وهبها الله إياها”.
ويضيف: “إثيوبيا لن تلعب بورقة المياه من أجل مصالح دول أخرى، لأنها تعلم أنها أول من سيتضرر بذلك، فالتجارة التي تجمع البلدين كبيرة ولا أرى سببا سيدفع أديس أبابا لسلوك هذا الطريق”.
تعتمد مصر على نهر النيل لتأمين 97% من احتياجاتها المائية.
دشنت إثيوبيا رسميًا في فبراير 2022 إنتاج الكهرباء من السد الذي تُقدّمه على أنّه من بين الأكبر في إفريقيا. وتمّ تعديل هدف إنتاجه من 6500 إلى 5000 ميغاوات، أي ضعف إنتاج إثيوبيا الحالي، ويتوقع أن يبلغ كامل طاقته الإنتاجية عام 2024.
ويتفق بشير مع الجمال بأنه من الأفضل التوصل إلى اتفاق بين البلدين بشأن تشغيل السد وإدارته في زمن الجفاف وبعض أوقات نقص المياه “لكن في الوقت ذاته، فإن إثيوبيا لا يمكن أن تقبل بالتدخل السافر ومطالب البعض بأن تكون هناك إدارة مشتركة للسد”.
وحول ما إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق خلال أربعة أشهر، قال الجمال: “النظام المصري ليس في يده أي شيء يمكنه أن يقوم به لأن الظروف السياسية والاقتصادية والأوضاع الموجودة في السودان لن تسمح له باتخاذ أي إجراء ذي مغزى”.