كأنّ الشيخ نعيم قاسم، في ما قاله أمس، يعيش في كوكبٍ آخر. لا أدركَ أنّ آلاف الشهداء سقطوا، ومعهم عشرات آلاف الجرحى، ولا عرف أنّ عشرات آلاف العائلات هم اليوم خارج منازلهم وقراهم، وبعضهم يعيش في خيمٍ.
يكذب علينا الشيخ نعيم، والأهمّ أنّه يخدع جمهوره، حين يعلن الانتصار. لعلّ الدليل الأصدق على الخسارة، كي لا نقول الهزيمة، هو أنّ الشيخ نعيم بات الأمين العام للحزب، ورحل السيّد حسن نصرالله ومعه قيادات الحزب الأساسيّة، فآلت الأمانة العامّة لرجلٍ يقول ما لا يحصل ويدّعي ما يجافي الحقيقة.
هُزم حزب الله في هذه الحرب، إذ بات عاجزاً عن التحرّك والتسلّح، وسقطت شعاراته كلّها، بدءاً بـ “طريق القدس” التي باتت أبعد، خصوصاً مع ابتعاد الحزب، مرغماً، وراء نهر الليطاني.
وهُزم الحزب حين ارتضى أن يكون ضابطٌ من جيش “العدوّ الأكبر”، أميركا، الوصيّ على تطبيق وقف إطلاق النار وعلى تحرّكه في ما كان يسمّيه “الميدان”.
لسنا اليوم، ولن نكون يوماً، في صفوف مؤيّدي جيش العدوّ الإسرائيلي، ولكنّنا نريد أن نرتاح من الدخول في مغامرات تعيد البلد، في كلّ مرّة، عشرات السنوات الى الوراء. ونريد أن نرتاح من فائض القوّة الذي مورس ضدّ اللبنانيّين، ومن العنجهيّة التي جعلت شبّاناً يستقوون على عسكريّين في الجيش وفي قوى الأمن كما على الكثير من المدنيّين، وحالت دون تحوّلنا الى وطنٍ مستقرّ.
نحن، يا شيخ نعيم، أكثر حرصاً منك على طرد الإسرائيلي من أرضنا، وعلى رفض وصاية ضابط أميركي أو فرنسي، ونحن نرى في الورقة التي وافقتَ عليها استسلاماً لا نرتضيه للبناني، ولكنّك، مع حزبك، تسبّبتم بذلك كلّه، تماماً كما تسبّبتم بالموت والدمار وانهيار الاقتصاد.
لذلك، لن نتعايش بعد مع سلاحٍ خارج إطار الدولة. ولن نقبل بما يُسمّى “الاستراتيجيّة الدفاعيّة” إن كانت سبيلاً لبقاء سلاحكم.
عُد يا شيخ نعيم إلى رشدك الوطني، واستمع الى خطاب الرئيس نبيه بري العقلاني والحريص. أمّا ما قلتَه في الأمس فلم نصدّقه ولن نتقبّله. “خَلَص يا شيخ… خَلَص” تعبنا وتعب البلد. “ارتاحوا وريّحونا”.