لكن ترحيل تأجيل تسريح العماد عون بدلاً من التمديد له بموجب اقتراح قانون يصادق عليه البرلمان في جلسته، التي انطلقت الخميس، لا يلغي تسليط الضوء على دور «حزب الله» في نقل تأجيل تسريحه إلى مجلس الوزراء، رغم أنه كان يدعو ميقاتي، كما تقول مصادر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط»، للتريث وعدم التسرُّع في حرق المراحل بدعوة الحكومة لحسم أمرها، بذريعة أنه ضد الشغور في قيادة الجيش، لكنه لا يزال يدرس مجموعة من الخيارات تمهيداً لبلورة الخيار الذي يراه مناسباً للتمديد له، خصوصاً أن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد أبلغ الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عندما التقاه في زيارته الأخيرة لبيروت، بأنه لا يمانع بقاء عون على رأس المؤسسة العسكرية.
وتؤكد مصادر في المعارضة أن «حزب الله» لعب دور العرّاب إلى جانب بري في إقناع ميقاتي باسترداد ملف التمديد للعماد عون بإحالته على مجلس الوزراء، مع أن الحزب كان وراء دعوة الحكومة للتمهُّل في حسم تأجيل تسريحه، وبالتالي لن يحضر الجلسة المخصصة لإقراره مراعاةً لحليفه رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، بذريعة أنه لا يريد حشره في الزاوية.
وتكشف المصادر أن «حزب الله» عاد وسحب طلبه من ميقاتي التريث، ما سمح بتأمين النصاب بأكثرية ثلثي عدد أعضاء الحكومة، بمشاركة الوزيرين المحسوبين عليه بوصفه شرطاً لإقرار تأجيل تسريح العماد عون بموافقة نصف عدد الوزراء +1، وتؤكد أن الحزب أعاد النظر في موقفه وتصدّر الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء بناءً على إلحاح من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون الذي تواصل مع قيادة الحزب.
وتؤكد المصادر نفسها أن الرئيس عون وافق على مضض بأن تسترد الحكومة طلب التمديد لقائد الجيش لإقراره، لاعتقاده بأنه لا مجال لتأجيل تسريحه في ضوء استحالة تعيين قائد جديد للجيش؛ لأن ميقاتي ليس في وارد الدخول في اشتباك سياسي مع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي يصر على ترك تعيين قائد جديد لرئيس الجمهورية المقبل، باعتبار أن من غير الجائز ألا يكون له رأي في اختياره من بين الضباط الموارنة برتبة عميد، إضافة إلى أن ميقاتي ينأى بنفسه عن مقاومة الإجماع الدولي والإقليمي الرافض للشغور في قيادة الجيش، في ظل الظروف الاستثنائية والطارئة التي يمر بها لبنان، باعتبار أن المؤسسة العسكرية باتت تشكل خط الدفاع الأول لمنع انهياره.
وتقول مصادر في المعارضة إن «حزب الله» وافق على الإفراج عن انعقاد جلسة مجلس الوزراء للنظر في تأجيل تسريح العماد عون بناء على إصرار من الرئيس ميشال عون الذي ارتأى أن بقاء قائد الجيش بقرار من الحكومة يبقى أقل ضرراً على «وريثه السياسي» النائب جبران باسيل، بخلاف الضرر الأكبر الذي يلحق به إذا تركت الحرية للمجلس النيابي للتمديد له.
وفي هذا السياق، تقول مصادر نيابية، على تقاطع مع محور الممانعة لـ«الشرق الأوسط»، إن الرئيس عون وباسيل باتا على اقتناع بأن هناك صعوبة أمام تعيين قائد جديد للجيش، خصوصاً أنهما كانا من أشد المعارضين للتعيينات بغياب رئيس الجمهورية، وأن أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله اضطر لمراعاتهما، لكنه عاد واستجاب لرغبتهما بأن تكون الأفضلية لتأجيل تسريحه لتفادي التمديد له.
وتؤكد المصادر النيابية أن تأجيل تسريح عون بديلاً للتمديد له، ومن منظار «التيار الوطني الحر»، من شأنه أن يؤدي إلى خفض منسوب الأضرار على الرئيس عون وباسيل، ويفتح الباب للطعن بالقرار أمام مجلس شورى الدولة، وتقول، نقلاً عن باسيل، إنه يتيح له مواصلة حملته على قائد الجيش في محاولة لضرب صورته دولياً وإقليمياً؛ بغية التقليل من حظوظه الرئاسية.
وتضيف بأن تأجيل تسريح عون لمدة 6 أشهر، وإن كان «التيار الوطني» يسعى لخفضها لثلاثة أشهر بدلاً من أن تكون لمدة سنة إذا أتى التمديد له من البرلمان، يمنع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع من تسجيل نقطة في مرمى باسيل، كونه أول من تقدم من خلال كتلته باقتراح قانون يقضي بالتمديد له.
وترى المصادر نفسها أن تأجيل تسريح عون، ولو كان سلبياً من وجهة «التيار الوطني»، فإنه أقل كلفة من التمديد له الذي يقفل الباب أمام الطعن به، وتقول إن الأهم لباسيل يكمن في أن التمديد من خلال البرلمان قد يتيح للعماد عون الحصول على تأييد رقم نيابي مميز من شأنه أن يشكل صدمة لباسيل، باعتبار أنه يرفع حظوظه الرئاسية، ما يعني أن التمديد هو اختبار مسبق لميزان القوى في البرلمان؛ لأنه سيكون استفتاء على الطريق إلى الرئاسة الأولى.
كما أن تأجيل التسريح يبقى لصالح باسيل لتفادي حصول خرق داخل تكتل «لبنان القوي»، ولو على نطاق ضيق، بامتناع نواب ينتمون إليه بالانضمام إلى حملته على قائد الجيش، خصوصاً أن المجلس السياسي للتيار هو من يقود الحملة بغياب أي بيان عن كتلته النيابية.
لذلك، هذا هو المشهد السياسي إذا تقرر تفضيل تأجيل تسريح العماد عون في جلسة مجلس الوزراء بدلاً من التمديد له من خلال البرلمان، إلا إذا حصلت مفاجأة بإعادة الملف إلى الحضن النيابي، بناءً على إصرار الكتل النيابية التي توافقت على دمج اقتراحات القوانين بالتمديد له باقتراح واحد.