وأراد الرئيس ميقاتي أن تشكّل زيارته غسيلاً للقلوب وتمهّد لصفحة جديدة بين رئاسة الحكومة والبطريركية المارونية وطمأنة لسيّد الصرح بأنه لا يريد الاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية ولا استغلال الفراغ الرئاسي لإجراء تعيينات في غير زمانها وآخرها في حاكمية مصرف لبنان، معتبراً أن “ما يجمعنا أكثر مما يفرّقنا”. أكثر من ذلك، فإن ميقاتي الذي اصطحب معه عدداً من الوزراء يمثلون مختلف الأطياف والطوائف اقترح عقد جلسة وزارية تشاورية في الديمان المقر الصيفي للبطريركية للبحث في المخاطر التي تتهدّد اللبنانيين وفي طليعتها النزوح السوري الذي يؤرق بكركي.
غير أن دعوة ميقاتي لعقد لقاء وزاري في الديمان رأى فيها بعضهم طلباً لغطاء مسيحي مفقود، وعاجلها بعضهم الآخر بتحفظات واعتراضات بدأت طلائعها من وزير السياحة وليد نصار الذي أفيد بأنه لن يشارك في مثل هذه الجلسة، ورأى فيها “سابقة غير صحية دستورياً وتجعل الفرقاء جميعاً أبعد أكثر فأكثر عن الاستحقاق الرئاسي”.
من جهته، غرّد النائب التغييري مارك ضو على “تويتر” قائلاً: “رئيس الوزراء اقترح عقد اجتماع مجلس الوزراء في الديمان!!!! حذاري! مجلس الوزراء ملك الشعب وله مقره ومؤسساته لا تستغله يا دولة الرئيس بألاعيب وشعبوية ولا توظفه تحت قبة طائفة أو فئة. المطلوب سحب الكلام فوراً والتراجع عنه، هذا إهانة للدستور والمؤسسات وأولها مجلس الوزراء كلام معيب”.
في المقابل، فإن وزير الثقافة الذي رافق رئيس الحكومة إلى الديمان أوضح “أن جلسة الثلاثاء المقبل في الديمان هي حصرياً للتداول وبلورة أفكار في سبيل حفظ التنوع في لبنان وحماية قيمنا ومقدّساتنا ومن ثم تحصين مجتمعنا مما يتهدده، وهذا يصح أن يتم في أي مكان في لبنان فكم بالحري في الديمان، والكلام عن ابتداع مقرّ جديد لمجلس الوزراء مجرد مزايدة ولغو، لا سيما وأن جلسة الثلثاء هي للتداول وبلورة الأفكار لا أكثر”.
وكان الرئيس ميقاتي وصل إلى الديمان ظهراً مع وفد وزاري ضم كلاً من: نجلاء رياشي، أمين سلام، جورج بوشكيان، محمد وسام المرتضى، جورج كلاس، الوزير السابق نقولا نحاس والمستشار السفير بطرس عساكر. واستقبله في الباحة الخارجية للصرح المطرانان جوزف نفاع ورفيق الورشا والقيم البطريركي الخوري طوني الآغا. ثم استقبل البطريرك الراعي الرئيس ميقاتي والوزراء وعقد معهم اجتماعاً في جناحه قبل أن يلتقي رئيس الحكومة أعضاء مجلس المطارنة الموارنة في ختام اجتماعهم الشهري.
وفي ختام الزيارة قال ميقاتي: “أنا سعيد جداً أن أكون في هذا الصرح، وسعيد أكثر بالترحيب الذي ألقاه من المطارنة ومن قبل صاحب الغبطة، أعتبر أن ما يجمعنا أكثر مما يفرّقنا. تطرقنا خلال الأحاديث مع أصحاب السيادة ومع غبطته إلى المواضيع التي تهم جميع الناس وتجمع اللبنانيين جميعاً وخلال البحث مع غبطته كان هناك اقتراح بأن يعقد لقاء للوزراء في الديمان نهار الثلاثاء المقبل الساعة الحادية عشرة صباحاً للبحث في المخاطر التي تهدد جميع اللبنانيين وبلورة كيفية مواجهتها وحفظ مجتمعنا من مخاطرها. وهذا العنوان أثير خلال البحث في المواضيع المتعلقة بالقيم الأخلاقية والإنسانية التي يتعرض لها التلامذة واللبنانيون جميعاً وكيف يمكن أن نتمسك بهذه الوحدة الوطنية، فارتأينا أن يكون اجتماع تشاوري الأسبوع المقبل يوم الثلاثاء في الديمان للبحث في كل هذه المواضيع”.
وأضاف ميقاتي: “خلال اللقاء أكدت لصاحب الغبطة والسادة المطارنة باسمي وباسم جميع الوزراء أنه ليس لدينا أي طموح لأخذ صلاحيات أحد. نحن نعمل بكل أخلاقية ووطنية من أجل إبقاء هذه الدولة قائمة بكل مرتكزاتها الأساسية، والمراسيم التي وقعناها هي لتسيير امور الدولة وليس فيها أي تمييز بين فئة وأخرى. من هنا أقول إن باب الحل هو انتخاب رئيس للجمهورية، والسؤال الذي أطرحه هنا هل الحكومة تمنع انتخاب رئيس للجمهورية وهل الحكومة تعرقل هذا الأمر؟ نحن ننادي باسم جميع الوزراء بأن انتخاب رئيس للجمهورية هو ضرورة قصوى ويجب أن يتم بأسرع وقت ممكن ومن دون إبطاء من أجل انتظام المؤسسات الدستورية”.
وتابع “تحدثنا أيضاً في عدة مواضيع اقتصادية وموضوع النزوح الذي هو أحد المواضيع الأساسية التي أكدت لصاحب الغبطة انها تجمع جميع اللبنانيين وما من لبناني الا ويرفضه لأنه ينعكس على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في البلد. كما تحدثنا في مشاريع القوانين واقتراحات القوانين الموجودة في مجلس النواب وهي لم تدرس حتى الآن ولا أريد استعمال هذا المنبر لاتهام أحد، ولكننا أرسلنا المطلوب إلى مجلس النواب وعليه أن يقوم بدوره بأسرع وقت لأن هذا باب من أبواب الخلاص للوطن”.
وعما تردد عن استياء نائب حاكم مصرف لبنان وسيم منصوري من تراجع الحكومة عن مشروع القانون المتعلق بالاستدانة بالعملات الأجنبية من الاحتياط الإلزامي في مصرف لبنان قال: “لقد اتصلت بالسيد منصوري صباح اليوم ولم ألمس منه أي استياء. سعادة الحاكم قدّم مع نوابه اقتراحاً حول خطة نقدية واقتصادية كاملة وطلب من مجلس النواب إقرارها وهي تنسجم مع خطط الحكومة، وهدفنا إقرار هذه الخطط وعلينا ان لا نضيع الوقت لأن الهدف هو إنقاذ البلاد، فمع نهاية هذا الشهر لا نستطيع تأمين الدواء ولا الرواتب بالعملة الأجنبية ولا نستطيع القيام بالعمل اللازم للاستقرار النقدي وبالتالي هذا الامر لا يهم الحكومة وحدها بل يعني مجلس النواب وجميع اللبنانيين، وعلينا العمل كورشة واحدة لإنقاذ البلد، فالحكومة لا تستطيع أن تصدر قانوناً ولكن يمكن أن تطلب من المجلس النيابي السعي الجدي لقبول اقتراح قانون وإقراره بأسرع وقت ممكن”.
وعن أحداث مخيم عين الحلوة قال: “أتابع الوضع مع قائد الجيش وبإذن الله ستكون الأمور تحت السيطرة قريباً”.
بالموازاة، توقف مجلس المطارنة الموارنة برئاسة البطريرك الراعي “بقلق أمام ما تشهده مدينة صيدا ومخيم الفلسطينيين في عين الحلوة من اشتباكات وتبادل لإطلاق النار بين فصائل فلسطينية، أدت إلى سقوط قتلى وجرحى وإلى إقفال المدينة وترويع أهاليها”، ودعوا “الحكومة والمؤسسات العسكرية والأمنية إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وحاسمة، تضع حداً نهائياً لتفلت السلاح في المخيم، متمنين العودة إلى الأمن الشرعي وحده”.
واستذكر المطارنة “بالألم والصلاة ضحايا تفجير مرفأ بيروت الذين سقطوا في ذاك الرابع من آب/أغسطس سنة 2020″، وطالبوا “برفع التدخل السياسي في التحقيقات التي يجب أن يستكملها المحقق العدلي”، داعمين “مطلب أهالي الضحايا بلجنة دولية لتقصي الحقائق، وإقرار التعويضات عن الضحايا والجرحى والبيوت المتهدمة”.
وشكر المطارنة “الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان والدول الممثلة في اللجنة الخماسية الخاصة على جهودهم المبذولة لمعالجة أزمة انتخاب رئيس للجمهورية والسير بالإصلاحات المطلوبة لإعادة بناء الدولة وتأمين موجبات تعافيها”، وألحّوا “بالطلب إلى النواب للقيام بواجبهم الوطني والدستوري في وضع حد للتمادي في أسر رئاسة الجمهورية والإفراج بالتالي عن الموقع الأول في الدولة، الذي فيه يكتمل عقدها ويستقيم عملها”.
وختم بيان المطارنة مستغرباً “ارتفاع وتيرة الحديث السياسي والإعلامي عن مواصفات الحكم، فيما البلاد تشهد تهاوياً لبناها وللعلاقات بين مكوِّناتها السياسية”، وذكّروا “بأن السبب الأبرز لما نحن فيه يكمن في عدم تنفيذ كامل بنود اتفاق الوفاق الوطني، نصاً وروحاً، داعين إلى العودة إليه، ففيه دواء شاف للاضطراب الحاصل في شؤون مستقبل الديمقراطية والحريات والعدالة والمساواة في لبنان”.