رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص يرى في مشروع قانون “معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها” تغيُّبَ الدولة عن تحمّل “الفجوة المالية” التي يواجهها مصرف لبنان، وهي بذلك تتنصّل من مسؤولياتها”.
ويقول لـ”المركزية”: إن التعاون وتوزيع المسؤوليات ممكن بين المصارف والمصرف المركزي والدولة، لكن ما هو مطروح في المشروع لا يقارب فجوة مصرف لبنان من حيث مسؤولية الدولة عنها والتي سبّبتها هي، نتيجة اقتراض أموال المودِعين وسوء استعمالها”.
كذلك يشير إلى أن “مشروع القانون يفتقد إلى أي رؤية حول تسديد الدولة لهذه الفجوة بصرف النظر عن مسؤولية الفريقَين الآخرَين، وبصرف النظر عن الودائع التي تفوق أو تنقص عن الـ١٠٠ ألف دولار”.
وفي مشروع القانون وأسبابه الموجبة، “تنتفي الإشارة إلى أي إصلاح للقطاع العام ومكافحة الفساد” يقول مرقص “حيث أن النظام (System) الذي أوصلنا إلى هذا المأزق، مستمر في ذاته”، مستغرباً “عدم وضوح ما معنى أن يودَع الفائض في الصندوق؟! متى وكيف؟! أين الخطة الإصلاحية؟!… فيما سوى ذلك كيف نرقِّم هذه الفجوة؟! فالفساد والهدر مستمران، وبالتالي لا أجد حلاً للفجوة المالية بمقتضى المشاريع التي تقدّمها الحكومة!”.
تأثير قرار “شورى الدولة”..
وليس بعيداً، يعتبر مرقص أن “قرار مجلس شورى الدولة إبطال قرار مجلس الوزراء الرقم 3 تاريخ 20 أيار 2022 في الشق المتعلق بـ”إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف، تخفيضاً للعجز في رأسمال مصرف لبنان”، له تأثير حاسم على استراتيجية النهوض بالقطاع المالي وعلى خطة التعافي، وكذلك على مشروع قانون إعادة هيكلة المصارف، لأن المرتكز الأساسي لهذه النصوص هو شطب جزء كبير من أموال المصارف لدى مصرف لبنان وتحميلها المسؤولية الكبرى. إذ إن مجلس شورى الدولة اعتبر ذلك مساساً بحق الملكية الفردية المكفول في المادة 15 من الدستور والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان، وأن لا مبرّر لإلغاء ديون مصرف لبنان على اعتبار أن المعطيات الواردة في الخطة التي تبنّاها مجلس الوزراء لا تبرّر إلغاء ديون مصرف لبنان المستحقة للمصارف التي تمثّل في الواقع ودائع المودِعين لدى المصارف وانعكاساً لها، خصوصاً أن إلغاء هذه الديون أو شطب الودائع لم يقابلهما أي خطة للتعويض على المودِعين بشكل واضح، ما يُعتبَر انتهاكاً لحق الملكية المذكور”.
ويتابع: كما أن “قانون النقد والتسليف” يوجِب على الدولة في حال عجِز البنك المركزي عن تغطية الخسائر من الاحتياطي العام أو بدفعة موازية من الخزينة، وليس شطب هذه الأموال. مع الإشارة إلى أن مصرف لبنان مسؤول عن الوديعة المحفوظة لديه ويجب عليه ردّها عند الطلب منه أسوةً بالمصارف، بمقتضى قانون التجارة. ولا يمكن القبول بالإخلال بموجِب السلامة الائتمانية المتمثلة في الحفاظ على حقوق المودِعين.
في ضوء ذلك، يرى مرقص أن “لا مبرّر لتثبيت سعر صرف الليرة أو دعم المواد والسلع الاستهلاكية من هذه الأموال على شكل قروض استدانتها الدولة والبنك المركزي من المصارف! وهنا اعتبر مجلس شورى الدولة أن ذلك يشكّل خرقاً لمبدأ المساواة أمام الأعباء العامة وتحميل هذه الأعباء لفئةٍ من المواطنين وهم المودِعون دون سواهم من المواطنين الذين استفادوا جميعهم من الدعم وتثبيت سعر الصرف المذكورَين… وهذا ما كنت أشرت إليه مراراً”.
يُضيف: وبالتالي، إن قرار إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف وما تمثله فعلاً هذه الالتزامات من إيداعات للمودِعين لدى المصارف الخاصة، يشكّل حائلاً دون قيام هذه المصارف بواجباتها لردّ الودائع عند الطلب من دون أي تأخير.
وفي السياق، يُلفت إلى أن “قرار “مجلس شورى الدولة” يشكّل سنداً رئيسياً للقطاع المصرفي في دعوى “ربط النزاع” التي تقدّمت بها المصارف وللإجراءات القضائية التي يمكن أن تقوم بها، حيث أنه لا يمكن تحميل المصارف عبء تصحيح المالية العامة في الدولة، وأعباء ميزانية مصرف لبنان!”.
لمجمل هذه الأسباب، يختم مرقص، “إن قرار “شورى الدولة” يؤثّر تأثيراً بالغاً على روحيّة هذه الملفات الثلاثة التي أشرت إليها وهي: خطة التعافي، واستراتيجية النهوض، ومشروع قانون إعادة هيكلة المصارف”.