وتحسباً لمثل هذه الضربة الاسرائيلية أخلى حزب الله بعض المواقع الرئيسية في الجنوب والضاحية والبقاع تزامناً مع جهود دبلوماسية واتصالات دولية من أجل احتواء الرد الإسرائيلي ليكون محدوداً في الحجم والمكان وتجنب قصف الضاحية الجنوبية حيث الاكتظاظ السكاني، ما سيستدعي رداً مقابلاً من حزب الله قد يطال حيفا وربما تل أبيب ويؤدي إلى انزلاقات خطيرة. إلا أن صحيفة “نيويورك تايمز” خالفت تلك الانباء وأوردت “أن التوقعات السائدة أن الرد الإسرائيلي قد يكون أكبر من المتوقع”.
ورداً على المزايدات الإسرائيلية بضرورة تنفيذ هجوم قاس على حزب الله ووصلت إلى حد مطالبة وزير المال الإسرائيلي باغتيال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وتدفيع كل لبنان الثمن، حذّرت وزارة الخارجية الإيرانية إسرائيل من “أي مغامرة جديدة ضد لبنان”، وأكدت أن “أي هجوم إسرائيلي متهور ضد لبنان يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق عدم الاستقرار وانعدام الأمن والحرب في المنطقة”.
بوحبيب ينبّه من الحرب
كذلك، لفت وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب إلى أن “أي حرب على لبنان ستتحول إلى حرب إقليمية وستكون مدمرة للجميع، وليس فقط للبنان كما يعتقد البعض”، ورأى “أن إسرائيل تدعي البطولة، لكن كل الدول تُقهر، لذلك من الأفضل ضبط النفس”، وقال بو حبيب في حديث إلى “سكاي نيوز عربية”: “يجب تشكيل لجنة دولية للتحقيق في مصدر الهجوم على مجدل شمس في الجولان المحتل، ويمكن التعاون مع اليونيفيل وتم التواصل مع حزب الله وهو ينفي مسؤوليته عن الهجوم”. وأضاف “نجري اتصالات واسعة لمنع التصعيد. وحكومة لبنان تدعو دائماً إلى ضبط النفس”.
ويأتي موقف وزير الخارجية اللبناني بعد بيان للحكومة اللبنانية مساء السبت أعلنت فيه “إدانتها كل اعمال العنف والاعتداءات ضد جميع المدنيين ودعوتها إلى الوقف الفوري للأعمال العدائية على كل الجبهات”، مشددة على “أن استهداف المدنيين يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ويتعارض مع مبادئ الإنسانية”.
واتصلت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جينين هينيس بلاسخارت برئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أكد لها “أن لبنان الذي تتعرض قراه الجنوبية لا سيما الحدودية منها منذ ما يزيد عن 9 اشهر لعدوان اسرائيلي متواصل لم توفر فيه الآلة العسكرية الإسرائيلية بأسلحتها المحرمة دولياً “الفوسفور الأبيض” المدنيين والمساحات الزراعية والطواقم الإسعافية والإعلاميين، وبالرغم من هذه الانتهاكات الإسرائيلية الفاضحة والصريحة لمندرجات القرار 1701 إلا أن لبنان ومقاومته ملتزمان بهذا القرار وبقواعد الاشتباك بعدم استهداف المدنيين”. وقال “إن نفي المقاومة لما جرى في بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتل يؤكد بشكل قاطع هذا الالتزام وعدم مسؤوليتها ومسؤولية لبنان عن ما حصل”.
هوكشتاين اتصل بجنبلاط
على الخط الدرزي، تلقى الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط اتصالاً من الموفد الأمريكي آموس هوكشتاين الذي أعرب عن قلقه من التطورات، فيما عبّر جنبلاط ببيان عن مخاوفه من إشعال فتنة، وقال “أمام الواقعة المصاب التي طالت بلدة مجدل شمس في الجولان المحتل، فإنه لا بد مما يلي: أولاً: تقديم خالص التعازي والمواساة بالضحايا الشهداء الذين قضوا لعائلاتهم وعموم أبناء الجولان السوري المحتل. ثانياً: إن استهداف المدنيين أمر مرفوض ومدان، أكان في فلسطين المحتلة أو الجولان المحتل، أو في جنوب لبنان، وتاريخ وحاضر العدو الإسرائيلي مليء بالمجازر التي ارتكبها ويرتكبها ضد المدنيين دون هوادة، والدعوة إلى الجميع في لبنان وفي فلسطين والجولان من أي انزلاق أو تحريضِ في سياق مشروع العدو التدميري، إذ يبقى المطلوب عدم توسع الحرب ووقف فوري للعدوان ولإطلاق النار. ثالثاً: في ضوء بيان حزب الله الذي ينفي علاقة المقاومة الإسلامية بما حصل في مجدل شمس، فإننا نشدد التحذير والتنبيه مما يعمل عليه العدو الإسرائيلي منذ زمنٍ بعيد لإشعال الفتن وتفتيت المنطقة واستهداف مكوّناتها، وقد أسقطنا هذا المشروع في السابق، وإذ يطل برأسه من جديد فنحن له بالمرصاد إلى جانب المقاومة وكل المقاومين الذين يواجهون الإجرام والاحتلال الإسرائيلي”.
كذلك، أكد رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان أن “ما حدث ما هو إلا محاولة خسيسة فاشلة لسلخ الجولان العربي السوري عن طبيعته الجغرافية وامتداداته العائلية وهو الذي كان وما يزال يرفض التواطؤ على هويته السورية العربية”. وقال في بيان: “إن الجولان لن يقع في فخ مشروع إسرائيل للتظاهر بحماية الأقليات التي لا تبتغي منه إلا تفتيت المنطقة إلى دويلات تحمي حدوده المزورة، كما أننا نعتبر ان محاولات إسرائيل المتكررة للتلطي خلف المدنيين للخروج من مأزقها المدان لدى كل شعوب العالم الحر لن يمر وسيرفضه الجولان بشبابه وشيبه حتى التحرير الكامل، كما سنرفضه نحن دائما وأبداً وهذا تاريخنا الذي تعودناه ولسوف نعتنقه نهجاً شريفاً طالما حيينا”.
اما رئيس حزب التوحيد وئام وهاب فدعا “إلى تحقيق مستقل تشارك فيه الأمم المتحدة لكشف ملابسات مذبحة مجدل شمس”، وكتب على منصة “أكس”: “دمنا ليس رخيصاً”. وكانت تغريدة أولى لوهاب أثارت انزعاج مؤيدين لحزب الله حيث قال “مجدل شمس البلدة التي حافظت على هويتها وعروبتها وتمسكها بسوريا تدفع اليوم ثمناً كبيراً. تحية لأهلنا في مجدل شمس والعزاء لأهالي الشهداء ولنتبين بالبداية ماذا حصل”. فرد وهاب واصفاً منتقديه بـ “الكلاب”. وأضاف “لبعض كلاب وسائل التواصل: الشهداء في الجولان عرب سوريون وحافظوا على هويتهم العربية منذ العام 67 وهم أشرف منكم لأنهم حافظوا عليها دون مقابل ولم يقبضوا مثلكم ثمن كلامهم”، وختم “الأفضل انو يربطوكن أصحابكم ما حدا بدو فتنة”.
تحية من الخطيب
وتقديراً لمواقف المرجعيات الدرزية، اتصل نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ علي الخطيب بكل من جنبلاط وارسلان وشيخ العقل لطائفة الموحدين الدروز الشيخ سامي أبي المنى، وحيّا “مواقفهم الشجاعة والوطنية تجاه مجزرة مجدل شمس”. وقال: “هذه المواقف تعبّر عن وعي وفهم عميقين لما يحيكه العدو الإسرائيلي من دسائس ومؤامرات لإشعال الفتنة، وخلق الذرائع لتوسيع عدوانه على لبنان واللبنانيين”. وختم: “موقف المقاومة كان واضحاً وشجاعاً في هذا المجال. لا يمكن لهذه المقاومة أن تستهدف قرى عربية ومواطنين عرباً ما زالوا يتمسكون بهويتهم العربية السورية على الرغم من كل الضغوط التي مارسها ويمارسها الكيان الصهيوني عليهم”.
بدوره، وجّه المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان رسالة إلى “الأخوة الموحّدين الدروز” جاء فيها: “للأخوة الموحدين الدروز في لبنان وسوريا وفلسطين أقول: الدم واحد والنفس واحدة والحرب واحدة والعدو واحد والعزاء واحد، وما جرى بمجدل شمس لا يمتُّ للمقاومة بصلة، وهذا أمر محسوم، وتاريخ سلطان باشا الأطرش شريك بكل جبهات المقاومة وملاحمها، والمسرحية الإسرائيلية لما جرى بمجدل شمس حياكة قاتل يمسح دم إجرامه بدموع عينيه، وجزّار غزة وعدو الرب والإنسانية لا يُصدّق، وهدف الصهيوني تمزيق وحدتنا وتغطية مذبحة غزة وأشلاء أطفالها ونسائها بدموع التماسيح التي لا تشبع من الدماء والمذابح، ولم يدفع أحد بهذا العالم أثمان استنقاذ الجولان وفلسطين وأهلها كما دفعت المقاومة”.
وأضاف قبلان “لتل أبيب كلمة: الحرب بالحرب، والدمار بالدمار، والتوسعة بالتوسعة، ولهفة القتال التاريخي لا حد لها، وصليات الصواريخ الثقيلة الكفيلة بإغراق تل أبيب ومدن إسرائيل بالدمار والنار رهن الإشارة، وأي كسر لقواعد القتال ستقابل بكسر أثقل منه، وما أشوقنا لحرب تثأر من قَتلَة الأنبياء والأولياء وخونة الأرض والإنسان، وأي مجازفة حمقاء ستُقابل برد مزلزل يطال مدن إسرائيل وبنيتها التحتية، وإغلاق البحر المتوسط والشرايين الأخرى على إسرائيل بمنتهى السهولة، وكل المنطقة الآن جاهزة للحظة التاريخ، ولن تتردد المقاومة لحظة واحدة بإشعال أكبر حروب الثأر من إسرائيل”.
قلق وتأخر طائرات
اما على الصعيد الميداني، فقد أعلن جيش الاحتلال عن شن غارات وهجمات جديدة على 7 مناطق مُختلفة في عمق وجنوب لبنان، مشيراً إلى أنه استهدف مخازن أسلحة في مناطق شبريحا برج الشمالي، البقاع، رب ثلاثين، الخيام وطيرحرفا. وأغارت مسيّرة اسرائيلية بصاروخين على بلدة كفركلا ثم على بلدة شيحين، كما قصفت مدفعية الجيش الاسرائيلي اطراف الناقورة.
اما حزب الله فأعلن في بيان “استهداف تموضع لجنود العدو الإسرائيلي في مستعمرة المنارة، بالأسلحة المناسبة وأصابه إصابة مباشرة ما أدى إلى احتراقه وإصابة من فيه” ثم استهداف تموضعا آخر في مستعمرة “شتولا”. وسبق ذلك تطور لافت مع اطلاق حزب الله مسيّرة نحو حقل كاريش للغاز للمرة الأولى منذ بدء المواجهات. وقد أعلن الجيش الإسرائيلي “أن سفينة صواريخ تابعة للبحرية الإسرائيلية اعترضت مسيّرة دخلت من الأراضي اللبنانية إلى المياه الاقتصادية الإسرائيلية”. وأفادت وسائل إعلام عبرية “أن المسيرة الآتية من أجواء لبنان، والتي أسقطتها سفينة حربية بالتعاون مع سلاح الجو الإسرائيلي، كانت متجهة نحو حقل كاريش الإسرائيلي للغاز في المتوسط، ويُرجح أنها استخبارية”.
إلى ذلك، دعت “اليونيفيل” “جميع الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس”، وحذّرت من “ان التصعيد على الحدود قد يشعل صراعاً واسع النطاق”.
من ناحيتها، دعت فرنسا مواطنيها إلى تجنب السفر إلى لبنان وإسرائيل، كذلك أصدرت وزارة الخارجية النرويجية، بياناً دعت فيه المواطنين النرويجيين إلى مغادرة لبنان. وفي ظل حال القلق أفيد عن تأخر عودة بعض رحلات طيران الشرق الأوسط من مساء الاحد إلى صباح الاثنين.