الدواء مقطوع
لم يحجب الخلاف بين وزارة الصحة ونقابة الصيادلة حقيقة “انقطاع” كثير من الأدوية في لبنان، حيث تستمر معاناة المرضى في سبيل تأمين الأدوية المزمنة منها والمستعصية. ويشكو المرضى من “دولرة” أسعار الدواء (تسعيرها بالدولار)، فهم باتوا عاجزين عن دفع ثمن الدواء الأصلي فيما لا يتوفر البديل في كثير من الأحيان. وبين هذا وذاك، يقع كثير من المرضى ضحية مصيدة “تجار الأدوية المهربة” الذين ينشطون في الأسواق أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
ويروي سهيم (60 عاماً) رحلة البحث عن علبة دواء الشحم، فهو قصد الصيدليات كافة ضمن نطاق سكنه في شمال لبنان، وبعد أن بلغ مرحلة اليأس، لجأ إلى أصدقائه من الأطباء العاملين في أحد المستشفيات للحصول على جرعته الشهرية. تتكرر هذه الرواية على لسان آخرين، إذ يؤكد نضال أنه عجز عن تأمين قطرة ترطيب العين وكان عليه أن يطلب من أحد أصحاب الصيدليات طلب علبة خاصة به من أحد المستودعات مع نفقة إضافية.
ذريعة الدواء المقطوع
مطلع العام الجديد، ينطلق نظام “MEDITRACK” الممكنن لتتبع الأدوية غير المدعومة. تتمسك وزارة الصحة بهذا المشروع كونه “أثبت فاعلية قصوى في ضبط حركة الدواء المدعوم، والتأكد بكبسة زر من أن الدواء يسلم للمرضى المستحقين”.
تستغرب وزارة الصحة “أسباب رفض توسيع هذا النظام ليشمل الأدوية غير المدعومة”، وتساءلت في بيان صادر عنها، “هل الجهات التي ترفض تتبع هذه الأدوية تهدف إلى إبقاء السوق السوداء ناشطة لجني أرباح غير مشروعة؟”.
وتكشف وزارة الصحة عن تلقيها “شكاوى يومية حول رفض صيادلة بيع دواء غير مدعوم بالسعر المحدد من الوزارة بذريعة أنه مقطوع، ليعمدوا بعد ذلك إلى لعب دور البطولة وعرض الدواء نفسه، وغالباً بسعر مضاعف، مبررين أنهم استوردوه بطرقهم الخاصة”، كما تطرقت إلى بعض “أساليب المناورة” لناحية “تذرع صيادلة بعدم امتلاكهم الأدوية الجينيسية (الجينيريك) بهدف وضع المريض أمام خيار وحيد هو شراء أدوية الـ’BRAND‘ الأغلى سعراً وتحصيل أرباح إضافية جراء ذلك”.
جزمت وزارة الصحة أنها “متمسكة بوضع حد نهائي لهذه التجارة اللاأخلاقية التي تتنافى مع واجب الخدمة الصحية ورسالتها”، مشددة على دورها في ضبط حركة كل الأدوية التي تدخل إلى السوق “ليس فقط بهدف ضبط الفاتورة الدوائية للأدوية المدعومة، بل أيضاً وبشكل مواز لضمان عدم انقطاع الأدوية في السوق، سواء تلك المدعومة وغير المدعومة، وتوفيرها بشكل مستدام بالسعر العادل والمدروس المحدد من قبل وزارة الصحة العامة”.
ونفت الوزارة ما يشاع عن أن نظام التتبع سيشجع التهريب ويعرض صيدليات للإقفال، ويحرم المرضى دواءهم، ووضعته في خانة “بث هواجس مغلوطة ومعاكسة للواقع”، معللة أنه نظام معتمد في مختلف الدول المتقدمة، وهو يضمن مراقبة الدواء، ومنع التهريب وكل أشكال الاحتكار.
الصيدليات حذرة
في المقابل، تطالب نقابة الصيادلة في حصر نظام التتبع بالأدوية المدعومة من قبل الدولة. ويميز نقيب الصيادلة في لبنان جو سلوم بين نظامين للتتبع، الأول يرتبط بالأدوية المدعومة مثل أدوية السرطان، والأدوية المستعصية، حيث “تقف النقابة إلى جانب هذا الموضوع كون الدولة تتحمل كلفة تأمينه للمرضى، وتدعمه، وتتعاون الصيدليات معها لوصوله إلى المريض المستحق”. أما في ما يتعلق بنظام التتبع للأدوية غير المدعومة، الذي تتجه الدولة لتطبيقه بدءاً من العام الجديد، يعبر سلوم عن رفض نقابة الصيادلة له لأن “الدولة تترك فيه الحرية لحركة الدواء المزور، وكذلك تغض النظر عن الصيدليات غير الشرعية، وكذلك تسويق الدواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي”.
ويقدر سلوم حجم تجارة الأدوية المهربة في السوق اللبنانية بنحو 40 في المئة من إجمالي السوق، فيما تتجه الدولة إلى تقييد السوق الشرعية والدواء غير المدعوم من خزانة الدولة الخاضع للتسعيرة الرسمية التي تحددها وزارة الصحة العامة في لبنان. ويعتقد سلوم أن “الدولة بقراراتها تلك تشجع السوق السوداء، وتفتح لها المجال لكي تفرض سيطرتها بدلاً من ضبطها”.
الصيدليات عاجزة
بدأ تطبيق نظام التتبع مع 56 دواء لعلاج مرض السرطان. ويؤكد نقيب الصيادلة وجود مشكلات كبيرة تعترض تطبيق هذا الجهد المحصور الذي يعمل من خلال تطبيق رقمي خاص. ويشير سلوم إلى الضغط المادي الذي يفرضه تطبيق هذا النظام على ميزانية الصيدليات، لأن “جزءاً كبيراً من الصيدليات غير قادر على تأمين متطلبات نظام التتبع، فهي لا تمتلك البرمجيات الرقمية الملائمة أو شبكة الاتصال بالإنترنت على مدار الساعة بمعدل 24 ساعة يومياً أو الصيانة المكلفة”، كما يسلط سلوم الضوء على “مسألة الخصوصية وأمن البيانات”، حيث “تتجه الوزارة لربط جميع المؤسسات بمبرمج واحد، وهو يمتلك جميع المعطيات والمعلومات، التي قد يتم بيعها أو استخدامها لخرق سرية المريض”.
كما يخشى سلوم “فرض وصفة موحدة للدواء في الفترة المقبلة، وهو ما يفوق القدرة المالية للمرضى الذين يعجزون عن زيارة الطبيب كلما أرادوا شراء علبة دواء”. ويحمل وزارة الصحة مسؤولية “إقفال عدد كبير من الصيدليات، وعدم وصول المرضى إلى دوائهم”، متمسكاً بالمسار القضائي أمام مجلس شورى الدولة “ضد القرارات المخالفة للقانون” إذ استحصلت النقابة على قرار وقف تنفيذ، وهي بانتظار قرار ثان لتحصين موقفها مع سعيها إلى تأمين الدواء للمرضى وحفظ خصوصيتهم.
ويتمسك نقيب الصيادلة بأولوية تقوية سوق الدواء الشرعية، ومحاربة الدواء المهرب. وكذلك حل مشكلات النظام الحالي المطبق مع أدوية السرطان، وتأمين استدامة توريد الدواء المدعوم. ويجزم سلوم “بعدم وجود تخزين للدواء غير المدعوم، واقتصار الأمر على الدواء المدعوم من الدولة”.