ريبة المعارضة
وعلى خط آخر فإن الحوار بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” الذي انطلق بعد توتر العلاقة بين الحليفين على خلفية دعم الحزب لرئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، أحدث “نقزة” في صفوف المعارضة التي تتخوف من أن يؤدي هذا الحوار إلى أن يقطع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل “تقاطعه” معها ويقبل فرنجية رئيساً، في مقابل استجابة “حزب الله” لمطلبين يتمسك بهما، وهما السير باللامركزية الإدارية والمالية، وإنشاء الصندوق الائتماني، ومطالب غير معلنة تتمثل بحصة وازنة في الحكومة والإدارة والعهد بصورة عامة.
وفي المقابل يعتبر كثيرون أن الحوار بين الحزب والتيار شكل قارب نجاة للطرفين المتهمين بتعطيل الاستحقاق الرئاسي، فـ “حزب الله” المتمسك بفرنجية لرئاسة الجمهورية أزعجه التلاقي الذي حصل بين باسيل والمعارضة على المرشح جهاد أزعور، وهو يراهن على إبقاء “التيار الوطني الحر” شريكاً مسيحياً في المرحلة المقبلة، وعلى تقطيع الوقت حتى تتغير الظروف الإقليمية فتصب لمصلحته ومصلحة مرشحه، والرهان على الوقت يدخل أيضاً في حسابات باسيل الذي يسعى من خلال الحوار مع “حزب الله” إلى مد أجل الفراغ الرئاسي حتى “احتراق” ورقة قائد الجيش العماد جوزف عون وتقاعده خلال أشهر قليلة.
“تحتاج إلى وقت”
وفي إطلالة الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصرالله الأخيرة، وعلى رغم الإشارة الإيجابية التي أطلقها باتجاه الحوار مع التيار، إلا أنه اعترف بأن النقاش يحتاج إلى بعض الوقت، وألمح إلى صعوبات تكتنف إقرار قانوني اللامركزية والصندوق الائتماني اللذين وضعهما باسيل كشرطين للاتفاق مع الحزب على انتخاب رئيس، فنصرالله ذكّر بأمور كان من المفترض أنها بدهية قبل انطلاق المسار مع التيار، وكالحاجة إلى أكثرية نيابية ومشاورات مع فرقاء آخرين، وإقناع الحلفاء خصوصاً نبيه بري. وبدوره اعتبر باسيل أن اللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني يتطلبان جهداً كبيراً، ورحب في تصريح أخير بدعوة بري إلى حوار السبعة أيام كتمهيد لفتح جلسات متتالية لانتخاب رئيس، فكيف يوفق التيار بين قناته مع “حزب الله” التي تستلزم أسابيع وأشهراً للاتفاق على رئيس، وقبوله بمبادرة السبعة أيام لبري؟
التيار مرتاح للأجواء
وينفي عضو التكتل النيابي لـ “التيار الوطني الحر” (لبنان القوي) النائب غسان عطاالله أية نية لدى التيار أو الحزب في كسب الوقت، ولا أحد بحسب رأيه قادر على الرهان على الوقت، خصوصاً “حزب الله”، متسائلاً هل وضع الحزب في سوريا اليوم، كما كان منذ عامين أو ثلاث؟
وإذ يؤكد أن المدة الزمنية المعطاة للحوار هي حتى أكتوبر (تشرين الأول)، يكشف عطاالله لـ “اندبندنت عربية” أن الحوار مع “حزب الله” في شأن اللامركزية الموسعة قطع شوطاً كبيراً، وهناك أكثر من 80 في المئة من النقاط باتت شبه محسومة، وأن النقاش انتقل منذ فترة إلى مرحلة كتابة الأفكار وتوثيقها، بانتظار الاتفاق على الـ 20 في المئة الأخرى المتعلقة بحجم الإدارات، معترفاً بأن الصندوق الائتماني قد يحتاج إلى مزيد من الوقت لأنه أصعب من اللامركزية بالنسبة إلى الثنائي الشيعي، وأكد أن الحوار يسير بخطوات ثابتة لكن حذرة وغير متسرعة. النائب المقرب من باسيل كشف أن الثنائي الشيعي، “أمل” و”حزب الله”، أعطى موافقته المبدئية على اللامركزية الإدارية المالية، وأن الفكرة باتت مقبولة فلا وجود للامركزية في العالم من دون الشق المالي. وكشف عطاالله أن النقاش يستند إلى اقتراح القانون المقدم من وزير الداخلية الأسبق زياد بارود معترفاً بضرورة بعض التعديلات، ورداً على رهان الحزب على سقوط القانونين في مجلس النواب، أكد عطاالله أن “حزب الله” يسعى إلى تأمين الأكثرية النيابية لانتخاب مرشحه سليمان فرنجية، ويمكنه أن يؤمن الأكثرية لمشروعي قانوني اللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني.
رهان “حزب الله”
وتكشف مصادر مقربة من “حزب الله” أن الحزب و”التيار الوطني الحر” يسيران بتصميم نحو تفاهم، وتؤكد لـ “اندبندنت عربية” أن الأجواء إيجابية وأن الوقت الذي تحدث عنه نصرالله هدفه التنسيق مع بقية الحلفاء، مشيرة إلى أن البحث يركز حالياً حول مشروع اللامركزية الإدارية الذي طرحه الوزير بارود، وقد وضع الحزب ملاحظاته التفصيلية على أن يعقد بحسب المعلومات لقاء قريباً لمناقشة ملاحظات الحزب وردوده، وفي ضوء نتائج هذا النقاش ينتقل الحوار إلى النقاط الأخرى.
باسيل، بحسب المعلومات، أبلغ “حزب الله” بأنه يسير بالمشروع الذي كان تقدم به بارود حول اللامركزية، لكن مع تعديلات وصفها بالبسيطة، ومشروع بارود ينص على لامركزية إدارية ومالية، والشق المالي الذي يتضمنه المشروع ليس بالكبير، لكنه يشير إلى أن أي لامركزية تستتبع حكماً وجود لامركزية مالية.
ويرد العالمون بموقف الحزب موافقته المبدئية على اللامركزية الإدارية الموسعة كونها لا تمس مبدأه وسياسته، ولصعوبة أو استحالة إقرارها حالياً، خصوصاً أنها والصندوق الائتماني لا يمكن تحقيقهما إلا في مجلس النواب المنقسم الذي لم يعد يمتلك فيه فريق واحد أكثرية.
“حليف الحليف” غير موافق
وفي مبادرة بري التي جاءت في خطاب في ذكرى الإمام موسى الصدر، كان لافتاً عدم تضمنه أية إشارة إلى شرطَي باسيل للانتقال إلى ضفة فرنجية، أي اللامركزية والصندوق الائتماني، ولم يسجل بري أي موقف معلن من المسألتين، فهل المقصود في ذلك توزيع أدوار بين الثنائي بهدف كسب الوقت حتى تتغير الظروف؟ فعلى رغم ما ينقل عن بري بتسهيل الوصول إلى تفاهم مع باسيل بالملف الرئاسي، إلا أنه يرفض في المقابل السير بشروط “التيار الوطني الحر” في شأن اللامركزية المالية ويرفض تخطي الدستور، وهو ما قد يستند إليه “حزب الله” الذي رفع شعار التنسيق مع الحليف.
ويؤكد النائب قاسم هاشم لـ “اندبندنت عربية”، وهو من فريق بري النيابي، أن فريقهم السياسي يشجع أي حوار بين القوى السياسية، مذكراً بأن بري كان دائماً من دعاة الحوار.
وإذ تمنى هاشم أن يصل الحوار بين الحزب و”التيار الوطني الحر” إلى تفاهم، فإنه يرى أن النقاش لم ينته بعد بينهما حول المواضيع المطروحة، ويشدد هاشم في المقابل أنهم مع “اتفاق الطائف” وما ينص عليه الدستور في موضوع اللامركزية الإدارية وغيرها، معتبراً أن هناك نقاطاً كثيرة جوهرية في الدستور اللبناني لم تطبق حتى الآن.
وإذ يعترف هاشم بأن اللامركزية الإدارية إحدى المواد الأساس لتطوير النظام، يشدد في المقابل على وجود ملاحظات حولها معتبراً أن النقاش يحتاج إلى دقة في البحث، ويؤكد هاشم أنهم في المبدأ ليسوا ضد السير في اللامركزية الإدارية الموسعة لكن ضمن مفاهيم التنوع ضمن الوحدة والحفاظ على الوحدة الوطنية.
وأكد هاشم أن موافقتهم لن تكون سطحية أو “على العمياني”، ولن يفرطوا بهذا الموضوع حتى لا يصلوا إلى ما يشبه الأرضية الصالحة، على حد تعبيره، لما هو أبعد من اللامركزية الإدارية، أي إلى التقسيم المرفوض بصورة قاطعة، فكيف يوفق “حزب الله” و”التيار الوطني” بين حوارهما ومبادرة رئيس البرلمان بنيه بري؟