سقط نظام آل الأسد، لتطوى صفحة هي الأكثر دموية منذ نصف قرن لـ”سجن سوري كبير”، هدّد دولة “لبنان الكبير” إن مباشرة باحتلال دام خمسة عشرة عاماً، أو بسلسلة اغتيالات وتعذيب وخطف، أو بنيترات الأمونيوم وانفجار مرفأ بيروت…
سقط بشار الأسد، وشرور نظامه بحق لبنان لم تسقط بعد، ففيما مصير مئات اللبنانيين في سجون الأسد، مجهول إلى اليوم، لم يكن مصير “رجالات” مخابرات الأسد مجهولاً، مع فرارهم إلى لبنان بتسهيل من “حزب الله”.
فالخطر الأكبر كان بما كشفته مصادر أمنية رفيعة لـ”نداء الوطن”، عن اختباء كبار رجالات نظام الأسد في بيروت وفنادقها، وبحماية من “أمن الدولة” وغطاء من “حزب الله”، وأبرزهم علي مملوك، المطلوب للعدالة اللبنانية بتهمة الإرهاب، الذي يمكث في مخبأ 5 نجوم عوض أن “يعفن” في السجن لتورّطه بتفجير مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس، وفق القضاء اللبناني!
فهل تتحمّل الدولة اللبنانية بكافة أجهزتها اليوم، كلفة تسهيل اختباء مطلوبين للدولة اللبنانية أمثال علي مملوك، في لبنان، كتعريض الدولة لعقوبات مستقبلية لإخفائها مطلوبين دوليين؟ وماذا عن العبث بأمن لبنان واستقراره، بحماية مطلوبين للبنانيين عليهم ثأر، عوض تسليمهم للعدالة؟
بين فنادق بيروت والضاحية
ووفق مصدرين أمنيين متقاطعين، فإن أقرباء الأسد ورجالات النظام البارزين، اختبأوا تحديداً بين فنادق بيروت والضاحية.
ووفقاً للمعلومات، فإنّ اللواء علي مملوك، الذي دانه القضاء اللبناني بالقيام بـ”أعمال إرهابية” في ملف “مسجدَي التقوى والسلام”، يختبئ في الضاحية الجنوبية، بحماية من “حزب الله”.
أما والدة رامي مخلوف، زوجة خال بشار الأسد، فتختبئ في أوتيل فينيسيا Phoenicia Hotel، كما علم أن أولاد خالته في بيروت أيضاً.
أما فراس عيسى شاليش. (أبن أخ ذو الهمة شاليش، المتورط في مجازر محافظة حماة وجسر الشغور أيام حافظ الأسد)، فيختبئ في فندق Movenpick Beirut.
وكذلك خالد قدّور، رجل الأعمال السوري المُقرّب من ماهر الأسد، والمدرج على لائحة العقوبات الأميركية، “لتوفيره الدعم المالي أو المادي أو الفني عن علم لماهر الأسد، أو لمشاركته في عمليات مهمة معه عن علم” وفق وزارة الخزانة الأميركية، فموجود أيضاً في Movenpick Beirut.
علماً أن حراسة مشددة من دوريات أمن الدولة، تحيط بالفنادق في بيروت حيث تختبئ هذه الشخصيات (تصل لـ3 دوريات للفندق الواحد).
رشى وتورط عناصر من الأمن العامّ
ووفق المصادر الأمنية، فلجوء عناصر المخابرات السورية ورجالات النظام، بدأ قبل أيام من سقوط دمشق. أي خلال أيام سقوط حلب وحمص بيد “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشرع (الملقب بأبو محمد الجولاني)، وبتسهيل من “حزب الله” ومن ضابط الأمن العام عند الحدود اللبنانية أحمد نكد، الذي تربطه صلات بعلي مملوك.
وهروب عناصر المخابرات إلى لبنان، على الرغم من تسهيله من قبل “حزب الله”، فقد تم أيضاً عبر دفع رشى لعناصر في الأمن العام، (وصلت لآلاف الدولارات)، أما دور عناصر “الحزب”، فكان تسهيل مرورهم عبر تبديل لوحات سياراتهم السورية بلوحات لبنانية.
هذا في المعابر الشرعية وتحديدا المصنع، أما المعابر غير الشرعية، ولا سيما في الهرمل، فتقدر أعداد رجالات الأمن والمخابرات السورية التي هربت إليها دون ضوابط، بالآلاف.
“أذناب” النظام تهدد بيروت مجدّداً
“أذناب النظام” الذي كتم بجرائمه على أنفاس بيروت لعقود، تكتم مجدداً على أنفاس العاصمة، بل وتهدّد أمنها واستقرارها.
ففي المخاطر الأمنية، لا بدّ من توجيه أسئلة مشروعة للأجهزة اللبنانية:
-ماذا عن خطر زعزعة استقرار المجتمع اللبناني في أدقّ مرحلة بعد الحرب ولملمة الجراح الداخلية ومحاولة بناء دولة المؤسسات؟ فاللبنانيون الذين ما زالوا يبحثون عن مفقوديهم في السجون، وعائلات القيادات السياسية والصحافيين الذين اغتالهم النظام السوري، وعموم اللبنانيين الذين هتفوا في ثورة 14 آذار “ما بدنا جيش بلبنان إلا الجيش اللبناني”، لن يقفوا مكتوفي الأيدي على اختباء متورطين بهدر الدم اللبناني، أمثال علي مملوك المتورط بتفجير مسجدي التقوى والسلام، والذي عوض أن ينال جزاءه في القضاء اللبناني ويمكث في سجونه، ينام قرير العين في عقر دار العاصمة اللبنانية.
-كذلك، يعرّض وجود أذناب الأسد في الضاحية وبيروت، العاصمة لخطر ضربات اسرائيلية محتملة، في حال وجود النية بتصفيتهم.
– وإذا أضيف خطر وجود آلاف رجال الأمن والمخابرات السورية الهاربين للبنان، وهم بحماية حزب الله إلى المعادلة، فإن سؤالا آخر يطرح للأجهزة الأمنية اللبنانية: ماذا إذا تم تجنيدها لصالح حزب الله مستقبلا، هو الذي لم يقدّم إلى اليوم، إشارة إيجابية على نيته الحقيقية بتسليم سلاحه للجيش اللبناني، وحصر نشاطه بالسياسة واحترام السيادة اللبنانية؟
-المخاطر تتخطى الداخل اللبناني، وتهدد علاقات الدولة اللبنانية مع الخارج، والشرعة الدولية. في السياق، تسأل المصادر الأمنية، هل تتحمل الدولة تسهيل اختباء مطلوبين للعدالة الدولية، وما يترتب عليه من محاكمات وعقوبات على الدولة اللبنانية؟
وبعيداً من المخاطر الأمنية والسياسية، فإن إختباء مطلوبين للدولة اللبنانية أمثال علي مملوك، في لبنان، بحماية من جهاز أمن الدولة، هو عار وطعن ليس لبيروت ولمآسي اللبنانيين وللعدالة ذاتها، بل طعن لفرصة قيام دولة المؤسسات والقانون واضمحلال الدويلة.
سقط نظام الأسد، وما زال في آخر أيامه، يسعى لإسقاط الدولة اللبنانية. فهل تنتفض الدولة بأجهزتها الأمنية والقضائية قبل انتفاضة اللبنانيين على الطبقة السياسية الموالية لنظام ساقط، فيتصرف قادتها كقادة دولة قانون ومؤسسات؟ أم يستمرّون بربط مصيرهم بمصير نظام الأسد؟