يثير إعلان حزب الله اللبناني، عن انتهاء ما أسماها بـ”المرحلة الأولى” من هجومه على إسرائيل، الأحد، تساؤلات حول ما إذا كان هذا الهجوم المنتظر منذ أسابيع كـ”رد” على مقتل القيادي العسكري في صفوفه، فؤاد شكر، قد يستمر أو يتطور لحرب أوسع، أم أنه مجرد محاولة لـ”حفظ ماء الوجه” يكتفي بها، خاصة مع تجدد الدعوات الدولية والإقليمية لوقف تصعيد الصراع.
وأعلن حزب الله، المصنف إرهابيا في الولايات المتحدة ودول أخرى، صباح الأحد، شن هجوم تخلله إطلاق عدد كبير من المسيرات و”أكثر من 320 صاروخ” كاتيوشا على مواقع عسكرية في شمال إسرائيل، في إطار رده على مقتل شكر بغارة إسرائيلية في 30 يوليو الماضي.
جاء ذلك، بعيد إعلان الجيش الإسرائيلي شنّ ضربات في جنوب لبنان، لمنع “هجوم كبير” من الحزب المدعوم من طهران.
وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إنه دمر “آلاف منصات” إطلاق الصواريخ التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، وذلك في سلسلة ضربات واسعة، فجر الأحد، شاركت فيها “نحو 100 طائرة” حربية.
وأضاف: “قامت نحو 100 طائرة حربية تابعة لسلاح الجو، بتوجيه من القيادة الشمالية وهيئة الاستخبارات، باستهداف وتدمير آلاف المنصات التابعة لحزب الله الإرهابي والتي تم وضعها وزرعها في جنوب لبنان”، مشيرا إلى أن معظمها “كانت موجهة نحو منطقة الشمال وبعضها نحو منطقة وسط البلاد”.
وفي مقابلة مع قناة “الحرة”، أكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، أن حزب الله “كان يستعد لتوجيه ضربات بآلاف الصواريخ” ردا على مقتل القيادي في ميلشياته، شكر، قائلا: “لقد منعنا حزب الله من تحقيق مخططه، إذ جرى تدمير منصات إطلاق الصواريخ (قبل إطلاقها)، واعتراض ما جرى إطلاقه، وبالتالي لم تكن هناك خسائر بشرية أو خسائر مادية كبيرة”.
وشدد أدرعي على أن الجيش الإسرائيلي يعمل منذ الثامن من أكتوبر على إضعاف قدرات حزب الله، وذلك وصولا إلى الهدف الذي تسعى بلاده إليه، بـ”منعه من شن أي هجمات على شمالي البلاد، وتهديد حياة السكان هناك”.
“المرحلة الأولى!”
زعمت الجماعة المدعومة من إيران، في عدة بيانات، أنه “تم الانتهاء من المرحلة الأولى بنجاح كامل”، مضيفة أنها “مرحلة استهداف الثكنات والمواقع الإسرائيلية تسهيلا لعبور المسيرات الهجومية باتجاه هدفها المنشود”.
لكن خبراء ومحللين خلال حديثهم لموقع “الحرة”، أكدوا أن ما جاء في بيان الجماعة بشأن “المرحلة الأولى”، “لا يعني أنها ستحاول تنفيذ هجمات جديدة واسعة النطاق على إسرائيل”.
وقال المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآف شتيرن، إن “حزب الله عندما يتحدث عن ‘المرحلة الأولى’، فإنه يهدف إلى إبقاء الأمور غامضة بشأن الخطوات التالية، مما يتيح له إمكانية اتخاذ إجراءات إضافية في المستقبل، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنه يعتزم تنفيذ تلك الخطوات”.
وأضاف لموقع “الحرة” أن حزب الله “يقول هذا الآن، ولا يعني بالضرورة أن تكون هناك مرحلة ثانية لاحقة”، مشيرا خلال حديثه إلى أن حزب الله “تجاهل حقيقة ما حدث فعلا، حيث أحبطت إسرائيل الهجوم من خلال ضربة استباقية”.
“بروباغندا سياسية”
واتفق مع هذا الطرح، المحلل السياسي اللبناني، فارس سعيد، الذي قال لموقع “الحرة” إن حزب الله “يروّج للهجوم من أجل بروباغندا سياسية” أمام أنصاره.
وأضاف: “ما يريد أن يقوله الحزب إنه قام بالرد على مقتل فؤاد شكر. لكن في الحقيقة ما قام به هو ‘رفع عتب’ وأظهر أنه غير قادر على تنفيذ تهديداته”.
وتوقع سعيد خلال حديثه أن “يكتفي حزب الله بما قام به”، مشيرا إلى أن “المجتمع الدولي والرأي العام العالمي يدرك حقيقة تفوق إسرائيل العسكري على حزب الله، الذي ربما وجد نفسه مضطرا للرد وحيدا على مقتل شكر، بعد أن تخلت عنه إيران في هذه المرحلة”.
واعتبر المحلل السياسي اللبناني أن ما قام به حزب الله “لا يتناسب تماما مع مقتل قيادي عسكري بارز”، قائلا: “لا يمكن المقارنة بين مقتل قيادي بارز في الحزب، ورد محدود من خلال مجموعة قذائف اسُتهدفت حتى قبل إطلاقها”.
وفي بيان ثالث له، الأحد، قال حزب الله إنه “تم إطلاق جميع المسيرات الهجومية في الأوقات المحددة لها ومن جميع مرابضها”، قائلا إنها “عبرت الحدود.. من مسارات متعددة”، مدعيا أنه بهذا تكون “العملية العسكرية لهذا اليوم تمت وأُنجزت”.
ويتبادل حزب الله وإسرائيل إطلاق النار بشكل شبه يومي منذ بدء الحرب بين إسرائيل وحركة حماس (المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة ودول أخرى) بقطاع غزة في السابع من أكتوبر.
لكن منسوب التوتر ارتفع في الأسابيع الأخيرة، بعد مقتل شكر، في 30 يوليو، بغارة إسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت.
وقُتل شكر قبل ساعات من مقتل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في طهران، في ضربة نُسبت إلى إسرائيل. وتوعدت طهران وحزب الله منذ ذلك الحين بالرد على مقتلهما.
“نحو التصعيد”
ولدى الجماعة المدعومة من إيران ما يصل إلى 150 ألف صاروخ وقذيفة، وفقا لكتاب حقائق العالم الصادر عن وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
ويقول حزب الله إن لديه صواريخ يمكنها ضرب جميع مناطق إسرائيل. والكثير من تلك الصواريخ غير موجهة، لكن الجماعة لديها أيضا طائرات مسيرة وصواريخ مضادة للدبابات والطائرات والسفن وقذائف دقيقة، وفقا لوكالة رويترز.
في هذا السياق، شدد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي خلال حديثه مع “الحرة”، على أن “العمليات مستمرة” ضد حزب الله اللبناني، حيث تتم “توجيه ضربات استباقية تمنع حدوث أي اعتداءات”.
وقال أدرعي: “الجيش الإسرائيلي يراقب الأمور عن كثب ويرصد أي تحركات، وبالتالي توجيه ضربات استباقية تمنع حدوث أي اعتداءات، كما جرى اليوم حيث تمكنا من إحباط معظم المخطط الإرهابي”.
ونبه إلى أن المشكلة “لا تكمن في الترسانة الضخمة التي يمتلكها حزب الله فقط، التي تقدر بنحو 150 ألف صاروخ”، مضيفا: “القضية تتعلق بضرورة تعامل الحكومة اللبنانية مع ذلك الحزب الذي يشكل خطرا على أبناء شعبها”، متهما تلك الجماعة بـ”إنشاء مستودعات ومخازن أسلحة في مناطق سكنية”.
وبعد اجتماع حكومي طارئ، الأحد، مع تجدد الاشتباكات بين إسرائيل وحزب الله، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، إن “المطلوب هو وقف العدوان الإسرائيلي أولا، وتطبيق القرار 1701″، مشيرا إلى أنه يجري “سلسلة من الاتصالات مع أصدقاء لبنان لوقف التصعيد”.
وقرار مجلس الأمن الدولي 1701، الذي وضع حدا لحرب يوليو 2006، أرسى خلال السنوات الماضية، وقفا للأعمال القتالية بين إسرائيل وحزب الله، وعزز انتشار قوة يونيفيل في جنوب لبنان. وبموجبه، انتشر الجيش اللبناني للمرة الأولى منذ عقود على الحدود مع إسرائيل بهدف منع أي وجود عسكري “غير شرعي” عليها.
ورغم تجدد الدعوات الدولية خلال الساعات الماضية، والمطالبة باحتواء التصعيد على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، استبعد الخبراء في تصريحاتهم لـ”الحرة”، أن “تؤدي الهجمات إلى صراع أوسع أو حرب تقليدية شاملة”، إذ قال سعيد إن “الأوضاع العسكرية خلال الساعات أو الأيام المقبلة لن تتطور إلى أكثر من قواعد الاشتباكات المعروفة منذ أشهر”.
وأضاف المحلل السياسي اللبناني: “من المستبعد تماما أن تندلع حرب تقليدية في الجنوب اللبناني”، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة ترفض بطبيعة الحال اندلاع حرب إقليمية، رغم أن إيران تسعى إليها من خلال وكلائها”.
وإيران هي الداعم الرئيسي ومورد الأسلحة الأساسي لحزب الله والجماعات التي ترتبط معها بمصالح مشتركة، على غرار حماس في غزة والحوثيين في اليمن، وجماعات مسلحة أخرى في العراق وسوريا.
بدوره، أكد شتيرن على أن “ما جاء من بيانات متلاحقة من حزب الله يشير إلى أن الحرب تحولت إلى حرب إعلامية بالمقام الأول”، لافتا إلى أن “هذا الأمر قد يكون الخيار الأفضل بالنسبة للطرفين، من أن تكون هناك حرب فعلية”.
وأضاف أن “هذا بحد ذاته مؤشر إيجابي على الواقع الحالي، وما ستؤول إليه الأمور خلال الفترة المقبلة”.
واعتبر المحلل السياسي الإسرائيلي أن “إيران كانت على علم بما يجري وبما هو متوقع، ويبدو أن هذا الرد جاء بالتنسيق معها وموافقتها، مما يشير إلى أنها فضلت ردا محدودا من حزب الله، حتى لو فشل”.
وقال: “هذه كلها مؤشرات إيجابية جدا، وتظهر أن احتمالات نشوب حرب إقليمية واسعة النطاق قد انخفضت بشكل ملحوظ، مقارنة بما كانت عليه قبل يوم واحد فقط”.