ولم يعتد اللبنانيون هذا الكم من العنف الذي يطول الأطفال بشكل أساسي.
فقد افتُتح هذا الشهر على جريمة اغتصاب الطفلة لين طالب، ابنة الست سنوات، في منطقة عكّار (شمال لبنان)، والتي أدت إلى وفاتها. وادّعت المحامية العامة الاستئنافية في الشمال، القاضية ماتيلدا توما، على جدّ الطفلة لأمّها، كما على والدتها، في ملف الاعتداء عليها والتسبب بالإيذاء القصدي، والتستُّر على الجريمة بالنسبة إلى الأخيرة.
وبعد أيام على الكشف عن جريمة اغتصاب الطفلة ومقتلها، أثار مقطع فيديو يظهر تعرض عدد من الأطفال والرُّضَّع للضرب والتعنيف والإهانة داخل حضانة في لبنان، موجة من الغضب والصدمة. وقد ادَّعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون على الموظفة، بجرم محاولة قتل وإيذاء أطفال. كما ادَّعت على صاحبة الحضانة بجرم الإيذاء، لعدم القيام بالمراقبة اللازمة في الحضانة.
وقبل أيام معدودة، اهتزَّ الرأي العام اللبناني مجدداً، مع العثور على 3 أطفال حديثي الولادة مرميين على قارعة الطريق، في حادثتين منفصلتين، إحداهما حصلت في طرابلس بالشمال، والأخرى في منطقة نهر إبراهيم بجبل لبنان.
ويوم الخميس الماضي، دخل العنف منازل اللبنانيين، نتيجة تضارب سياسي وإعلامي لبنانيين على الهواء مباشرة، أثناء حوار تلفزيوني. وتحولت مشادة كلامية، خلال برنامج «صار الوقت» الذي يقدمه الإعلامي مارسيل غانم، إلى تضارب، بعدما اعتدى رئيس حزب «التوحيد العربي» الوزير السابق وئام وهاب، على الإعلامي سيمون أبو فاضل، خلال مشاركتهما في البرنامج الحواري.
ويربط كثيرون تصاعد وتيرة العنف والإجرام بالضيق الذي يعيشه قسم كبير من اللبنانيين، نتيجة الأزمة المالية التي تعصف بالبلد منذ 3 أعوام ونصف عام. وتعدُّ الدكتورة منى فياض، الأستاذة في علم النفس أن «طول أمد الانهيار المالي دون أفق للحل، وترافقه مع انهيار معظم القطاعات، له الأثر الأكبر في تعدد مظاهر العنف»، لافتة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «عدم تطبيق القانون على جميع اللبنانيين سواسية، وشعورهم بأن هناك من هو فوق القانون، يشجع -لا شك- المجرمين على اقتراف جرائمهم».
وتضيف فياض: «من دون أن ننسى أن لدينا فائضاً من اللاجئين، وصراعاً على استهلاك الموارد القليلة، ما يؤثر على الوضع النفسي الشخصي كما الجماعي».
من جهتها، ترى مستشارة الصحة النفسية سابين صادر، أن «الإحباط نتيجة الأزمة المالية يفاقم مظاهر العنف؛ لكنه لا شك لا يمكن ربط هذه المظاهر حصراً بالأزمة؛ لأننا نتحدث هنا عن جرائم، والضيق المالي لا يؤدي وحده لمثل هذا النوع من الجرائم». وقالت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «إننا في لبنان عشنا في السنوات الماضية أزمات متعددة، أدت لزيادة الخلل النفسي عند الأشخاص الذي يعانون أصلاً من هذا الخلل؛ سواء لجهة المكوث لأشهر طويلة في المنزل نتيجة (كورونا) أو انفجار مرفأ بيروت الذي أدى لصدمة كبيرة لدى الغالبية العظمى من الناس، وكلها أحداث تزامنت مع الأزمة المالية والانهيار الذي شهده البلد على الصعد كافة، ما أثر على الصحة النفسية للناس»، مضيفة: «لكن هناك أشخاصاً لا يحبذون اللجوء للعلاج النفسي، أو لا يعرفون أصلاً أنهم مضطربون نفسياً».
وتوضح صادر أنه «في كل المجتمعات هناك ظواهر من هذا النوع، وكذلك في المجتمع اللبناني ومنذ زمن بعيد. لكن ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وتعددها، بتنا نسمع أكثر بهذه الجرائم وبسرعة أكبر»، مشددة على أنه «ما دام العقاب ليس على مستوى الجريمة، وما دام هناك من يلجأ للجريمة لقناعته بأنه لا خيار له إلا بأخذ حقه بيده في ظل غياب العدالة، فمثل هذه الجرائم ستتكرر؛ خاصة أن التضامن الشعبي مع الضحايا يستمر أياماً وأسابيع وينتهي بعدها، ويبقى هؤلاء الضحايا وعائلاتهم يصارعون وحدهم مصيرهم».