بالتزامن مع هواجس اللبنانيين الأمنية وتداعيات الحرب الإسرائيلية، تتصدر التدفئة مشهد القرى والبلدات «الجبلية»، مع مسارعة الأهالي إلى توفير الحطب، كوسيلة أساسية للتدفئة، نظرا إلى ارتفاع تكلفة مادتي المازوت والغاز.
ظاهرة جمع الحطب تحتل مساحة واسعة من المشهد الجبلي العام، لكنها تزيد هواجس الناس. والغالبية تستغل الوقت قبل مداهمة المطر على نحو أكبر، لتجميع ما أمكن من أغصان الأشجار، كالزيتون بعد موسم قطافه، او الصنوبريات، التي يتزامن قطافها مع التحضيرات للتدفئة، وسوى ذلك من الانواع ومن مخلفات الحقول.
أغصان أشجار تحل بدلا من مادة المازوت بسبب ارتفاع سعرها، ويعزو بعضهم الامر إلى ان الحطب أقل تكلفة ورائحه زكية وتقي الانسان من الأخطار الصحية.
اللافت في الأمر أن من كان يملك صوبيا تعمل على إحدى هاتين المادتين، حولها إلى نظام يعمل على الحطب فقط، واستغنى نهائيا عن «حراق» المازوت والغاز، وكذلك عن الكهرباء التي باتت تعكس صورة حالة البلد المتدهورة.
سامي محمود من منطقة العرقوب في الشوف، ومن ذوي الدخل المحدود، قال لـ «الأنباء» ان اعتماده على الحطب كوسيلة للتدفئة، في مواجهة تداعيات البرد وقسوة الشتاء، ليس بالامر الجديد «فمنذ بدأت التحولات الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، واحتجاجات 17 اكتوبر 2019 وانهيار الليرة وارتفاع سعر صرف الدولار، بات خيارنا الوحيد هو التخلي عن التدفئة على المازوت».
ويكمل صديقه ابو بهاء «الشتوية تحتاج سنويا إلى نحو 7 براميل من المازوت واحيانا أكثر بقليل، بحسب قوة الصقيع. منطقتنا ترتفع أكثر من الف متر، وبالتالي تعتبر باردة جدا. تبلغ كلفة البرميل الواحد 160 دولارا تقريبا، أي بمعدل 1120 دولارا في السنة، وبما يصل إلى معدل 100 دولار شهريا، بينما الراتب التقاعدي، مع كل الإضافات عليه لا يصل إلى 400 دولار. هذا الواقع يدفع بنا نحو التوفير الأقصى بالذهاب إلى الحطب».
جوزف ربعمد استهل كلامه إلى «الأنباء» بالقول «الحطب أوفر بمليون مرة من المازوت. وبات اعتماد الغالبية الساحقة من سكان الجبل على الحطب ونحن منهم. نقوم بجمعه على مدار السنة، من خلال تقليم الاشجار لاسيما الزيتون، اذ يكون الانتاج العام في سنة أقل من السنة التي تليها. نقلم الاغصان جيدا ونستفيد من حطبها، وكذلك الامر بالنسبة إلى أشجار الصنوبر، وهي ليست بكثرة الزيتون عددا عندنا».
ولفت إلى ان «سعر الحطب ليس قليلا أيضا، فيما خص الانواع المهمة مثل السنديان والملول، التي تبلغ قيمة نحو 3 أطنان حوالي 600 دولار. ولذا نلجأ عادة إلى ما نستطيع جمعه من حقولنا».
«الدفا عفا ولو في عز الصيف»، مثل لبناني ردده أحمد.س من داريا الشوف، مستندا إلى ان بلدته «ترتفع عن سطح البحر بمعدل 550 مترا، ولا نحتاج فيها إلى قوة تدفئة كبيرة وليست لفترة أشهر طويلة من السنة، انما تقتصر على 4 اشهر من ديسمبر إلى مارس، اكثرها برودة ما يعرف بـ «المربعانية»، حيث المناخ الأشد قسوة للطبيعة، «على رغم ان فصل الشتاء لا يشكل لنا هاجسا كبيرا، والثلج يصل بالعادة في شكل خفيف. لذا نلجأ إلى مدافئ المازوت الحديثة، وهي تعطي رونقا جميلا بالسهر ومن دون كلفة باهظة، وبلا حمل اثقال الحطب وتداعيات إشعاله. والنسوة في هذه الأيام لا يطيقون الرماد والوسخ».
محمود، اب لثلاثة اطفال، قال: في ظل الغلاء الكارثي للمازوت والمحروقات على نحو عام، اذ ان برميل المازوت يعادل من حيث سعره حوالي 3 اطنان من الحطب العادي المشكل، نضاعف الكمية لتصبح بمعدل استهلاكنا الموسمي من الحطب وبوفرة، دون الشعور بثقل العبء الكبير. على هذا الأساس يصبح الحطب ملجأنا الأوفر، وهو أسلم للصحة، ويعطي دفئا معنويا جيدا، نستفيد منه لتسخين الطعام أو الشوي خصوصا البطاطا التي تؤكل في سهرات ليالي الشتاء الطويلة والكستناء وسواها. وعندنا الكثر من البيوت استبدلت صوبيا المازوت بـ «وجاق القاطرجي» (قديم جدا ويعتبر من أولى الصناعات للتدفئة على الحطب).