كشف ثلاثة مسؤولين رفيعي المستوى، أن المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي، وجه رسالة واضحة لرئيس المكتب السياسي لـ «حماس» إسماعيل هنية، عندما التقيا في طهران أوائل نوفمبر الجاري، مفادها بأن الحركة لم تبلغ طهران بهجوم السابع من أكتوبر الماضي على إسرائيل، ومن ثم فإن الجمهورية الإسلامية لن تدخل الحرب نيابة عنها.
وأبلغ خامنئي، هنية، أن إيران ستواصل تقديم دعمها السياسي والمعنوي للحركة، لكن من دون التدخل بشكل مباشر، حسب ما أفاد المسؤولون، وهم من إيران و«حماس»، ومطلعون على المناقشات وطلبوا عدم الكشف عن هوياتهم حتى يتسنى لهم التحدث بحرية.
وذكر مسؤول من «حماس» لـ «رويترز» أن المرشد الأعلى حض هنية على إسكات الأصوات التي تدعو علناً طهران و«حزب الله» للانضمام إلى المعركة ضد إسرائيل، بكامل قوتهما.
«استيقظنا على الحرب»
وأكدت ثلاثة مصادر قريبة من «حزب الله»، أن الجماعة اللبنانية فوجئت أيضاً بعملية «طوفان الأقصى»، وأن مقاتليها لم يكونوا في حال تأهب حتى في القرى القريبة من الحدود والتي شكلت الخطوط أمامية في حربها مع إسرائيل عام 2006 وكان لا بد من استدعائهم بسرعة.
وقال قيادي في الحزب «لقد استيقظنا على الحرب».
وتمثل الأزمة المتفاقمة، المرة الأولى التي يحشد فيها ما يسمى بـ «محور المقاومة» – وهو تحالف عسكري شكلته إيران على مدى أربعة عقود لمواجهة إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط – على جبهات متعددة في الوقت نفسه.
ويخوض «حزب الله» أعنف اشتباكات مع إسرائيل منذ نحو 20 عاما. واستهدفت فصائل مسلحة مدعومة من إيران القوات الأميركية في العراق وسورية. كما أطلق المتمردون الحوثيون في اليمن صواريخ ومسيّرات على إسرائيل.
ويمثل الصراع أيضاً اختباراً لقدرات التحالف الإقليمي، الذي يضم سورية و«حزب الله» و«حماس» وجماعات مسلحة أخرى من العراق إلى اليمن، وسط اختلاف الأولويات والتحديات في ما بينهما.
وقال مهند الحاج علي، الخبير في شؤون «حزب الله» في مركز كارنيجي الشرق الأوسط في بيروت، إن هجوم «حماس»، ترك شركاءها في محور المقاومة أمام خيارات صعبة في مواجهة خصم يتمتع بقوة عسكرية متفوقة بكثير.
وأضاف «عندما توقظ الدب بمثل هذا الهجوم، فمن الصعب جداً على حلفائك أن يتخذوا نفس موقفك».
«حماس» تطلب المساعدة
وتقاتل «حماس» التي تسيطر على قطاع غزة من أجل البقاء في مواجهة انتقام إسرائيل، التي تعهدت القضاء على الحركة وشنت هجوما على القطاع الصغير أدى إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين، نصفهم من الأطفال، حتى الآن.
وفي السابع من أكتوبر، دعا قائد «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ «حماس» محمد الضيف، حلفاء محور المقاومة للانضمام إلى النضال.
وقال في رسالة صوتية «يا إخواننا في المقاومة الإسلامية في لبنان وإيران واليمن والعراق وسورية هذا هو اليوم الذي تلتحم فيه مقاومتكم مع أهلكم في فلسطين».
وبدا الإحباط في تصريحات علنية بعد ذلك لقادة «حماس»، ومن بينهم خالد مشعل، الذي شكر «حزب الله» في مقابلة تلفزيونية يوم 16 أكتوبر.
وقال «حزب الله قام مشكوراً بخطوات لكن تقديري أن المعركة تتطلب أكثر، وما يجري لا بأس به لكنه غير كافٍ».
ويرى ستة مسؤولين على دراية مباشرة بتفكير طهران ورفضوا الكشف عن أسمائهم بسبب حساسية الأمر، أن إيران زعيمة التحالف، لن تتدخل بشكل مباشر في الصراع ما لم تتعرض هي نفسها لهجوم إسرائيلي أو أميركي.
وذكر المسؤولون أنه بدلا من ذلك، يخطط حكام إيران لمواصلة استخدام «محور المقاومة» من الحلفاء المسلحين، بما في ذلك «حزب الله»، لشن هجمات بالصواريخ والمسيرات على أهداف إسرائيلية وأميركية في أنحاء الشرق الأوسط.
وأضافوا أن هذه الاستراتيجية تهدف لإظهار التضامن مع «حماس»، وإرهاق القوات الإسرائيلية من دون الدخول في مواجهة مباشرة مع تل أبيب يمكن أن تستقطب الولايات المتحدة.
وقال دنيس روس، الديبلوماسي الأميركي الكبير السابق المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، والذي يعمل حالياً في معهد أبحاث واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، «هذه هي طريقتهم في الردع… طريقة تقول، انظروا، طالما لم تهاجمونا فستبقى الأمور على هذا الوضع. ولكن إذا هاجمتمونا سيتغير كل شيء».
وأعلنت إيران مراراً ان جميع أعضاء المحور يتخذون قراراتهم بشكل مستقل.
مشاكل «حزب الله» الداخلية
تبادل حزب الله، أقوى شريك في محور المقاومة، والذي يضم 100 ألف مقاتل، إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية عبر الحدود بشكل يومي تقريباً منذ بدء الحرب، ما أسفر عن مقتل أكثر من 70 من عناصره.
ومع ذلك تجنب الحزب مثل إيران، المواجهة الكاملة.
وقالت مصادر مطلعة على تفكير «حزب الله»، إن الجماعة جعلت هجماتها محسوبة بطريقة أبقت العنف محدوداً إلى حد كبير في شريط ضيق من الأراضي على الحدود، حتى مع تصعيد تلك الضربات في الأيام القليلة الماضية.
وتابع أحد المصادر أن «حماس» تريد من الحزب أن يشن ضربات أعمق داخل إسرائيل بترسانته الهائلة من الصواريخ، لكن «حزب الله» يعتقد أن هذا سيدفع إسرائيل إلى تدمير لبنان من دون وقف هجومها على غزة.
ويدرك الحزب، وهو أيضا حركة سياسية منخرطة في شؤون الحكومة، أن لبنان لا يستطيع تحمل حرب أخرى مع إسرائيل، بعد أكثر من أربع سنوات من الأزمة المالية التي أدت إلى تفاقم الفقر وأضعفت المؤسسات الحاكمة.
واستغرق لبنان سنوات لإعادة البناء بعد حرب عام 2006 التي قصفت خلالها إسرائيل الجنوب الذي يسيطر عليه الحزب ودمرت مساحات واسعة من معقله في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت.
وقال الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في الثالث من نوفمبر، إن «حماس» أبقت هجومها على إسرائيل سراً عن حلفائها، وهذا ما ضمن نجاحها ولم «يزعج أحداً» في محور المقاومة.
وأضاف أن هجمات الحزب على الحدود الإسرائيلية لم يسبق لها مثيل وكانت بمثابة «معركة حقيقية».
مهاجمة أميركا
والولايات المتحدة أيضاً حريصة على تجنب أن تمتد رقعة الحرب إلى ما هو أبعد من غزة، فبعد أن خاضت حربين مكلفتين مشؤمتين في العراق وأفغانستان على مدى العقدين الماضيين، تجد نفسها الآن تمول الدفاع عن أوكرانيا ضد الغزو الروسي.
ويسعى الرئيس جو بايدن حتى الآن إلى حصر الدور الأميركي في أزمة غزة بالأساس في ضمان المساعدات العسكرية لإسرائيل.
كما حرك حاملتي طائرات ومقاتلات إلى شرق البحر المتوسط في خطوة تهدف في جانب منها إلى تحذير طهران.
وتصاعد التوتر مع شن أكثر من 40 هجوماً بمسيرات وصواريخ على القوات الأميركية من جانب فصائل المحور في العراق وسورية منذ بدء حرب غزة، ما استدعى «رداً انتقامياً» ضد منشآت في سورية تستخدمها فصائل مسلحة مرتبطة بإيران.
وحذر وزير الدفاع الأمبركي لويد أوستن يوم الاثنين، من خطر فتح جبهة رئيسية أخرى في الصراع.
وقال خلال زيارة لسيول «ما رأيناه طوال هذا الصراع وطوال هذه الأزمة هو تراشق متبادل بين حزب الله اللبناني والقوات الإسرائيلية».
وأضاف «لا أحد يريد أن يرى صراعاً آخر يندلع في الشمال».
إسرائيل تنظر إلى الشمال
وشدد أوستن على ضرورة تجنب أي تصعيد إقليمي عندما تحدث مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت مطلع الأسبوع.
وقال مصدران أمنيان إسرائيليان، طلبا عدم الكشف عن هويتهما، إن إسرائيل لا تسعى إلى اتساع رقعة الأعمال القتالية، لكنهما أضافا أنها مستعدة للقتال على جبهات جديدة إذا لزم الأمر لحماية نفسها.
وأكدا أن مسؤولي الأمن يعتبرون أن التهديد المباشر الأقوى لإسرائيل يأتي من «حزب الله».
ويقول كريم سجادبور، المتخصص في الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إنه في الأزمة الحالية قد يتغلب صوت الواقعية السياسية بالنسبة لطهران.
ويضيف «أظهرت إيران التزاماً على مدى أربعة عقود بمحاربة أميركا وإسرائيل من دون الدخول في صراع مباشر. وترتكز الأيديولوجية الثورية للنظام على معارضة البلدين، لكن قادتها ليسوا انتحاريين، بل يريدون البقاء في السلطة».