من فصل إلى آخر، ينتظر اللبناني فؤاد عيتاني موسم هجرة الطيور، لا لصيدها، بل لالتقاط صور جميلة لها، بعد استبداله البندقية بالكاميرا منذ سنوات.
واعتاد عيتاني (41 عاما) ممارسة هواية الصيد لفترة طويلة، لكنه قرر قبل 10 سنوات بدء رحلة جديدة لتصوير الطيور البرية بدلا من صيدها، في محاولة لتوعية المجتمع بشأن أهميتها للبيئة.
وقال عيتاني للأناضول، إن “حُبّه للطبيعة دفعه عام 2013 للبدء بمراقبة الطيور وتصويرها، ونشر تلك الصور على مواقع التواصل الاجتماعي”.
وأضاف أن “الغاية من ذلك هي توعية الجمهور بأهمية الطيور، وحث الصيادين على تجنب الصيد الجائر للحفاظ على التوازن البيئي في الطبيعة”.
** “مجازر” بحق الطيور
ويمنع القانون اللبناني صيد الطيور “المفيدة للزراعة والتوازن البيئي”، ويحصر أوقات الصيد في الفترة بين شهري سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني، إلا ان كثيرين لا يلتزمون بالقانون.
وفي دراسة سابقة لمنظمة “بيرد لايف” (خاصة)، يوجد في لبنان 327 نوعا من الطيور المقيمة والمهاجرة، إلا أن 59 بالمئة منها يتعرض لجميع أنواع الصيد الجائر (بالبندقية والشباك وغيرها).
ويؤدي الصيد الجائر، بحسب الدراسة ذاتها، إلى مقتل 2.6 مليون طائر سنويا في لبنان، ما يدفع بالجمعيات البيئية لرفع صوتها عاليا ضد “المجازر” بحق الطيور.
** تصوير احترافي
سرعان ما احترف عيتاني هوايته الجديدة، بعدما لاقت صوره تفاعلا ايجابيا دفعه إلى التعمق في عالم الطيور عبر القراءة والأبحاث.
وقال عيتاني إن “الصيد في لبنان هواية مكتسبة من جيل إلى آخر، وموجودة لدى معظم اللبنانيين، وتعد جزءا من الثقافة الوطنية”.
ولفت إلى أنه “تعلم الصيد من والده وأقاربه عندما كانوا يذهبون إلى رحلات الصيد خلال فصلي الخريف والشتاء”
** ممرّ رئيسي للطيور المهاجرة
وأوضح عيتاني أنه “يمارس هوايته بمسؤولية، بعيدا عن الصيد الجائر، ويتقيد بالقانون الذي يحدد فترة الصيد وكمية الطرائد”.
وعبر عن “أسفه لوجود كثير من المواطنين يصطادون بطريقة عشوائية في فصل الربيع الذي تتكاثر فيه الطيور، وهذا يعتبر خطأ فادحا بحق الطبيعة”.
وبسبب موقعه الجغرافي، يُشكل لبنان ممرا رئيسيا ونقطة استراحة للطيور المهاجرة أثناء انتقالها بين أوروبا وآسيا وإفريقيا، لا سيما في فصلي الخريف والربيع.
** طيور مقيمة
وبعد تركه بندقية الصيد، يمارس عيتاني هوايته بكل حرفية، حيث يوجه عدسة كاميرته نحو الطيور ليلتقط صورا نال عليها عدة جوائز محلية وعالمية.
وأوضح عيتاني أنه يلتحق كل عام ببعثات متخصصة لمراقبة الطيور خارج لبنان، مشيرا أنه يقصد المستنقعات والسهول والجبال بحثاً عن أنواع مختلفة من الطيور ليثري بها أرشيفه من الصور.
وبالإضافة إلى تلك المناطق، تُشكل واجهة بيروت البحرية مساحة هامة لاستراحة وتكاثر عدد من الطيور، نظراً لموقعها الاستراتيجي شرقي البحر الأبيض المتوسط.
وقال عيتاني إن “بيروت تضم ما بين 10 إلى 15 نوعا من الطيور المقيمة”، وإنه “رصد نحو 100 نوع من الطيور خلال موسم الهجرة، تأتي للاستراحة في المنطقة”.
واستذكر عيتاني فترة جائحة كورونا (2020-2021) التي شهدت فرض حظر للتجول في لبنان (كمعظم دول العالم)، حيث وثق حينها طيورا تتكاثر لأول مرة في العاصمة اللبنانية.
** أهمية بيئية واقتصادية
ولفت عيتاني إلى أن “للطيور أهمية كبيرة في الطبيعة فهي تقضي على الحشرات وتمنع الحاجة إلى استعمال مبيدات سامة، كما أن بعض الطيور مثل العقاب والصقر والبومة تقضي على القوارض”.
وبالإضافة إلى أهميتها البيئية، فللطيور أهمية اقتصادية وسياحية في جذب هواة مراقبة الطيور حول العالم، كما يحصل في الدول القريبة من لبنان مثل تركيا وقبرص ومالطا وجورجيا، بحسب عيتاني.
وأضاف أن “الطيور مسؤولة أيضا عن تشجير الغابات، مثل طائر “كيخن اللزاب” الذي يزرع أشجار اللزاب في جرود لبنان، وطائر “أبو زريق” الذي يساهم في تشجير غابات السنديان”.
وأردف عيتاني بأن “طائر الشمس الفلسطيني يشاهد بكثرة في الفترة الأخيرة، ويعد من الطيور المسؤولة عن تلقيح الأشجار والنباتات”.
** الكاميرا بدلا من البندقية
وعبّر المصور اللبناني عن سعادته لتجاوب كثير من المواطنين مع صوره والرسالة المرجوة منها في الحفاظ على الطيور.
كما أشار عيتاني إلى أن “كثيرا من الأشخاص سلكوا ذات الطريق، واستبدلوا البندقية بالكاميرا، خصوصا في فصل الربيع”.
وأوضح أن “ألوان الطيور في فصل الربيع تكون أجمل منها في الخريف، لأن ريشها يكون زاهيا بالألوان”.