قالت إسرائيل إنها اعتمدت كمينا بـ”أسلوب مخادع” مكنها من الإيقاع بالمئات من مقاتلي حركتَيْ حماس والجهاد الإسلامي، ومن بينهم عدد من مسؤولي الأمن والقادة العسكريين، خلال المداهمة الموسعة التي استهدفت مستشفى الشفاء الذي تحاصره في غزة.
وتزامن الانتصار التكتيكي الإسرائيلي مع خروج الخلاف بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والولايات المتحدة بشأن اجتياح رفح إلى العلن. وفيما يصر نتنياهو على تنفيذ الهجوم، تقول واشنطن إن العملية ستؤدي إلى عزل إسرائيل دوليّا.
وأعلن الجيش الإسرائيلي أنه قتل المئات من المقاتلين واحتجز أكثر من 500 مشتبه بهم، من بينهم 358 من أعضاء حماس والجهاد الإسلامي، وهو أكبر عدد يتم اعتقاله بشكل متزامن منذ بدء الحرب قبل ما يقرب من ستة أشهر.
ويُعزى الإيقاع بأعداد كبيرة بين قتلى وموقوفين من المقاتلين إلى نجاح التمويه الإسرائيلي عند اجتياح المستشفى في المرة الأولى خلال شهر نوفمبر الماضي، حيث تعمدت القوات الإسرائيلية الإيحاء بعدم الانتباه لوجود منافذ أهم وأعمق في المجمع الصحي تستخدم من قبل الفلسطينيين، ثم تركت الأمر لأشهر وصار عدد مقاتلي حماس والجهاد الإسلامي كبيرا فعاد الإسرائيليون في ما يشبه الكمين ووجهوا ضربتهم.
وقال المتحدث باسم الجيش الأميرال دانيال هاجاري إن وحدات من القوات الخاصة استخدمت “أساليب خداع” لمباغتة المقاتلين وألحقت أضرارا بالغة بحماس والجهاد الإسلامي. ومن بين المعتقلين ثلاثة من كبار القادة العسكريين في الجهاد الإسلامي ومسؤولان من حماس معنيان بالعمليات في الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى آخرين من مسؤولي الأمن الداخلي في حماس.
وفي وقت متأخر الخميس قال هاجاري في إفادة “مَن لم يستسلموا لقواتنا قاتلوا قواتنا وتم القضاء عليهم”. وعرض في إفادته صورة مركبة لمن قال إنهم المعتقلون. ومستشفى الشفاء هو أكبر مستشفيات غزة قبل الحرب، وهو الآن من المرافق الطبية القليلة التي تعمل ولو جزئيا في شمال القطاع، ويؤوي أيضا نازحين مدنيين.
وواجهت إسرائيل انتقادات شديدة حينما داهمت قواتها المستشفى لأول مرة. وأعلنت القوات أنها عثرت على أنفاق هناك وقالت إن حماس تستخدمها مراكز للقيادة والتحكم. وتنفي حماس والطاقم الطبي استخدام مستشفى الشفاء في أغراض عسكرية أو لإيواء مقاتلين.
وفي الأيام القليلة الماضية قال متحدثون باسم حماس إن القتلى المُعلن عنهم في البيانات الإسرائيلية السابقة ليسوا مقاتلين وإنما هم مرضى ونازحون، واتهموا إسرائيل بارتكاب جرائم حرب.
ويمثل النجاح العسكري الكبير في مجمع الشفاء عنصرا داعما لخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي في الهجوم على رفح بالرغم من اعتراض الولايات المتحدة على ذلك. وقال نتنياهو إنه أبلغ وزير الخارجية الأميركي الجمعة بأن الدولة العبرية تعتزم شنّ عملية عسكرية على مدينة رفح حتى من دون تأييد الولايات المتحدة.
وقال نتنياهو إثر لقائه بلينكن “لا سبيل أمامنا لهَزْم حماس دون الدخول إلى رفح والقضاء على كتائبها المتبقية هناك”، مضيفا “أخبرته بأنني آمل أن أفعل ذلك بدعم من الولايات المتحدة، لكن إذا لزم الأمر سنفعل ذلك بمفردنا”.
وتابع “أخبرته بأنني أقدّر حقًا حقيقة أننا نقف معًا في الحرب ضد حماس منذ أكثر من خمسة أشهر. وأخبرته أيضًا بأننا ندرك ضرورة إجلاء السكان المدنيين من مناطق الحرب وبالطبع تلبية الاحتياجات الإنسانية أيضًا، ونحن نعمل على تحقيق هذه الغاية”.
وقال بلينكن للصحافيين أثناء مغادرته إسرائيل إنه أجرى “محادثات صريحة”، في إشارة إلى اجتماعاته مع مسؤولين من بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. وذكر أن أي عملية عسكرية برية في رفح “تخاطر بقتل المزيد من المدنيين. كما تثير مخاطر من إحداث دمار أكبر للمساعدات الإنسانية، وتهدد بفرض عزلة أكبر على إسرائيل في العالم وتعريض أمنها ومكانتها للخطر على المدى الطويل”.
ويتزامن الخلاف الأميركي – الإسرائيلي بشأن هجوم رفح مع فشل مجلس الأمن الدولي في تمرير مشروع قرار أعدته واشنطن ويدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وهو ما يوفر لنتنياهو فرصة تنفيذ الهجوم على رفح دون أي ضغوط أو تقييد من مجلس الأمن. واستخدمت روسيا والصين الجمعة حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإسقاط المشروع.
وقالت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إن الفيتو المزدوج ليس “خبيثا فحسب”، بل هو “سخيف” أيضا. وأضافت “بكل بساطة لا ترغب روسيا والصين في التصويت لصالح قرار صاغته الولايات المتحدة”، وأنهما تفضّلان رؤية الولايات المتحدة “تفشل” على حساب تحقيق المجلس “نجاحا”.
ونال نصّ مشروع القرار تأييد 11 دولة من الأعضاء الـ15 في مجلس الأمن، ورفضته روسيا والصين والجزائر، بينما امتنعت غويانا عن التصويت. ورأى المندوب الروسي فاسيلي نيبينزيا أن الولايات المتحدة لا تبذل أي جهد لكبح جماح إسرائيل، ساخرا من واشنطن لحديثها عن وقف لإطلاق النار بعدما “مُحيت غزة فعليا من وجه الأرض”.
وأضاف “شهدنا مسرحية معتادة تنطوي على نفاق”، مؤكدا أن مشروع القرار الأميركي “مسيّس بشكل مبالغ فيه وهدفه الوحيد هو استرضاء الناخبين ورمي طعم لهم عبر الإشارة إلى نوع من وقف إطلاق النار في غزة”.
وتضمن المشروع الأميركي كذلك إدانة “دعوات وزراء حكوميين إلى إعادة استيطان غزة ويرفض أي محاولة لإحداث تغيير ديمغرافي أو إقليمي في غزة”، ويدين “كل الأعمال الإرهابية، بما فيها هجوم حماس في السابع من أكتوبر” على جنوب إسرائيل.