شن الإعلام المقرب من “حزب الله” في لبنان حملة شعواء على البطريرك الماروني بشارة الراعي، وصلت إلى حد نشر “صورة مركبة” على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر البطريرك في بزة جنرال إسرائيلي. هذه الحملة ليست الأولى، فالعلاقة التي يحاول الطرفان، البطريرك والحزب، رتقها سرعان ما تعود الأحداث وتعيدها إلى نقطة الصفر. ففي عظة الأحد الماضي، تخلى الراعي عن الكلام المبطن وذهب إلى ما يدور صراحة في صدور قسم كبير من اللبنانيين، بعدما أصبحوا تحت رحمة “الحرب المفروضة عليهم والمرفوضة منهم”، والتي بحسب عظته “لا شأن للبنان واللبنانيين بها”. كذلك عبر الراعي عن رفض سكان القرى الحدودية أن يكونوا “رهائن ودروعاً بشرية وكبش محرقة لسياسات لبنانية فاشلة، ولثقافة الموت التي لم تجر على بلادنا سوى الانتصارات الوهمية والهزائم المخزية”. وعبارتا “ثقافة الموت” و”الانتصارات الوهمية” تستفزان كثيراً “حزب الله” إذ أصبحتا مرادفتين سياسياً وإعلامياً لسلوكه السياسي.
حاول فريد الخازن، وهو نائب يدور في فلك “حزب الله” وحلفائه، أن يجد لنفسه دوراً على هذا الصعيد، فأقام مأدبة دعا إليها مدير الإعلام في الصرح البطريركي وليد غياض ووفداً من “حزب الله” ضم مسؤول ملف العلاقة مع المراجع المسيحية محمد سعيد الخنسا، ومصطفى الحج علي، وذلك قبل أسبوع على الواقعة. الطبق الرئيس في المأدبة كان السمك، ولم يشعر الضيوف بمفعول الحسك في الحلق إلا مع بداية هذا الأسبوع. وقبل شهر على انفجار مرفأ بيروت، وتحديداً في الخامس من يوليو (تموز) عام 2020، وجه البطريرك الراعي مذكرة “لبنان والحياد الناشط” إلى الأمم المتحدة، مطالباً إياها “بالعمل على إعادة تثبيت استقلال لبنان ووحدته، وتطبيق القرارات الدولية، وإعلان حياده. فحياد لبنان هو ضمان وحدته وتموضعه التاريخي، وبخاصة في هذه المرحلة المليئة بالتغييرات الجغرافية والدستورية. حياد لبنان هو قوته وضمانة استقراره. فلبنان الحيادي هو القادر على المساهمة في استقرار المنطقة أيضاً والدفاع عن حقوق الشعوب العربية وقضية السلام، وعلى لعب دور في نسج العلاقات السليمة والآمنة بين بلدان الشرق الأوسط وأوروبا بحكم موقعه على شاطئ المتوسط”. وبدا من الواضح أن مشروع “الحياد الناشط” محاولة لوقف تورط “حزب الله” في لعبة المصالح الإقليمية وما جره هذا التورط من عزلة عربية ودولية على لبنان. إذاً، هي معركة لها عمقها الفكري والسياسي بين مشروعين لا تكفي وجبة سمك لإيجاد أي قواسم مشتركة بينهما.
عام 1948 كتب أحد رؤساء الرهبانيات المارونية إلى رئيس دير بلدة الناعمة جنوب بيروت الآتي “كنا قررنا أن نجعل دير الناعمة ’دير ابتدا‘ (أي مدرسة للعلوم الابتدائية التي يتلقاها من سيصبح راهباً)، وبما أن إخواننا الفلسطينيين هم في حاجة إلى مأوى فأرجوك أن تفتح أبواب الدير وتنقل المدرسة إلى غير مكان”. في الحرب اللبنانية بين 1975 و1990 احتل المسلحون الفلسطينيون الدير ذاته بعد نهبه وحرقه. لذلك عندما يتكلم الراعي على “الانتصارات الوهمية” وعلى “الحرب المفروضة والمرفوضة”، فلأن “حزب الله” يعيد تجربة اكتوى اللبنانيون بنارها، وتحديداً الكنيسة المارونية التي يقوم على أملاكها عديد من المخيمات الفلسطينية في لبنان.