تحتاج ابنة السنتين ونصف السنة إلى دواء غير متوفّر في لبنان بحسب زينب، وتشرح “أطلعني الطبيب أنه يساعد على تنشيط الدماغ، وبأنه يمكنني الحصول عليه من سوريا لكن ليس لدينا معارف هناك، أما فيما يتعلق بالعلاج الفيزيائي فأنا أنتظر مساعدة الأيادي البيضاء لإخضاعها له كون تكلفة الجلسة الواحدة عشرين دولارا، وهي تحتاج إلى ثلاث جلسات أسبوعياً”.
أمور كثيرة تحتاجها مريم لا تقوى عائلتها على شرائها لها، فحتى الحفاضات تضطر والدتها إلى إطالة مدة استبدالها نتيجة سعرها الباهظ، فسعر الكيس الواحد منها كما تقول مريم لموقع “الحرة”، “500 ألف ليرة، أما الحليب فبالكاد أتمكن من شراء كمية قليلة لا تكفيها وشقيقتها البالغة من العمر ثمانية أشهر ليوم واحد”.
على الرغم من أن لدى ابنة طرابلس شمال لبنان بطاقة معوّق، إلا أنها لا تستفيد من أي تقديمات من وزارة الشؤون الاجتماعية، حالها كحال بقية الحاصلين على ذات البطاقة، وعددهم يزيد عن الـ 120,000 لبناني، بحسب مديرة برنامج تأمين حقوق المعوقين المنبثق عن هذه الوزارة هيام فاخوري التي تؤكد أن هؤلاء “كانوا يستفيدون قبل الأزمة الاقتصادية بشكل عام من نوعين من التقديمات المباشرة، أولها المتابعة والتعليم والتأهيل من خلال المؤسسات المتخصصة المتعاقدة مع الوزارة والتي يفوق عددها المئة، وهي موجهة بغالبيتها للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة ومن يعانون من إعاقة شديدة”.
أما النوع الثاني من التقديمات بحسب فاخوري فعبارة “عن خدمات للحاجات الإضافية كالتجهيزات التي يحتاجها البعض منهم لتسهيل حياتهم اليومية، منها الكراسي المتحركة والأسرّة الطبية والحفاضات”، وتشدد فاخوري في حديث لموقع “الحرة”، “منذ عام 1997 تقدّم وزارة الشؤون الاجتماعية هذه الخدمات بصورة شبه مستمرة، وقد استفاد منها نحو 40,000 شخص، لكن الوضع الاقتصادي لا سيما ارتفاع سعر صرف الدولار وانهيار قيمة العملة المحلية، وعدم مواكبة الموازنة العامة لارتفاع الأسعار، أجبر الوزارة على تقليص وتيرة تقديماتها منذ عام 2019 إلى أن توقفت كلياً العام الماضي”.
وتضيف “على رغم كل الظروف وعدم توفر الورق والحبر والكهرباء والمازوت للمولدات وإمكانية صيانة الماكينات، أسوة بغيرنا من الإدارات الرسمية، لم نتوقف عن تجديد البطاقات وإصدار بطاقات جديدة وإفادات وغيرها من المعاملات الإدارية، من خلال المراكز الثمانية الموزعة على جميع المحافظات”.
حق صعب المنال
ولدت مريم بحالة صحية جيدة، وعندما بلغت من العمر سنة ونصف السنة، أصيبت بالتهابات داخلية، أدى إلى تضرر خلايا من دماغها حالت دون تمكنها من المشي والجلوس، وتقول والدتها “أجرينا فحوص لها وتابعنا علاجها عند عدد من الأطباء، لكن إنتهى بها الحال إلى أن تصبح من أصحاب الحاجات الإضافية”.
حتى ثمن كشفية الطبيب لا تمتلكها زينب، فزوجها بالكاد يتمكن من تأمين قوت عائلته، وتقول “هو يعمل في دفن الموتى من دون راتب، بل مقابل ما يتكرّم به أقرباء الميت، ولولا نشر صفحة بصمة خير عبر فايسبوك لمقطع فيديو تظهر فيه إبنتي تتلوى من الألم والتعاطف مع حالتها من قبل متبرعين لما تمكّنت من إستئناف جلسات العلاج الفيزيائي لها”.
العمل مع ذوي الحاجات الإضافية ليس محصوراً بوزارة الشؤون الاجتماعية كما تشدد فاخوري، إذ من ضمن مسؤوليات وزارة الصحة تأمين الاستشفاء والدواء لهم، لكن “للأسف منذ الأزمة الاقتصادية ترفض المستشفيات إستقبالهم من دون أدنى مبالاة بإمكانية تعرضها للعقوبة من قبل هذه الوزارة، في وقت تضاءلت بشكل دراماتيكي تقديمات الصناديق الضامنة”.
وعلى وزارة المالية كما تقول فاخوري “تسهيل المعاملات الإدارية وإعفاء ذوي الحاجات الإضافية من الزيادات على الرسوم، في حين على وزارة الأشغال العامة والنقل أن تضع الحافلات التي استلمتها من فرنسا ومن بينها ما هو مؤهل لهؤلاء الأشخاص، في الخدمة، وإعفائهم من دفع بدلات النقل تطبيقاً لما ينص عليه القانون”.
حرمان متعدد الأبعاد
قبل 23 سنة رزقت سمر بإبنها يوسف حاتم، الذي على خلاف أشقائه الستة يعاني من عدم القدرة على الاستيعاب والتكلم إضافة إلى بطء النمو، وبعد أن كانت تستطيع تأمين حاجياته قبل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ العام 2019، فإنها اليوم أبعد ما تكون عن ذلك.
تعمل سمر في بيع المناديل والبسكويت على شاطئ الميناء شمال لبنان، حيث تقصده ويوسف يومياً لنحو ثلاث ساعات لتجني خمس دولارات كحد أقصى، وتقول لموقع “الحرة”، “هو مبلغ لا يكفي لتأمين حاجياته، فعلى سبيل المثال يحتاج كل ثلاثة أيام إلى كيس من الحفاضات عدا الحليب، أما اللحمة التي يحبها كثيراً فقد توقفت عن شرائها له رغم أنه يحتاج إلى تغذية كونه نحيل، يشير إليها كلما مررنا من جانب الجزار، فأتظاهر بعدم فهمي لما يريده”.
لا يملك يوسف بطاقة معوّق، بالتالي لم يستفد يوماً بحسب والدته من تقديمات وزارة الشؤون الاجتماعية، وتضيف “بعض الخيّرين لا ينسوه من عطاءاتهم، منهم الناشطة الاجتماعية آمنة السيّد، التي لا تنفك عن تأمين الحفاضات والحليب له، فوالده رجل سبعيني بالكاد يستطيع العمل، وأشقاؤه لديهم عائلات عليهم تلبية متطلباتها في ظل الإرتفاع الجنوني للأسعار، لاسيما مع وصول سعر صرف الدولار إلى نحو مئة ألف ليرة، وكل ما أرغب به الآن كرسي متحرك لكي يجلس عليه خلال توجهي وإياه إلى العمل، كونه يركض وسط الأوتوستراد وقد كاد يُدهس في إحدى المرات”.
من جانبها تؤكد الناشطة الاجتماعية آمنة السيّد، أن ما يحصل عليه المحتاجون عبرها ما هو إلا تقديمات من فاعلي خير، وبأنها مجرد وسيط، شارحة “منذ سنوات افتتحت صفحتي بصمة خير لنشر حالات المصابين بحروق في مستشفى السلام، وثق المتبرعون بي نتيجة إصراري على أن يكون الدفع مباشر منهم إلى الحالات أو المستشفى، وفي حال إصرارهم على توكيلي بالمهمة أرسل لهم الإيصالات التي تثبت كيف وأين صرف المبلغ الذي دفعوه”.
وسّعت السيد دائرة الذين تغطي حالاتهم عبر صفحتها، من مستشفى السلام إلى مختلف مستشفيات الشمال، ومن ثم إلى المحتاجين وذوي الاحتياجات الخاصة، وتقول لموقع “الحرة”، “أقوم بعمل يفوق عمل الجمعيات، لدي متبرعين ثابتين لا يتوانون عن مساعدة الحالات التي أنشرها والتي تزيد كل يوم” وتضيف “أضيء بشكل أساسي على حالات الأطفال والمعوّقين كونهم من أضعف فئات المجتمع، لا يمكنهم مقاومة المرض والأوجاع والجوع، وأتابع اليوم حالات كثيرة تحتاج إلى أدوية وعلاج فيزيائي وتغذية”.
مع وصول سعر صرف الدولار إلى المئة ألف ليرة توقفت السيّد عن نشر حالات الاستشفاء خارج مستشفى السلام، وتعلّق “معظم الجمعيات إتخذت ذات الخطوة كون الفاتورة الاستشفائية لأبسط عملية جراحية لا تقل عن الألفي دولار، كما أنه لم يعد بالإمكان تغطية فارق وزارة الصحة للمصابين بالحروق من اللبنانيين، كونها تحتسب سعر صرف الدولار على السعر الرسمي أي 15 ألف ليرة، لذلك اقتصرت الأمر على المرضى السوريين الذين تتكفل مفوضية شؤون اللاجئين بدفع الجزء الأكبر من فاتورتهم الاستشفائية”.
وصل الفقر في لبنان لاسيما في طرابلس إلى حدود لا يتخيلها عقل كما تؤكد الناشطة الاجتماعية، قائلة “عدد كبير من الأطفال يحتاجون إلى حليب وحفاضات، أحاول قدر المستطاع نشر الحالات التي تصلني، كما أجهد لتأمين حصص غذائية للعائلات المحتاجة، وفي مرات عدة صدمت بأن بعضها ليس لديه قارورة غاز لإعداد الطعام، ما دفعني إلى إدخالها على قائمة التقديمات”.
التعليم في مهب الفقر
منذ ولادتها لم تبصر لبنى يوسف النور، كتب عليها أن تعيش حياتها كفيفة، في حين يعاني شقيقها عثمان من حالة مرضية تعرف بالعمي الليلي، حيث يفقد بصره كلياً عندما تغيب الشمس، بحسب ما تقول والدته أمينة.
حاولت أمينة كل ما في وسعها لعلاج طفليها، لكن الأطباء أكدوا لها أن لا أمل بشفائهما، من هنا حاولت تقبل الأمر، سجّلت إبنتها في مدرسة داخلية، وبعد خمس سنوات أطلعتها المعلمة أنها لم تتمكن من تعلم شيء عن طريق اللمس نتيجة معاناتها من إرتخاء عضلي، فأعادتها إلى المنزل لتبقى وسط العائلة”.
أما عثمان البالغ من العمر تسع سنوات، فبحاجة اليوم كما تقول والدته إلى مدرسة خاصة بذوي الاحتياجات الإضافية “فهو يعجز عن كتابة حرف واحد لعدم قدرته على الرؤية بشكل جيّد خلال النهار” وتضيف “الأقساط المدرسية المرتفعة أجبرتنا على تسجيله في مدرسة رسمية على مقربة من المنزل، إذ حتى بدل تنقلات لا يمكنني دفعها له”.
عائلة يوسف من دون أي مدخول سوى المبلغ المالي الذي بدأت تحصل عليه قبل خمسة أشهر من وزارة الشؤون الاجتماعية، فالوالد توقف عن العمل بسبب مرضه، وتقول أمينة “منذ ولادة لبنى قبل 15 سنة حزن كثيراً على حالها، ومع الوقت إزداد حزنه عليها حتى أصيب بداء السكر، وقبل فترة إحتاج إلى دخول مستشفى بسبب مشاكل في القلب، ولولا تجمّع شباب إيزال، الذي أمّن له مبلغ الفاتورة الاستشفائية، لكان مات على باب المستشفى، كما أن هذا التجمّع يساعده في تأمين ما يحتاجه من أدوية ويزودانا دائماً بالحصص الغذائية وغيرها”.
تمضي لبنى معظم وقتها كما تشير والدتها “جالسة على الأرجوحة، تحفظ القرآن الكريم من خلال الاستماع إليه عبر هاتف والدها مستعينة بالإنترنت الخاص بجيراننا، وقد وعدت من قبل تجمّع البلدة بشراء هاتف خاص لها الأمر الذي أسعدها جداً”، مضيفة “بعد أن تعرضت للتنمر من قبل طفل من أبناء البلدة حين كانت متجهة مع شقيقها إلى الدكان، حيث سمعته يقول عنها العمياء، عادت جاهشة بالبكاء واستمرت على هذه الحالة لساعات، ما دفعني إلى منعها من الخروج برفقة أي من أشقائها الأربعة، لذلك تصر يومياً على والدها أن يأخذها نزهة في السيارة، لكن ارتفاع سعر المحروقات يمنعه من تلبية رغبتها، وأحيانا يقتصر الأمر على القيام وإياها بجولة سيراً على الأقدام في البلدة”.
معظم عائلات ذوي الاحتياجات الخاصة أصبحوا من الطبقة الفقيرة، بحسب ما يقوله لموقع “الحرة”، رئيس جمعية عكار الزاهر الخيرية، رئيس إتحاد روابط مخاتير عكار ومختار بلدة ببنين، زاهر الكسار، و”عدد لا يستهان به منهم يتكلون إضافة إلى مساعدات المغتربين إلى تقديمات وزارة الشؤون الاجتماعية، سواء عبر برنامج أمان والبرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً، والآن عبر برنامج البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة”.
نافذة الأمل.. مهددة
أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية، الشهر الماضي، بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي واليونيسف ومنظمة العمل الدولية “برنامج البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة”، وبموجبه سيستفيد بحسب ما أوردت الأمم المتحدة “ما لا يقل عن 20,000 شخص يحملون بطاقة المعوّق، من بدل شهريّ قدره 40 دولاراً لفترة أولية مدّتها 12 شهراً، وستمنح الأولوية خلال المرحلة الأولى من تنفيذ البرنامج للشباب والشابات من مواليد الأعوام بين 1995 حتى 2005”.
هذا المشروع ساهم أيضاً بحسب فاخوري “في تطوير بيئة العمل من خلال الدعم المادي وتأهيل مراكز برنامج تأمين حقوق المعوّقين من صيانة ومعدات وتجهيزات وغيرها”.
إلى حد الآن تواصلت وزارة الشؤون مع ما يزيد عن 6000 شخص، ومنذ الأسبوع الأول لإطلاق المشروع حصل بحسب فاخوري “حوالي الـ 4000 شخص على المنحة”، مشددة “حاجات ذوي الإعاقة ليست فقط نقدية، فالأربعون دولار لا تشتري كرسيا متحركا ولا تؤمن الحاجيات الإضافية لهؤلاء من جلسات تأهيلية أو علاج نطقي وسمعي وفيزيائي، فكلفة الجلسة الواحدة من العلاج الفيزيائي لا تقل عن الـ 20 دولار، لكن بالحد الأدنى تدعمهم، من دون أن ننسى حاجة هؤلاء كما بقية الناس إلى الطعام المغذي الذي بات من الصعب تحمّل تكلفته”.
وتشدد “هذه المنحة تعطى مباشرة للمعوّق وهي غير مشروطة بأي وجهة استعمال ولا بعدم استفادة عائلته من برامج الوزارة الأخرى، كما أنها لا تعتبر راتباً، إنما تلبية لحاجات في ظل هذه الظروف الاستثنائية والطارئة، فالقانون 220/2000 كما الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة والتي وقّع عليها لبنان مؤخراً في شهر فبراير، ينصان على حق هؤلاء بالحصول على جميع احتياجاتهم من العلم والعمل إلى الحاجيات الإضافية، إضافة إلى حقهم بالدمج في المجتمع وتسهيل تنقلاتهم للوصول إلى الخدمة التي يريدونها”.
كما أن وزارة الشؤون الاجتماعية مستمرة ببرامج حماية الأطفال ومن ضمنهم ذوي الإعاقة من العنف الذي لا يقتصر فقط على الضرب والقتل، فالإهمال كما تقول فاخوري أحد وجوهه، “حيث زادت في الآونة الأخيرة نداءات الحماية من هكذا حالات”.
انتظر المستفيدون من برنامج “أمان” كما يقول الكسار وصول رسائل إلى هواتفهم لإبلاغهم بالتوجه لقبض المخصصات المالية، لكن “طال انتظارهم إلى أن اكتشفوا أن حاكم المصرف المركزي رياض سلامة تأخر عن توقيع إذن صرفها، من هنا دعوت لوقفة احتجاجية نفذناها اليوم أمام مصرف لبنان لرفع الصوت رفضاً للمماطلة وخوفاً من تناسي الأمر”.
وفي تغريدة له اعتذر وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار “من فقراء لبنان على التأخر بالدفع لبرنامج أمان، لأنّ الأموال التي وصلت من الولايات المتحدة لا تزال في مصرف لبنان” مضيفاً “أستجدي” المعنيين في المصرف المركزي تحويل الأموال إلى حساب رئاسة الحكومة.
الدعم المادي أصبح إلزاميا لجميع اللبنانيين وليس فقط لذوي الاحتياجات الخاصة الذين تأمل فاخوري أن يستفيد العدد الأكبر منهم من “برنامج البدل النقدي للأشخاص ذوي الإعاقة” وإطالة أمده، كما تأمل أن تتمكّن الوزارة من إعادة تغطية كافة الخدمات التي كانت تقدمها، وللوصول إذا ذلك تقول “نضاعف الجهود على جميع الأصعدة، وعلى رأسها الموازنات العامة، حيث على الحكومة إعادة النظر بمخصصات الوزارة كون الكلفة المترتبة الآن تضاعفت عشرات المرات عما كانت عليه قبل الأزمة الاقتصادية”.