بينما كان «حزب الله» يعمل على تقديم الإغراءات لرئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، لإعادته إلى كنف القرار الممانع و»الذهاب موحّدين إلى الحوار والانتخاب»، كاد رئيس «تيار المرده» سليمان فرنجية يخرج عن صمته لولا مسارعة قيادة «الحزب» إلى إيفاد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» محمد رعد إلى بنشعي لعلّه يُفلح بمعالجة غضب البك الزغرتاوي على خلفية لقاء رعد مع قائد الجيش العماد جوزاف عون.
وقصة «الحزب» مع الحلفاء، ينطبق عليها قول الشاعر «كلما داويتُ جرحاً سال جرحُ»، فعندما حصل التسريب المقصود عن لقاء رعد والعماد عون، بدأت الاتّصالات ترد إلى حارة حريك من مصدرين أساسيين: ميرنا الشالوحي وبنشعي، للاستفسار عن ظروف ومضامين اللقاء. وكانت الأجوبة تطمينية خلاصتها أن لا تغيير في توجّه «الحزب» الرئاسي حتى الآن، إلّا أنّ ذلك لم يطمئن فرنجية. إذ يكشف مصدر واسع الاطّلاع أنّه «وجّه رسالة غاضبة إلى «حزب الله» رافضاً فيها أن يكون ورقة تُستخدم في التفاوض حول مستقبل الوضع في لبنان، وأنّه لن يقبل بأن يُصرف ترشيحه على حساب كرامته، وأنّ كل الأمر يكلّفه جملة وحيدة: لقد أصبحت بإرادتي خارج السباق الرئاسي».
ويقول المصدر إنّه «فور تبلّغ الحزب رسالة فرنجية الغاضبة تمّ إيفاد رعد إلى بنشعي، للوقوف على خاطر البك الزغرتاوي، شارحاً له ظروف اللقاء مع العماد جوزاف عون وأنّه لا تخلي عن ترشيحه، وأنّ أي دعسة ناقصة من قبله تضيّع كل الجهد المبذول للوصول إلى سلّة تفاهمات ربطاً بالاستحقاق الرئاسي، وأنّ إعلان انسحابه يعني خسارة كل هذا الجهد والبدء من جديد ومن موقع أضعف».
ويضيف المصدر «أنّ رعد تمكّن من تهدئة غضب فرنجية، وواكب إعلام الممانعة الزيارة بحملة واسعة صبّت في خانة واحدة أنّ للحزب مرشحاً وحيداً هو سليمان فرنجية، وبالتالي أعاد الحزب رتق فتق فرنجية من دون أن يتمكّن من معالجة ريبة «التيار الوطني الحر» القديمة والمتجدّدة. إذ إنّ أولى رسائل الابتزاز الباسيلي كانت من خلال رفع سقف المطالب في ما خصّ الحوار حول اللامركزية الإدارية الموسّعة والصندوق الائتماني، إذ بعدما تم قطع شوط كبير في الوصول إلى اتفاق حول اللامركزية برزت فجأة طروحات جديدة لوفد التيار أعادت الأمور إلى نقطة الصفر».
ويوضح المصدر أنّ «حزب الله» الذي يعرف صعوبة إقناع جبران باسيل بخيار فرنجية، عاد إلى استخدام أسلوب التهويل من عامل الوقت، ومرّة جديدة نشط إعلام الممانعة ومنصاته الجديدة، في عملية ضغط تصاعدية وصولاً إلى القول إنّ حظوظ قائد الجيش صارت متقدّمة جداً وإنّ المسألة تُعدّ بالأسابيع، والهدف من ذلك القول لباسيل إنّه عليك المسارعة للانضواء مجدداً تحت خيارنا والذهاب إلى انتخاب فرنجية وإلا فالبديل جوزاف عون».
ويتابع المصدر قائلاً «إنّ ردّ التيار جاء على مرحلتين: الأولى تمثلت بالقول إنّه في حال الاتفاق الدولي مع غالبية داخلية على انتخاب العماد عون فإننا سنقترع بورقة بيضاء وسنكون في صفوف المعارضة، والثاني ما عبّر عنه بالأمس باسيل في خطاب الولاية الجديدة بدعوته إلى مقايضة الرئيس المفروض من الخارج برفع الحصار عن لبنان، وهذا يؤشّر على أنّ لدى التيار خيارات متنوّعة، وعملية ضبط باسيل من قبل «الحزب» أمر صعب، وفي الأساس كل ما يؤرق «الحزب» هو عدم توقّع الخطوات التي يقدم عليها باسيل داخلياً وخارجياً، إذ لم يعد يكفي ترداده مقولة إنّه لن يختلف مع «الحزب» في الثوابت التي لها علاقة بإسرائيل».
فما الجديد الذي رفع وتيرة وحماوة الاستحقاق الرئاسي؟
يكشف المصدر عن عاملين أساسيين جعلا إمكانية إتمام الاستحقاق الرئاسي ليست بعيدة المنال وهما:
الأول: النهاية الدراماتيكية للمبادرة الفرنسية، والتي أعلنت وفاتها قبل الجولة الثالثة للموفد الرئاسي الفرنسي جان– إيف لودريان إلى بيروت، وتحديداً عندما بعث برسائل الاستجواب إلى كتل ونواب طالباً إجابات خطية ولم يستجب له الجميع، وجاء حضوره الأخير ليثبت أنه بعد المبادرة التي سبق واتفقت الإدارة الفرنسية عليها مع «حزب الله» والتي تمثلت بمقايضة سليمان فرنجية ونواف سلام، وجد لودريان ضالته في مبادرة الرئيس نبيه بري الحوارية داعياً إلى تلبيتها، الأمر الذي أكد ما هو مؤكد تاريخياً عن الدور الفرنسي في لبنان على أنّه دور مسهل لا أكثر ولا أقل ولا يمكنه اجتراح الحلول.
الثاني: المعطيات التي وصلت إلى أكثر من جهة لبنانية عن إمساك قطر بتفويض من الخماسية العربية والدولية بالملف عوضاً عن فرنسا التي ستبقى في الصورة، والرسائل التي تصل تباعاً إلى المعنيين حول أنّ الخيار الثالث محصور بقائد الجيش العماد جوزاف عون وهناك إجماع عربي ودولي ولا سيما فاتيكاني على شخصه مقروناً بتأييد لبناني نيابي وازن، ما يعني أنّ إمساك الدوحة بالملف يعني بدء وضع اللمسات التنفيذية على اتفاق مدخله انتخاب رئيس للجمهورية».
وأكد المصدر أنّ «خيار قائد الجيش الرئاسي أصبح في الشوط الأخير، وأنّ المسألة هي مسألة وقت، وأنّ الحوار المنتظر سيقوده رئيس الجمهورية المنتخب ضمن سقوف زمنية غير مفتوحة يضع كل بنود اتفاق الطائف موضع التنفيذ من خلال إصدار المراسيم التطبيقية».