يلتقي المقاتلان عند وقف إطلاق النار على فنجان قهوة لتتظهر مشاعر بشرية متشابهة من الطرفين في عشق وحب وهموم العائلة وشوق العودة الى القرية والأماكن الدافئة والحلم في بناء قصر لسعاد او عيدا(عشيقتا المقاتلين) فور الانتصار (لما الله تبعنا رح ينصرنا عليكون) عبارة يرددها المقاتلان اثناء حوارهما المضمخ بالخفة والهضامة والشعر “الناييف” (naif) الذي اعتمده خباز في نصه قصداً لتحفيز العبارات لدى العامة؛ وزد ان لكل قناص (والقنّاص اسوأ انواع المقاتلين) رواية عن حصيلة نهاره من قتلى يمرون على خط التماس، نقطة الذروة بينهما حامل كيس البندورة الذي اختلطت دماؤه بها، ولكن الاهم ان يكون ال(VHS) راضياً لدى الاثنين، وهو مختصر اسم القادة المسؤولين عنهما مسلماً لدى الاول ومسيحياً لدى الثاني.
تتصاعد الرواية المسرحية لتنتهي في العام 2020 والمقاتلان -الآتيان من عوائل عادية وحياة منزلية مهمشة “وحمرنة” مدرسية توحي وكأنها أبرز أسباب التحاقهما بالحرب واحزابها- وتنتهي بهما عاملين في شركة امنية حيث يجلس كل منهما حارساً لماكينة اموال على الطريق (ATM) ولا من يسأل عنهما انما وقد اصبح ال(VHS) وزيراً وهما يجهدان ويجاهدان بحثاً عن لقمة العيش!
المسرحية مثقلة بالعبر، يجول فيها ممثلان فقط (خباز وكرم) في سيطرة كاملة على الخشبة من حوار وشعر ورقص مشترك لثمانين دقيقة متواصلة من دون توقف، يخرج على اثرها المشاهد مندهشاً وفرحاً وحزيناً في الوقت ذاته.
وقد يكون من اسباب الحزن هذا التمرين في العبث، بل والعبث بصفحات الحرب على سطحها، بل قل بعض الخيبة في مقاربة النص لحالة فردية يقتضيها العرض المسرحي لا تصلح كنموذج، لان المسرح يحوّ النماذج الى مُثُل، انما تعرض حالة فردية من حالات الحرب تبتعد عن المسببات التي ادت اليها وتبتعد عن اي غريب ودوره ودور اللبناني في مواجهته، ولا تأتي بظلّ او ملامسة على حقائق القضايا العميقة التي اوصلت الصراع الى عنق الحرب.
وليد لم يكن فاشلاً في دراسته، بل كان في السنة الثانية هندسة والاول على دفعته حين استشهد، وفادي اتى الى القتال من عائلة ميسورة، وخوان كذلك. وفؤاد وسمير كانا من انجح طلاب الطب في الجامعة، ويوسف كان من افضل الفلاحين، وجان كان نجاراً بارعاً وجريس كان فاشلاً في المدرسة لكنه بحث عن فرص في اعمال اخرى…
ترك هؤلاء كل شيء، نعم كل شيء، ليدافعوا عن قضيتهم ويمنعوا ان نتحوّل نحن، وتتحوّل جونيه، حيث تُعرَض المسرحية، الى مكانٍ بلا ارض وانسانٍ بلا عرض. وكما في الطرف المسيحي كذلك في الطرف الآخر من المسلمين، فلديهما ايضاً من شباب في ذات الترتيب والايمان والثقافة والعلم والامية. والقضية!
لكل منا قضيته وايمانه وقناعاته الراسخة والتي كان على نص خبّاز ان يأخذها بعين الاعتبار من خلال مشهد يخرج عن “النيهيلية” الى المسؤولية الجماعية التي يفترض ان تلقي بكاهلها واحمالها على اكتاف الفنان، فيخرج العقل الجمعي الى خارج المسرح لاعناً زمن الحرب وكأن “اللي راحوا راحوا ضيعان”.
فتح نص الصديق جورج خبّاز، “ولو اكل نصو”، فتح النقاش على مصراعيه أمام الـمُشاهد والمهتم والعامة على زمن الحرب والمصارحة الـمُلزِمة والحقيقة والضرورة لبناء مستقبل مشترك يحمي هذا التنوع اللبناني الغني (عادل: أبو أحمد كان جارنا وبيي رافقو مع عيلتو ليقطعوا خط التماس وبعدو بيبعتلنا فواكة من خير الضيعة) هذا التنوّع المميز والاستثنائي والذي نسيء ادارته لا محالة!
**مسرحية خيال صحرا، نص واخراج جورج خباز، بطولة عادل كرم وجورج خباز على مسرح كازينو لبنان