يتعرض الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لحملة من قبل حزب الله وأنصاره على خلفية تصريحات للبطريرك الماروني انتقد فيها بشكل ضمني سياسات الحزب “الفاشلة ولثقافة الموت التي لم تجر سوى الانتصارات الوهمية”.
ودأب حزب الله على استهداف أي مرجع ديني أو سياسي في لبنان، لمجرد إبداء موقف أو رأي مناهض له، وهو ما حصل مع زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وزعيم حزب الكتائب سامي الجميل، لتتكرر اليوم الحملة مع البطريرك الماروني.
وقال عضو تكتل الجمهورية القوية النائب بيار بوعاصي عبر حسابه على منصة إكس إن “هجمة حزب الله تستهدف البطريركية المارونية صانعة لبنان الكبير وضمانة وجود ودور كافة أبنائه”، مضيفا أن “هدف الانقضاض على البطريرك الراعي هو القضاء على لبنان الحريّة والاستقلال”.
وعبر النائب فؤاد مخزومي عن تضامنه مع البطريرك بشارة الراعي “الذي يتعرض لحملة تخوين ممنهجة ومعروفة الأهداف، نرفضها رفضا مطلقا. فغبطة البطريرك الراعي كان وسيبقى رمزًا للعيش المشترك وركنًا أساسيًا من أركان السلم الأهلي والحفاظ على لبنان وسيادته وثوابته الوطنية”.
وأثارت لقاءات الراعي مع وفود يمثلون أهالي البلدات الجنوبية الذين اشتكوا من الزج بهم في أتون مواجهات لا طاقة لهم بها مع إسرائيل، غضب حزب الله.
وتصاعد امتعاض الحزب اللبناني المدعوم من إيران، بعد عظة شديدة اللهجة للراعي الأحد الماضي قال فيها “كم يؤسفنا أن نرى شعبنا في حالة الذل والفقر والتقهقر الاقتصادي، ولا عجب فدولتنا المبتورة الرأس أصبحت بمقدراتها الكبيرة فريسة الفاسدين المعتدين عليها والعاملين بكل وسعهم على عدم انتخاب رئيس للجمهورية لكي يخلو لهم الجو والوقت الطويل لقضم مالها ومؤسساتها، وإشاعة حالة من الفوضى تسمح للنافذين بتمرير ما هو غير شرعي”.
ولفت إلى أن “أهالي القرى الحدودية عبّروا لنا عن وجعهم لتخلي الدولة عنهم وعن واجباتها تجاههم، فهم يعيشون وطأة الحرب المفروضة عليهم والمرفوضة منهم”. وتابع “أقتبس من رسائلهم قولهم إنه لا شأن للبنان واللبنانيين بالحرب ونعيش ضغوطات الحرب النفسية، وتسحق أعصابنا أهوال الغارات وأصوات القذائف، وأطفالنا محرومون من وسائل الترفيه، ولا يتلقون تعليماً إلا عن بعد”.
وأضاف الراعي “ويقولون لنا: بإمكانكم أن تتصوروا مدى الفوضى والإخفاق الذي يترتب على هذا الواقع المرير… اسمحوا لنا بأن نقولها بالفم الملآن ليس تخلياً عن القضايا الوطنية والعربية، نرفض أن نكون رهائن ودروعاً بشرية وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجر سوى الانتصارات الوهمية”. وتابع “نسمع وقلبنا ينزف دماً، ونعمل لمساعدتهم بشتى الوسائل بالتعاون مع ذوي الإرادات الحسنة”.
ولم يكد الراعي ينهي عظته حتى تهاطلت ردود الفعل من أنصار الحزب والتي لم تخلو من التخوين، حيث وصفوه بـ”الراعي غير الصالح”، و”البطريرك الصهيوني وراعي عملاء لحد وعقل هاشم”.
وانخرط المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان في الحملة ضد الراعي حيث قال دون أن يسميه “من المعيب أن تنتقص من أولئك الذين يقدمون أنفسهم من أجل الوطن والإنسان”، مؤكداً أن “ثقافة الموت ثقافة من لا يهتم بوطن، ولا ببلد، ولا بسيادة، ولا بمذابح شعب، ولا بصوت ضمير، فضلاً عن وصايا السماء والأنبياء”.
وقال قبلان في بيان “أهل الجنوب لا يحتاجون إلى شهادة من أحد؛ لأنهم هم الشهادة والحياة والانتصار، والمحسوم أنّ تحرير لبنان ليس وهمياً، وحج العالم المتواصل إلى لبنان بخلفية حماية الكيان الصهيوني أيضاً ليس وهمياً، على أن البكاء يجب أن يكون على لبنان والشعوب المظلومة لا على حجيج العالم الذي لا يهمّه إلا تل أبيب وإنقاذها من هزيمتها المدوية”.
ويرى لبنانيون أن الصمت الرسمي للحزب على الحملة التي يتعرض لها الراعي يؤكد أنها أتت بضوء أخضر منه، معتبرين أن الحزب وأنصاره تجاوزوا جميع الخطوط الحمراء في استهداف العيش المشترك في لبنان.
وأدانت كتلة “تجدد”، “الحملة المشينة التي تشن على البطريرك وعلى الكنيسة”، واعتبرت “أن القائمين على هذه الحملة المبرمجة والمحرضين عليها يساهمون في تقويض أسس العيش المشترك والشراكة بين اللبنانيين، عبر استعمال خطاب التخوين والتعرض للكرامات، متوهمين القدرة على فرض الرأي الواحد على شركائهم في الوطن”.
ويخوض حزب الله مواجهات مع الجيش الإسرائيلي منذ الثامن من أكتوبر الماضي، أسفرت عن مقتل العشرات، وأدت إلى نزوح الآلاف من القرى الحدودية. وربط الحزب وقف الهجمات بالتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.