أعلنت أنقرة عن عدة إجراءات عقب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى مصر مؤخرا بحق قادة جماعة الإخوان، لعل أبرزها سحب الجنسية من القائم بأعمال مرشد الإخوان محمود حسين، وهو ما يعد أولى نتائج الزيارة تمهيدا لإغلاق أحد أبرز ملفات الخلاف بين البلدين، أي موضوع جماعة الإخوان.
ويحمل سحب الجنسية إشارة سياسية كبيرة وتبعات كثيرة، فهناك طواقم عديدة تعمل في وكالات أنباء ومواقع ومؤسسات تركية من إخوان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وقد يشعر هؤلاء بالتهديد والخوف على مصيرهم.
وهناك عاملون في مجال الإعلام على الأراضي التركية ليسوا ناشطين بالمعني السياسي الحرفي حتى يمكنهم اللجوء إلى بعض دول أوروبا، لذلك سيظل يسيطر عليهم هاجس أن تبنّي مواقف أيديولوجية أو الدفاع عن سياسة معينة لهما عواقب وخيمة، إذ يمكن التضحية بهم.
ولأجل ذلك من سيبقى منهم في تركيا سيتناول الشأن المصري بهدوء، أما السوري منهم فيستعد لانقلاب مشابه يبدو واردا بين أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، وهو انقلاب سيدفع أنقرة إلى التخلي عن المجموعات السورية التي وظفتها ورقة ضد دمشق عسكريا وسياسيا وإعلاميا.
ويقول مراقبون إن مطالب القاهرة، المتعلقة بسحب الجنسية من قيادات إخوانية ومراقبة التحويلات المالية واتخاذ إجراءات صارمة ضد النشطاء الإخوان، كانت من الشروط الأساسية لعقد لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وأردوغان، كي لا تُترك هذه الثغرة للاستخدام التركي في مساومات ومقايضات إقليمية متوقعة.
ويشير المراقبون إلى أن مصر تريد عدم استقرار قطار التطبيع عند محطة لقاء الرئيسين في القاهرة، وهو ما سوف يتعزز بلقاء آخر مرتقب خلال أبريل المقبل في أنقرة، ولذلك يجب نزع ورقة الإخوان بشكل شبه كامل من يد تركيا لتبدأ فعليّا مرحلة تقوم على المصالح الحقيقية المتبادلة.
وظهرت قسوة الإجراء بحق القائم بأعمال مرشد الإخوان من ردود أفعال الموالين للجماعة، حيث اعتبر أحدهم (عمرو عبدالهادي) أن طريقة سحب الجنسية لا تتناسب مع محمود حسين سنّا ومقامًا، وقال “كان يجب تمكينه من الخروج من البلاد قبل تجريده منها”.
ولم تقتصر الإجراءات على سحب جنسية أبرز قائد في جماعة الإخوان وإبطال جواز سفره إنما شملت ترحيل عناصر من حركة “حسم” المسلحة وعناصر أكاديمية تعمل في جامعات تركية وفرض قيود على أنشطة عناصر من المقيمين وتقييد أنشطتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. كما طالبت الأجهزة التركية كوادر الجماعة بعدم نشر أخبار مسيئة أو تدوينات تنتقد النظام المصري وهددت المخالفين بالترحيل فورًا من البلاد.
وفرضت السلطات التركية قيودًا مشددة على تحركات شخصيات مدانة ومحكوم عليها بالإعدام ومنتمية إلى الجماعة أو موالية لها، وهو ما لم يحدث منذ الإعلان عن إعادة العلاقات وترقيتها إلى مستوى السفراء في يوليو الماضي.
وظلت أنقرة، منذ بدء مسار التقارب مع مصر قبل حوالي ثلاثة أعوام، تناور بورقة الإخوان، وأظهرت قدرتها على التحكم فيها أمام الفرقاء الإقليميين عبر إصدار الأمر بوقف هجوم قادة الجماعة وناشطيها على مصر أو تخفيفه أو ترحيل إعلاميين وإغلاق قنوات بلا مساس بقادة مؤثرين.
وبقيت الإجراءات التركية التي جرى اتخاذها بشأن المنصات الإعلامية غير كافية في نظر القاهرة لترقية التطبيع على مدار العامين الماضيين.
وامتنعت القاهرة عن تطبيع العلاقات مع أنقرة بصورة شبه مجانية، لأن جماعة الإخوان التي نقلت منصاتها التحريضية من تركيا إلى دول أخرى في آسيا وأوروبا مازال قادة في صفها الأول وناشطون فيها يتحركون بحرية في تركيا، ويمكنهم مع الوقت تطوير أدواتهم لإرباك الداخل المصري.
ولم تؤثر انقسامات الإخوان على بقاء واستمرار الكتلة الصلبة للتنظيم والمقدرة بخمسمئة ألف عضو، منهم حوالي سبعة آلاف في تركيا، حيث أدارت الجماعة في ظل أزمتها عملية تبادل أدوار للحفاظ على حضورها في المشهد وإرضاء كل التوجهات داخلها وامتلاك قدرة على نفي المسؤولية عن العنف وفشل محاولات الصلح والتقارب مع القاهرة.
ولذلك لم تقبل القيادة المصرية إلا بإجراءات كبيرة وذات سقف مرتفع ضد جماعة كان النظام التركي طوال العقد الماضي هو الداعم الرئيسي لها.
وتعلم الأجهزة الأمنية في مصر أنه في خضم الانخراط في لقاءات اختبار الثقة مع مسؤولين أتراك كان نشاط الجماعة انطلاقًا من الأراضي التركية قائما، ومن ملامحه تنظيم مؤتمرات علنية وإدارة مراكز بحثية وهيئات تحمل عناوين ثقافية وفكرية تتناول القضايا من زاوية تؤثر في توجهات الرأي العام الدولي تجاه مصر وتخدم رؤية تركيا ومصالحها.
يأتي تجاوب أنقرة أو تلبيتها أخيرا مطالب القاهرة المتعلقة بملف الإخوان لحاجتها إلى تجاوز عقبات حالت دون رفع التمثيل في المباحثات بينهما وعرقلت ذات يوم تطوير مسار التطبيع إلى مستوى أعلى.
وتريد تركيا الشروع في تفعيل التعاون مع مصر على تناول قضايا إقليمية تهمهما، وتطوير ملفات التبادل التجاري وتعزيز روابط الشأن الاقتصادي عامة.
وتدرك أنقرة أن ورقة الإخوان احترقت سياسيا الآن ولم تعد تمثل عنصر قوة أو ضغط على النظام المصري، وفقدت بريقها ودواعي انجذاب قوى غربية إليها لتوظيفها، كما أن حاجة حزب العدالة والتنمية التركي إلى الاستفادة منها في الاستحقاقات الانتخابية لم تعد ملحة مقارنة باستحقاقات سابقة.
ويدل اتخاذ تركيا إجراءات صارمة ضد قادة جماعة الإخوان وناشطيها المؤثرين وضد المجنسين على تغليب نظامها مصلحة الدولة على مصلحة الجماعة، وأن العلاقات مع تيار الإسلام السياسي لن تعود كما كانت.