عكست زيارة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي إلى بيروت وما تضمنته من تصريحات وتعهدات ورسائل تبدّل موازين القوى في لبنان بعد الضربات القاسية التي تلقاها حزب الله في حربه الأخيرة مع إسرائيل، حيث بات الحزب مطالَباً بالتخلي عن سلاحه والالتحاق بمشروع الدولة اللبنانية، أسوة بما فعلته بقية الميليشيات المسلحة قبل نحو 3 عقود عند انتهاء الحرب الأهلية.
وبلُغة جديدة أكثر هدوءاً، وبدعوة إلى فتح صفحة جديدة في العلاقات، جاءت الزيارة الثانية لعراقجي إلى بيروت بعد انتخاب عون لرئاسة الجمهورية وتشكيل حكومة برئاسة نواف سلام، مختلفة جذرياً عمّا كان عليه الوضع في الزيارة السابقة، التي رفع خلالها عراقجي سقف خطابه وأثار ردود فعل لبنانية غاضبة.
وكشفت مصادر متابعة لـ «الجريدة» أن عراقجي لم يأت على ذكر حزب الله أو سلاحه ولا ملف سلاح المخيمات الفلسطينية، بل تحدث فقط عن تعزيز العلاقات بين البلدين على قاعدة الاحترام المتبادل، لكنه شدد على فكرة الحوار الداخلي بين الأفرقاء، لمعالجة كل المشاكل العالقة، وأبدى رغبة في تعزيز العلاقات التجارية بين لبنان وإيران، وإعادة تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين للبحث في كل هذه الملفات. الأهم بالنسبة إلى زيارة عراقجي هو مطالبته الحكومة اللبنانية بإعادة النظر في قرار وقف الطيران المباشر من إيران إلى بيروت ومن بيروت إلى طهران، معتبراً أنه يجب التغلب على كل الصعوبات.
أما سياسياً، فقد استعرض الوزير الإيراني مسار العلاقات الإيرانية مع الدول العربية، وخصوصاً مع دول الخليج ومصر، مؤكداً أن طهران تنتهج سياسة الانفتاح وتعزيز علاقاتها مع دول الجوار، وهي تحقق تقدماً في هذا المسار على قاعدة التعاون الإقليمي. هو مسار يعكس إيجابية من قبل إيران في هذه المرحلة، بدلاً من التصعيد الذي كانت تعتمده في السابق.
واستنتج اللبنانيون من هدوء خطابه أن هناك تغيّراً في المسار الإيراني لمقاربة ملفات المنطقة، وخصوصاً في ضوء التفاوض مع الولايات المتحدة حول اتفاق محتمل بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وخلال استقباله عراقجي، شدد الرئيس اللبناني جوزيف عون، على تطلّع لبنان الى «تعزيز العلاقات من دولة إلى دولة مع إيران»، مؤكداً أن «الحوار الداخلي هو المدخل لحل المسائل المختلف عليها، وكذلك الحوار بين الدول بعيداً عن العنف»، في إشارة الى تمسّك عون بالحوار لحصر السلاح بيد الدولة، وضرورة نزع حزب الله سلاحه.
وفي رسالة أخرى ذات دلالة، قال عون إن «إعادة إعمار ما هدمته الحرب الإسرائيلية على لبنان من الأولويات التي نعمل عليها مع الحكومة، بالتعاون مع الدول الشقيقة والصديقة وفق القوانين المرعية الإجراء»، في إشارة إلى ضرورة أن تمر أي مساعدات إيرانية عبر قناة الدولة اللبنانية.
من ناحيته، شدد عراقجي على أن «إيران تدعم استقلال لبنان وسيادته ووحدة أراضيه والجهود التي يبذلها لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي»، وأن «دعم إيران للبنان يأتي في إطار العلاقات الجيدة بين البلدين ومبدأ عدم التدخل في السياسة الداخلية، وإيران تدعم الحوار الوطني في لبنان بين الطوائف والمجموعات والاتجاهات المختلفة».
وخلال لقائهما، سلّم عراقجي رئيس الحكومة نواف سلام دعوة باسم الرئيس الايراني مسعود بزشكيان لزيارة طهران. وكان سلام قد أثار غضب حزب الله وبعض حلفاء إيران، عندما تحدث في مقابلة تلفزيونية عن انتهاء زمن الهيمنة الإيرانية وفشل مقولات تصدير الثورة الإيرانية الى الخارج.
كما أكد عراقجي، بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، استعداد الشركات الإيرانية للمساهمة في جهود إعادة إعمار لبنان، «في حال طلبت الحكومة اللبنانية ذلك».
إلى ذلك، أثار قرار الرئيس عون تعيين الوزير السابق علي حمية، المحسوب على حزب الله، مستشاراً لشؤون إعادة الإعمار انتقادات لاذعة من قبل خصوم الحزب.وفي تصريحات له لدى وصوله الى مطار بيروت الدولي، شدد عراقجي على «أننا نحترم شؤون لبنان الداخلية ولا نتدخل فيها، ونحن ندعم سيادة لبنان ووحدة أراضيه، ونأمل فتح صفحة جديدة في العلاقات معه على أساس الاحترام المتبادل».
جاء ذلك، فيما وصل وفد فلسطيني برئاسة أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية، عزام الأحمد، إلى بيروت للبحث في وضع الخطة النهائية لعملية سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات، على أن تبدأ المرحلة الأولى من مخيمات بيروت وتحديداً، شاتيلا، وبرج البراجنة، ومار الياس، على أن تكون المرحلة الثانية مخصصة لمخيمات البقاع والشمال، فيما المرحلة الثالثة مخصصة لسحب السلاح من مخيمات الجنوب.
وبحسب المعلومات، فإن اجتماعاً أمنياً سياسياً سيعقد غدا لوضع الآلية التنفيذية لذلك، علماً بأن مصادر متابعة تشير إلى محاولة بعض الفصائل عرقلة هذا المسار، لاسيما غير المنضوية في منظمة التحرير الفلسطينية، ويضع هؤلاء شروطاً أساسية تتصل بالحصول على حقوق وضمانات. في المقابل هناك إصرار لدى الدولة اللبنانية على إنجاز ملف سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات، مع ممارسة ضغوط على كل الفصائل للالتزام بما جرى الاتفاق عليه خلال زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس.