صدى الارز

مشاهدة متواصلة
تقاريرنا
أرشيف الموقع
Podcast

خطاب الشامتين.. “انتقام الله” بحرائق كاليفورنيا وكيف يراها الأميركيون؟

بين الحرائق التي حولت أحياء في كاليفورنيا إلى رماد، ومشاهد آلاف المباني المسويّة بالأرض في قطاع غزة، قاسم مشترك هو شكل الدمار.

هذه المشهد تطلع إليه آلاف المستخدمين في مواقع التواصل الاجتماعي من دول عربية، على أنه “عقاب إلهي” و”انتقام السماء”.

تيار قابله رافضون اعتبروا هذه النظرة “قاصرة”، تنم عن “عجز وعدم اعتراف بالهزيمة”. كان منهم فلسطينيون من غزة نفسها.

وفي داخل الولايات المتحدة، رؤية من نوع آخر ترتبط بنظريات المؤامرة، وسط موجة تعاطف ودعم وكذلك غضب واستياء من جهات عدة.

تيّار “العقاب الإلهي”
التعبير عن السعادة لمصائب الآخرين في الولايات المتحدة ودول أوربية وحتى في تركيا الدولة الإسلامية، يتجدد مع كل كارثة إنسانية وبيئية تحلّ عليها.

إنضموا الى قناتنا على يوتيوب

يعتبر أصحاب هذا التيار، أن السماء تنتقم من الدول ذات التواجد العسكري التي تدعم حلفاءها في صراعات شرق أوسطية.

هذه الصراعات خلفت عشرات الآلاف من الضحايا خلال العقدين الماضيين.

وأحدث أمثلتها الحرب بين إسرائيل وفصائل فلسطينية مسلحة في غزة على رأسها حماس، منذ أكتوبر 2023.

ومؤيدو هذا الرأي الذين شكلو موجة ضخمة في مواقع التواصل، شملوا فئات عدة من مستخدمين متابعين إلى صانعي رأي في الإعلام والسياسة والاقتصاد.

فعلى منصة “إكس” كتبت الإعلامية الأردنية إيمان تعقيبا على حقائق خبرية ذكرتها بين حرائق كاليفورنيا وحرب غزة “إنّ الله عزيزٌ ذو انتقام”.

وبرفقة صورة لدمار في لوس أنجلوس كتب الإعلامي العسكري اليمني راشد معروف “مشهد عظيم يسر الناظرين، هنا كانت مدينة لوس أنجلوس، ثاني أكبر مدينة أميركية”.

وفي منشور آخر على “إكس” قال معروف في تعداد خسائر كاليفورنيا “كل هذا حصل بعد ساعة فقط من خطاب ترامب الذي توعد فيه بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم”.

FILE – A man walks in front of the burning Altadena Community Church, Wednesday, Jan. 8, 2025, in the downtown Altadena section of Pasadena, Calif. (AP Photo/Chris Pizzello, File)

“اندلعت حرائق الغابات، وحولت أميركا إلى جحيم حقيقي، ونهارها تحول إلى ليل أسود بفعل الدخان الكثيف”، أضاف معروف.

أستاذ الأمراض الصدرية في إحدى كليات الطب المصرية، د. محمد الدسوقي، كتب أيضاً “دمر الكيان الفاشي غزة بالسلاح الأميركي ولكن الله أراد أن يذيقهم من جنس عملهم فأرسل عليهم الأعاصير تحرق وتدمر ديارهم”.

ومن عُمان، كتب الإعلامي حمد الصواعي “ترامب يواجه الجحيم الذي وعد به غزة”.

واعتبر الإعلامي العراقي علي فاهم الحرائق “عقوبة إلهية” أيضاً، وصفها بـ”انتقام الرب”، كما ربط العجز عن إخمادها بوجود مسؤولين أميركيين ذوي ميول جنسية مثلية.

حتى أنه شارك فيديو يزعم فيه أن أميركيين “تحولوا للإسلام” بسبب الحرائق، و”النساء” منهم خصوصاً.

وكتب الباحث وحامل شهادة الدكتوراة في علم النفس -كما يعرف نفسه- حسام سامي “إنها علامات يوم القيامة ونهاية العالم الحقيقية في كاليفورنيا”.

ووصف حرائق كاليفورنيا، علماً بأنه يعيش في الولايات المتحدة، بأنه “انتقام إلهى مباشر بلا شك”.

ولاقى منشور لرسام كاريكاتير فلسطيني يُدعى محمود عباس، تفاعلاً إيجابياً كبيراً بآلاف المشاركات على فيسبوك، أشار فيه إلى الانتقام الإلهي.

وأتبعه بكاريكاتير يُظهر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وهو يهدد بالجحيم، بينما تندلع حرائق كاليفورنا خلفه.

تعليقات مشابهة امتدت على طول الخارطة العربية في إكس وفيسبوك وتك توك، قوبلت برفض كبير من تيار آخر، رأى فيها “جهلاً بالحقائق” وتجييراً لتفسيرات دينية “قاصرة”.

تيار يرفض “الشماتة”
رفض وسخرية وأيضاً وصم بالجهل والتطرف وحتى التجرّد من قيم التعاطف والإنسانية، كانت جزءا من ملامح منشورات مناهضة لجماعة “العقاب الإلهي” في السوشال ميديا.

كان من بينهم مدير مؤسسة “ويصا” العقارية المصرية فيليب ويصا، معرباً عن صدمته أمام تعليقات “مسيحيين ومسلمين” عن العقاب والجحيم.

وتساءل مستنكراً “هل يعقل هذا؟ من هو الإله الذي تعبدونه؟”، داعياً لأهمية الصلاة وطلب الشفاعة والرحمة حيال المصائب “بغض النظر عن الأسباب”.

فلسطينياً، تصدّى العديد من إعلاميين وأدباء وسياسيين، للربط بين مآسي الغزيين، وحرائق كاليفورنيا.

هؤلاء أبدوا تعاطفهم مع الضحايا القتلى، أو الذين خسروا منازلهم وممتلكاتهم.

وأشار العديد منهم إلى الدعم الكبير الذي قدمته فئات من الشعب الأميركي لغزة والقضية الفلسطينية بشكل عام، ممثلة بالاحتجاجات الطلابية لوقف إطلاق النار.

كما قال آخرون إن الشعب “ليس المشكلة”، بل “الحكومة التي تدعم التسلح الإسرائيلي” بحسب تعبيرهم.

كتبت الصحفية أسماء الغول، وهي من غزة وتقيم في فرنسا “لا يريد الفلسطيني أن يكون العالم كله ضحايا لأنه ضحية. لا يريد الفلسطيني أن ينحرق العالم لأنه يُحرق .. لا يريد الفلسطيني أن يقتل أطفال العالم لأن اطفاله يموتون”.

وقالت إن ما كتبه الشامتون يمثّل “نظرة قاصرة وظالمة لنا ولقضيتنا وفيها خلل نفسي وديني وإنساني”.

الكاتب الصحفي عصمت منصور، قال عبر فيسبوك، إن من يعدّ الحرائق عقاباً ينسى أن إمكانيات الولايات المتحدة “الهائلة” حدّت من وقوع ضحايا.

وأضاف أنها لو حصلت في بلد “إسلامي” ستؤدي لمقتل الآلاف، دون أي تعويض.

بالنسبة له، فإن الأولى للمجتمعات العربية والإسلامية بدلاً من “الشماتة”، أن تؤسس بنية تحتية قادرة على مواجهة كوارث مشابهة.

ومن داخل لوس أنجلوس نفسها، ورد تعقيب مغاير لكل ذلك، يمثل على ما يبدو “تياراً ثالثاً” نظراً لحجم التفاعل الإيجابي معه.

تخاطب فيه سيدة مسيحية (الأم ماغي) عبر البث المباشر في فيسبوك، مسلمين “شامتين” بالحرائق.

وتصف لهم مدينة لوس أنجلوس بأن أهلها “فنانون ومثليّون وملحدون”؛ لذا فإن “الخالق لا يُسأل عن (حماية) مَن يرفضه”.

الكاتب العراقي الفضل أحمد، قال على حسابه في فيسبوك “في لوس أنجلوس أكثر من 500 ألف مسلم و250 مسجدا. إذ لا تميز النيران بين الأديان والأشخاص، فقد أصابت الجميع”.

ورأى في تحميل الانتقام الإلهي مسؤولية الحرائق، تهرّباً من الخسارات المتتابعة في الشرق الأوسط، عبر التفاخر بـ”نصر الطبيعة”.

وأضاف أحمد أن هناك ظاهرة في المجتمعات الإسلامية هي “عدم الاعتراف بالهزيمة”، وبالتالي غياب المراجعات الحقيقية للمآسي والخسارات.

واعتبر أن الناس عادة تبرهن لنفسها النصر بالالتفاف على الأحداث عبر الماورائيات (الغيبيات) واللغة والبلاغة.

الرفض وصل رجال الدين المسلمين أيضاً، من بينهم الأستاذ الأزهري د. حمادة القناوي. الذي قال إن ما يحدث “ليس انتقاما ورد فعل أو انتصارا لأمة ضعيفة”.

ووصف الحرائق بأنها “سنن وأقدار احتفظ الله بتوقيتها وأسرارها”.

والعديد من مناهضي فكرة العقوبة الإلهية، سردوا حقائق عن جغرافيا كاليفورنيا والأسباب وراء اندلاع الحرائق فيها سنوياً، علماً بأن هذا بين أضخمها على مرّ التاريخ الأميركي.

كما رأى بعضهم مفارقة في التفسير الديني الذي يعتمده أشخاص حين تقع الكوارث في دول عربية وإسلامية، إذ يعتبرونها “ابتلاء واختباراً من الله”، لكنها “عقوبة وانتقام” لغيرهم.

في الداخل الأميركي.. تضامن وغضب
التهمت الحرائق نحو 30 ألف فدّان (121.4 كم مربع) في مقاطعة لوس أنجلوس، جنوب غربي الولايات المتحدة، مخلفة أكثر من 5300 بيت مدمر بحسب تقديرات فرق الإطفاء، وأكثر من 12 ألف مبنى في المجمل.

وفي آخر إحصائية، الأحد، لعدد القتلى، أكد الطب الشرعي في المقاطعة ارتفاعه إلى 16 شخصاً، منذ اندلاع الحراق الثلاثاء الماضي حتى مساء السبت.

وحذر رئيس إدارة الإطفاء، أنتوني ماروني، من أن خطر الحريق لا يزال مرتفعا بسبب الرياح القوية، والهواء الجاف، والنباتات الجافة.

وقال حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، إن رجال إطفاء من المكسيك وصلوا لوس أنجلوس للانضمام إلى أكثر من 14 ألف من العاملين في مكافحة الحرائق.

وفي المجتمع المحلي الأميركي، برزت الكثير من الدعوات للتضامن والتطوع والمساعدة إضافة لحملات التبرع بالأموال والملابس والاحتياجات الأساسية لصالح آلاف العائلات المتضررة التي باتت بلا مأوى.

ويتقدم هذه الحملات مشاهير من الفنانين والإعلاميين، بعضهم تضررت ممتلكاته أساسا في الحرائق.

وقالت الممثلة جينيفر غارنر في مقابلة تلفزيونية، إن أحد أصدقائها توفي في الحريق لأنه لم يتمكن من الإخلاء في الوقت المناسب، كما خسر 100 من معارفها بيوتهم.

ودعا مذيع البرنامج الشهير “أميركان غوت تالنت”، سايمون كاول، عبر حساباته في مواقع التواصل، إلى التبرع لمنظمة الصليب الأحمر لمساندة متضرري الحرائق.

ورغم التعاطف الكبير الذي أبداه جمهور فناني هوليوود الذين احترقت بيوتهم، إلّا أن الأمر لم يخل من خطاب كراهية لهم، والتطرق إلى مفارقة ثرائهم الفاحش على مقربة من مظاهر التشرد والفقر في لوس أنجلوس.

كما انتقد عدد من المواطنين الذين احترقت بيوتهم خدمات الإطفاء، وزعموا لوسائل إعلامية أن الأولوية كانت لإطفائها في بيوت المشاهير والأثرياء.

من جانب آخر، نظر عدد من الأميركيين للحرائق بأنها “مدبرّة” و”مفتعلة” أو شكك في المعلومات التي فسرت توسّعها بالشكل الذي رأيناه.

هذه الناشطة البيئية مثلاً، يتابعها على تك توك 10 ملايين مستخدم. تدعو في فيديو للتوقيع على عريضة بعنوان “دع الملوثّين يدفعون”، تحمل فيها حكومة كاليفورنيا المسؤولية عن الحرائق والتعويض لصالح ما أسمته “صندوق تمويل مناخي”.

وقالت إن شركات النفط والغاز هي المسؤولة عن اندلاع الحرائق وإن ما حصل ليس مجرد كارثة بيئية بل “جريمة”.

عشرات التعليقات تفاعلت معها إيجابياً، بعضها اعتبر الحرائق “انتقاماً من الطبيعة”، في إشارة لدور الإنسان في التغير المناخي.

ومن الانتقادات التي طالت الحكومة، العجز عن إطفاء الحرائق بسرعة بشكل عام، وإقرار مسؤولين بخلّو وجفاف مصادر المياه المخصصة لفرق الإطفاء، ما أعاق عملها.

إلى ذلك، برزت مشكلة التأمين على البيوت، وأكدتها نائبة الرئيس جو بايدن كاملا هاريس خلال مؤتمر صحفي، الخميس الماضي.

قالت هاريس إن العديد من شركات التأمين ألغت التأمين لبيوت الكثير من العائلات التي تأثرت وستتأثر لاحقاً. وهذا لتأخير وإعاقة عملية إعادة الإعمار.

وأضافت أن العديد من العائلات خسرت “كل شيء” ولا يمكنها تحمل العبء الاقتصادي وحدها.

وفي حديث إعلامي، دعا الممثل الأميركي الذي تضرر بيته أيضاً، مايلو فينتيميليا، الحكومة الفيدرالية الأميركية لإعلان لوس أنجلوس منطقة منكوبة.

وأكد أن التأمين لن يغطي الكثير من البيوت التي تعرضت للدمار، بالتالي فإن الناس بحاجة لدعم الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA).

وقالت مديرة الوكالة داين كريسويل إن الحد الأقصى لمستوى منحة “فيما” أقل من 44 ألف دولار، وهذا المبلغ لا يكفي بالطبع لبناء منزل.

ولذلك، تعهدت بأن تعمل الوكالة مع شركائها بما في ذلك إدارة الأعمال الصغيرة، التي يمكنها تقديم قروض منخفضة الفائدة للعائلات، جنبا إلى جنب مع الشركاء غير الهادفين للربح، والخيريين لمساعدة العائلات المتضررة على إعادة البناء.

تابعوا أخبارنا على Google-News

نلفت الى أن منصة صدى الارز لا تدعي بأي شكل من الأشكال بأنها وسيلة إعلامية تقليدية تمارس العمل الإعلامي المنهجي و العلمي بل هي منصة الكترونية ملتزمة القضية اللبنانية ( قضية الجبهة اللبنانية) هدفها الأساسي دعم قضية لبنان الحر و توثيق و أرشفة تاريخ المقاومة اللبنانية منذ نشأتها و حتى اليوم

ملاحظة : التعليقات و المقالات الواردة على موقعنا تمثل حصرا وجهة نظر أصحابها و لا تمثل آراء منصة صدى الارز

اكتشاف المزيد من صدى الارز

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading